من طاولة “الحوار الوطني”.. ما هو “العزل السياسي”

صورة تمثل "العزل السياسي" الذي ورد في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري. (تعديل عنب بلدي)

camera iconصورة تمثل "العزل السياسي" الذي ورد في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري. (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

تضمنت مخرجات البيان الختامي لمؤتمر “الحوار الوطني السوري”، المنعقد في 25 من شباط، 18 بندًا، كخطوة أساسية في مسيرة بناء الدولة السورية الجديدة، دولة الحرية والعدل والقانون، بحسب ما جاء في البيان.

وورد في البند الـ 12، الذي تضمن الحديث عن التنمية السياسية، مصطلح “العزل السياسي” للأشخاص العاملين في النظام السابق، وفق أسس ومعايير عادلة.

فما هو العزل السياسي؟ وكيف يمكن تطبيقه في الحالة السورية؟ وهل من الممكن أن يحل هذا العزل مكان العقاب أو المحاسبة للأفراد على الخلل السياسي الذي تسببوا فيه؟

وما أهمية هذا الإجراء خلال المرحلة الانتقالية؟ وتحديدًا في مسار تحقيق العدالة.

ما معنى “العزل السياسي”

يبرز مصطلح العزل السياسي في العديد من الأبحاث السياسية، والدراسات القانونية، خاصة في سياقات العدالة الانتقالية والتحولات السياسية وإعادة بناء أنظمة الدول بعد الأزمات والصراعات.

والعزل السياسي هو إجراء قانوني أو سياسي يتم بموجبه استبعاد أفراد أو جماعات من المشاركة في الحياة السياسية، سواء من خلال الترشح للمناصب العامة، أو تولي الوظائف الحكومية، أو ممارسة حقوقهم السياسية، وذلك بسبب تورطهم في جرائم سياسية، أو فساد، أو انتهاكات قانونية، أو ممارسات استبدادية، مرتبطة بالأنظمة السابقة.

كما يرتبط بمحاكمات النظام السابق، ويهدف إلى تطهير المؤسسات من العناصر التي دعمت الاستبداد، وتجريدها من الشرعية، ومنعها من التأثير في العملية السياسية الوطنية.

ويتلخص موضوع العزل السياسي، الذي نوقش في مؤتمر الحوار الوطني السوري، في منع رموز أو شخصيات أيدت نظام الأسد المخلوع علنًا في حربه على السوريين من المشاركة في العمل السياسي أو تولي مناصب في الدولة والحياة العامة، بحسب ما أوضحه الباحث في “مركز عمران للدراسات”، بدر ملا رشيد، الذي حضر الجلسة التي تناولت هذا الموضوع، في حديث إلى عنب بلدي.

وأضاف أن هذا العزل يشمل ممارسة أي نشاط سياسي أو الانخراط في الحياة السياسية، ولا يعني نزع الحقوق المدنية، مثل حق التملك أو ممارسة الحياة المدنية والأعمال الخاصة.

وفيما يتعلق بالمشاركة في الانتخابات، قال ملا رشيد إنه لا يحق للمعزولين التصويت أو الترشح، ويبقون مشمولين ضمن إجراءات العزل السياسي.

في سوريا

وقال الباحث بدر ملا رشيد إن العزل السياسي في الحالة السورية يمكن تطبيقه على الشخصيات النافذة أو الظاهرة، سواء كانوا إعلاميين، أو أعضاء في مجلس الشعب، أو قادة فروع حزبية، أو حتى محللين سياسيين أسهموا في “شرعنة” النظام سياسيًا وتبرير انتهاكاته بحق السوريين.

ولتحقيق هذا المسار، أشار ملا رشيد إلى ضرورة إعادة تفعيل القضاء، ووضع أطر وطنية، وأرشفة جميع الأشخاص المتورطين في شرعنة النظام سياسيًا على مختلف الأصعدة، سواء الدينية أو الإعلامية أو الحزبية أو المؤسساتية، مع التركيز على الذين كانوا جزءًا من مؤسسات الدولة وأسهموا في تنفيذ سياسات النظام، ولكن ليس في الجوانب البيروقراطية.

وبعد أن يقر القضاء بدورهم في الانخراط مع النظام قبل الثورة السورية وخلالها، يتم إحالتهم إلى إجراءات العزل السياسي.

دور في العدالة الانتقالية

الباحث بدر ملا رشيد قال إن العزل السياسي يعد جزءًا أساسيًا من مسار العدالة الانتقالية في سوريا، وحتى في تجارب دول أخرى مرت بظروف مماثلة.

وفي السياق السوري، يستهدف العزل السياسي الأفراد الذين لعبوا دورًا في “شرعنة” النظام سياسيًا أو إعلاميًا، سواء من خلال التأييد الصريح والمباشر أو عبر الترويج لسياساته وانتهاكاته كشخصية عامة، و يتمثل في منعهم من العودة إلى الشأن العام أو المشاركة في أي عملية سياسية مستقبلية، بحسب ملا رشيد.

ويشير أيضًا، إلى أن هذا الإجراء يهدف، على أقل تقدير، إلى الحد من التوتر المجتمعي ومنع حالة الرعب والقلق التي تصيب ضحايا النظام المخلوع.

كما يسهم في تجنب استفزاز مشاعر أهالي المفقودين والمعتقلين والمهجرين، وكل من عانى من انتهاكات النظام، عبر الحيلولة دون عودة شخصيات كانت تبرر وتدعم ممارساته خلال الثورة.

هل يحل محل المحاسبة؟

لا يمكن للعزل السياسي أن يكون بديلًا عن العقاب أو المحاسبة، بل يتم تطبيقه بشكل أساسي على الأشخاص الذين لم يشاركوا في القتال المباشر أو تنفيذ الأوامر العسكرية، لكن كان لهم دور في الإدارة السياسية للنظام، بحسب الباحث بدر ملا رشيد.

ويشمل الإجراء قادة فروع حزب البعث، والوجوه الإعلامية، والمحرضين الأساسيين، وكتاب الخطابات الرسمية، وأعضاء مجلس الشعب.

وأشار ملا رشيد إلى أن هؤلاء الأفراد سيخضعون للمحاسبة إذا ثبت تورطهم في جرائم أخرى، إلى جانب شملهم بإجراءات العزل السياسي.

ولم يتم بعد تحديد الإطار التنفيذي لهذا العزل وفقًا لاختلاف المناصب، وقال ملا رشيد، “على سبيل المثال، لا يزال النقاش مفتوحًا حول ما إذا كان أعضاء مجلس الشعب سيواجهون عقوبات إضافية مثل السجن أو الغرامات المالية، أم أن الإجراء سيقتصر على منعهم من المشاركة في الحياة السياسية”.

وأشار الباحث، تأكيدًا على ضرورة المحاسبة، إلى أن العزل السياسي لا يعني الإفلات من العقاب، ومن الممكن أن يفرض حتى في غياب أحكام قضائية باعتقال هؤلاء الأشخاص أو محاسبتهم، في الحالات التي لم تشمل تورطهم المباشر في القتل أو التورط العميق في شرعنة النظام.

وعلى الرغم من عدم حلول العزل السياسي محل المحاسبة، يبقى إجراءً ضروريًا لمنع إعادة إنتاج النظام السابق ورموزه الذين لعبوا دورًا في شرعنته، وضمان عدم عودتهم إلى المشهد السياسي مستقبلًا.

تجارب سابقة.. هل نجحت؟

عكست تجارب العزل السياسي في الدول التي شهدت انتفاضات وثورات شعبية، حالات من الجدل حول مدى تحقيقها للعدالة أو تحولها إلى أداة إقصاء سياسي.

وتوضح هذه التجارب أن نجاح العزل يعتمد على معايير واضحة وعادلة، بحيث يميز بين المحاسبة على الانتهاكات الجسيمة وبين ضمان حقوق المشاركة السياسية، بما يسهم في تحقيق المصالحة الوطنية والاستقرار الديمقراطي.

ففي مصر، كان العزل السياسي محور جدل قانوني وسياسي كبير، بعد ثورة 25 كانون الثاني وسقوط نظام حسني مبارك في شباط 2011.

واستهدف القانون في ذلك الوقت، رؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء وقادة الحزب الوطني المنحل، لكن تم الطعن فيه أمام المحكمة الدستورية.

وفي 14 حزيران 2012، قبل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، قضت لمحكمة بعدم دستوريته، مما سمح لأحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، بالبقاء في السباق ضد الرئيس المصري السابق محمد مرسي.

العزل السياسي في مصر لم يكمل في تحقيق أهدافه، بعد إلغاء العمل به، ولم يتم تطبيق العزل السياسي فعليًا، واستمر نفوذ رموز النظام السابق في الحياة السياسية المصرية.

وفي ليبيا، صدر رسميًا قانون العزل السياسي، في 5 من أيار 2013 عن المؤتمر الوطني العام، وكان يهدف إلى منع المسؤولين الذين عملوا مع نظام معمر القذافي من تولي المناصب العامة في الدولة الجديدة.

وشمل القانون عدة فئات من المسؤولين السابقين، مثل الوزراء، السفراء، القادة العسكريين، ورؤساء الأجهزة الأمنية، وحتى بعض الشخصيات العامة الذين دعموا النظام السابق.

وكسابقه في مصر، ألغى مجلس النواب الليبي، القانون في 2 من شباط 2015، مبررًا ذلك بأنه أصبح أداة للإقصاء السياسي واستُخدم ضد بعض الشخصيات لأغراض سياسية.

وفقًا لـ “هيومن رايتس ووتش“، فإن القانون لم يميز بدقة بين المسؤولين السابقين الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة وبين أولئك الذين شغلوا مناصب دون التورط في جرائم، كما شكل القانون أداة سياسية أكثر من كونه وسيلة لتحقيق العدالة الانتقالية، مما دفع السلطات الليبية إلى إلغائه لضمان تحقيق المصالحة الوطنية وإرساء أسس ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان.

وفي السودان، أقرت السلطات الانتقالية السودانية، تطبيق العزل السياسي بعد سقوط نظام عمر البشير في نيسان 2019، كجزء من جهود تفكيك النظام السابق ومنع رموزه من العودة إلى السلطة.

وفي تشرين الثاني 2019، أصدرت الحكومة الانتقالية في السودان قانون تفكيك “نظام الإنقاذ”، الذي نص على حل حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم سابقًا) ومصادرة أصوله، بالإضافة إلى استبعاد مسؤوليه من المناصب العامة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة