فجرت “جريمة العفيف” في دمشق، حين قتل صائغ بسلاح أبيض، الحديث عن تزايد معدلات الجريمة في سوريا، وسط فراغ أمني في عدد من المناطق.
وبلغ عدد الجرائم الجنائية والقتل ضد مجهول، منذ مطلع عام 2025 في محافظات سورية متفرقة ما يقارب 40 جريمة حسب ما نشرته وزارة الداخلية السورية في قنواتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشهدت عدة مناطق سورية جرائم مختلفة، بدوافع السرقة والمشاجرات العائلية والثأر وتجارة المخدرات، وأخرى سجلت ضد مجهول.
وتحتل سوريا المركز الأول على مستوى الدول العربية في مستوى الجريمة، بمعدل 68.1، وفق مؤشر قياس الجريمة في قاعدة بيانات “Numbeo”.
وتراجعت إلى المرتبة الثانية بعد أفغانستان على مستوى الدول الآسيوية، والمرتبة الـثامنة عالميًا، من بين 147 دولة شملها التقييم.
قاعدة بيانات “Numbeo” من أكبر قواعد البيانات في العالم التي تهتم بتقييم مستوى الجريمة ودرجة الأمان في دول العالم، وذلك من خلال قياس معدلات ارتكاب جرائم القتل العمد والسطو والسرقة بالإكراه والاغتصاب وغيرها من أشكال الجريمة.
غياب الأمن وانتشار الفوضى
أستاذ الأمراض النفسية في كلية الطب بجامعة دمشق، يوسف لطيفة، قال لعنب بلدي إن الإنسان يحتاج إلى قيم وقوانين تساعده على ضبط سلوكياته، فغياب النواحي الأمنية وضعف تطبيق القوانين، يؤدي إلى غياب العدالة وعدم المساواة بين الأفراد، وشعور الأشخاص بالظلم، بالتالي زيادة النزعة العدوانية تجاه الآخرين، وانتشار السلوكيات غير المقبولة بين الأفراد.
وينخفض تأثير القيم الاجتماعية عند كثير من الأفراد، مع غياب الأمن وغياب رقابة القوانين، فتتحرض سلوكيات ضد الأفراد الآخرين، كالعدوانية والسرقة والابتزاز والغش.
ويعد وجود القوانين بالإضافة للقيم الأخلاقية والقيم الاجتماعية، أمرًا ضروريًا بحسب وصف لطيفة، من أجل ضبط السلوك الشاذ عند الأفراد، وتشجيع الأشخاص الذين يملكون شخصية غير متكاملة على ضبط أنفسهم.
وتعد عملية فرض الأمن أحد أهم التحديات التي تواجهها حكومة دمشق المؤقتة، في ظل وجود عصابات استغلت الفراغ الأمني، وخروج الكثير من أصحاب السوابق الجنائية في أثناء عملية تفريغ السجون.
ووفق دراسة نشرتها “فاستر كابيتال”، يؤثر مستوى وجود الشرطة في منطقة ما على معدل الجريمة فيها، فالمناطق ذات الوجود العالي للشرطة أقل عرضة للمستويات العالية من الجريمة، ومع ذلك، فإن الإفراط في ضبط الأمن يمكن أن يؤدي أيضًا إلى نتائج سلبية مثل التنميط العنصري ووحشية الشرطة.
سوء الأوضاع الاقتصادية
يعاني أكثر من نصف السكان في سوريا من حالة نقص أمن غذائي، حسب الخبير الاقتصادي علي محمد، وهذه الحالة غير الصحية اقتصاديًا، تؤدي بالضرورة إلى ممارسة الأفراد للفساد الاقتصادي، كالسرقة والاحتيال.
وبحسب التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في 20 من شباط الماضي، فإن تسعة من كل عشرة أشخاص في سوريا يعيشون في فقر.
في ظروف الدول الخارجة من الحروب، تخرج إشكالية نقص الأمن الغذائي، عن سيطرة المبادرات والالتفاف المجتمعي، ما يتطلب إجراءات اقتصادية كبيرة جدًا، لتحقيق الأمن الاقتصادي لأفراد المجتمع وحماية الطبقات الهشة والمعدمة، من الانزلاق نحو الجريمة لتأمين احتياجاتهم، بحسب الخبير علي محمد.
ترتبط حالة التوازن النفسي لدى الأفراد، بتأمين الاحتياجات الأساسية، من غذاء وصحة وأمان وشعور بالانتماء واحترام الذات، أو ما تسمى “حاجات ماسلو”.
وبما أن الحالة المادية للأفراد، تشكل أساسًا للعيش بدرجة من الاستقرار، قد يؤثر أي خلل فيها بشكل سلبي على الصحة النفسية للأفراد وسلوكهم وعلاقاتهم فيما بينهم، بحسب أستاذ الأمراض النفسية يوسف لطيفة.
يشكل الإحساس بالعجز المادي، عند بعض الأفراد وخاصة الذين لديهم مشاكل نفسية أو حالات نفسية خاصة، ما يسمى “اضطراب سلوك اندفاعي”، كما بين لطيفة، فتزداد الأفكار السلبية تجاه الاخرين، وتؤدي بدورها إلى زيادة معدلات العدوانية والعنف في المجتمع، التي قد تنتهي بالاعتداء أو الجرائم الأخرى.
وعلى سبيل المثال، أكد رئيس قسم شرطة الصالحية بدمشق، العقيد مهند جرقوم، أن المتهم (21 عامًا) بجريمة قتل صاحب محل المجوهرات في حي العفيف بمنطقة الجسر الأبيض، في 23 من شباط الماضي، اعترف أن الجريمة كانت بدافع السرقة، وأقر أنه كان يريد المال لعلاج والده المصاب بالسكري، وأمه المريضة بالسرطان.
البطالة أحد مسببات الجريمة
واحد من كل أربعة سوريين، عاطلون عن العمل، لتتضاعف البطالة نحو ثلاث مرات، بحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في 20 من شباط الماضي.
وتستمر حكومة دمشق المؤقتة، بإصدار قرارات فصل وإجازات مأجورة بحق موظفي القطاع الحكومي في سوريا ضمن عملية إعادة هيكلة القطاع العام في سوريا، بالرغم من مناشدة العمال واحتجاتهم على حرمانهم مصدر دخلهم.
وكان الاتحاد العام لنقابات العمال في سوريا، قد رفع مذكرة (نشرتها عنب بلدي في وقت سابق)، بين فيها أن إخراج عدد كبير من العاملين، سينعكس سلبًا على الوضع المعيشي للعديد من العائلات.
وقد ينتج العديد من المشاكل الاجتماعية الخطيرة كالسلب والنهب، ويؤدي إلى حالة من الفلتان وارتفاع معدلات الجريمة.
ويرى الخبير الاقتصادي علي محمد، أن على الحكومة السورية الحالية أو المزمع تشكيلها في الفترة المقبلة، البدء بتفعيل كل الاستثمارات والمشاريع في سوريا، وتحريك عجلة الإنتاج، لامتصاص الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل، ومساعدتهم في تحقيق مصدر دخل يخفف عليهم تكاليف معيشتهم واحتياجاتها.
ويعاني الأشخاص الذين لديهم اضطرابات شخصية، من صعوبة بالسيطرة على دوافعهم، والتكيف مع الآخرين، والتأقلم مع الظروف الصعبة للحياة، بحسب أستاذ الأمراض النفسية يوسف لطيفة.
وتابع لطيفة أن هؤلاء الأشخاص معرضون لحالات من الانهيار السريع نتيجة تراكم الضغوط عليهم، فيشكلون مصدر تهديد للآخرين، سواء عبر التهديد أو العنف أو الهياج الفيزيائي والكلامي، من شتائم ورفع صوت وغضب، إضافة إلى الضرب والتكسير والسرقة والابتزاز وغيرها من المشاكل الاجتماعية الأخرى.
للحد من الجريمة
للحد والتخفيف من الجريمة والسلوكيات العدوانية والغير مقبولة بالمجتمع، وجه أستاذ الأمراض النفسية يوسف لطيفة عدة نصائح للمسؤولين في الحكومة السورية.
- إعادة قوننة نظام الصحة النفسية في سورية بشكل صحيح.
- إيجاد بنية تحتية عن طريق إنشاء جمعيات لعيادات خاصة بالعلاج النفسي، بإشراف الأطباء.
- تدريب المعالجين النفسيين والاختصاصيين النفسيين، على مهارات كيفية التعامل مع المصابين بأحد الاضطرابات النفسية، ثم القيام بالعلاج والتدخل النفسي المناسب.
- الدور المهم لوسائل الاعلام في تشجيع السلوكيات الصحيحة، والدعم النفسي، من خلال استضافة معالجين نفسيين
- إزالة الوصمة تجاه مراجعة المريض لعيادة الطبيب النفسي أو الاستشاري النفسي، من التثقيف والتوعية عبر قنوات الإعلام.
- نشر ثقافة التسامح، وتقبل واحتواء الآخرين، والتشجيع على الأفكار الإيجابية في المستقبل، والتكيف مع ظروف الحياة الصعبة.
ونشرت وزارة الداخلية التابعة لحكومة دمشق المؤقتة، عبر قنواتها على وسائل التواصل الاجتماعي، أرقام هواتف الطوارئ الخاصة بكل محافظة، للتواصل معها في حال حدوث أي طارئ.
وتعمل الوزارة على ترميم النقص في القوى البشرية، وخرجت عدة دفعات من طلاب كلية الشرطة في محافظة دمشق، كان آخرها تخريج دورة الألف عنصر، في 20 من شباط الماضي.