ما أسباب صمت دمشق حيال تهديدات نتنياهو

  • 2025/02/27
  • 12:29 م
الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وإلى يساره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (تعديل عنب بلدي)

الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وإلى يساره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (تعديل عنب بلدي)

بعد مرور أربعة أيام على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والتي تلاها بيوم، تصريحات لوزير خارجيته جدعون ساعر، المهاجِمة للحكومة السورية بدمشق، بقيت الأخيرة صامتة دون ردّ رسمي، مكتفية بالتلميحات، ما يعكس حالة من الحذر السياسي.

تصريحات السياسيين في تل أبيب ليست جديدة على ساحة الصراع السوري- الإسرائيلي، إلا أن حديث نتنياهو، في 23 من شباط، ومطالبته بنزع السلاح من محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، جنوبي سوريا، وعدم دخول الإدارة السورية الجديدة إليها، كانت الأكثر استفزازًا.

وقال نتنياهو، “لن نتيح لـ(هيئة تحرير الشام) أو الجيش السوري الجديد دخول المنطقة الواقعة جنوبي دمشق، ونطالب بإزالة كافة الأسلحة من القنيطرة ودرعا والسويداء وعدم دخول قوات الحكم الجديد إليها”.

ولم تكتفِ إسرائيل بتصريحات نتنياهو، بل صعدت خطابها تجاه الحكومة في دمشق، وصفتها بأنها “جماعة إرهابية إسلامية جهادية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة”.

جاء ذلك على لسان وزير الخارجية، جدعون ساعر، في 24 من شباط، إذ قال، “أسمع حديثًا عن انتقال للسلطة في سوريا، وبالنسبة لي هذا سخيف”.

التصريحات الإسرائيلية، فضلًا عن التوغل المستمر للأراضي السورية في الجنوب، أثارت غضبًا في الشارع السوري دفعهم للنزول إلى الشارع في يومين متتاليين، 24 و25 من شباط، تخللها مطالبات بالرد على إسرائيل، إضافة إلى دعوة الأخيرة للانسحاب غير المشروط، والالتزام باتفاقية فض الاشتباك “1974”.

الشرع يلمّح

اقتصر الرد الرسمي على تلميحات، جرت على لسان الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بالكلمة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني، في 25 من شباط.

الشرع قال إن “سوريا لا تقبل القسمة فهي كل متكامل وقوتها في وحدتها”، مشيرًا إلى جهات في الداخل والخارج “ساءها فرحة السوريين بانتصار الثورة”، وفق تعبيره.

وفي نفس الجلسة قال وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، “لن نقبل أي مساس بسيادتنا واستقلالنا وسنعمل بعيدًا عن أي ضغوط خارجية”، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن العمل الدولي والإقليمي، هو السبيل لمواجهة الدول التي تهدد أمن ومستقبل سوريا.

ووفق ما ذكرت هيئة البث الإسرائيلي (مكان)، نقلًا عن مصادر سورية وصفتها بالمطلعة، أن دمشق لا تسعى إلى مواجهة مع إسرائيل في المستقبل القريب، لكنها غاضبة من تصريحات نتنياهو الأحدث تجاه سوريا.

وجاء ذلك خلال اجتماع للشرع مع وفد من الفصائل والوجهاء الدروز بدمشق في 24 من شباط، بحسب “مكان”.

وفي مناسبات سابقة، كان الرد الرسمي السوري على الهجوم الإسرائيلي، العسكري والدبلوماسي، بأن سوريا لم تعد تشكل خطرًا على دول المنطقة بما فيها إسرائيل، بعد خروج النظام السابق وإيران و”حزب الله” اللبناني.

“تتعامل بحذر”

الباحث السياسي الدكتور نادر الخليل قال إن تأخر الرد الرسمي يعكس حالة من الحذر السياسي والافتقار إلى رؤية واضحة للتعامل مع الملفات الإقليمية المعقدة والشائكة.

ويبقى على الحكومة بدمشق أن تُظهر مرونة أكبر وتُبادر إلى تقديم مواقف واضحة، مع التركيز على التنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية لتحقيق استقرار دائم في الجنوب السوري، بما يضمن وحدة واستقرار سوريا، بحسب الخليل.

وأرجع الخليل، في حديث إلى عنب بلدي، تعامل دمشق الحذر مع التطورات الإقليمية، بما في ذلك تصريحات نتنياهو وتأخر الرد الرسمي، إلى ثلاثة عوامل رئيسية.

يعود العامل الأول إلى الوضع الداخلي، إذ يرى الباحث الخليل، أن الحكومة الجديدة بدمشق ما زالت منشغلة بترتيب البيت الداخلي، بعد سقوط النظام السابق.

وقال إن “التركة الثقيلة” التي وقعت على عاتقها لبلد مدمر من كل النواحي، يجعلها تركز على إعادة الاستقرار الداخلي، حيث يشكل الأمن أهم الملفات وأكثرها إلحاحًا، قبل التعامل مع الملفات الخارجية الحساسة.

وتلاحق السلطات الجديدة ما تسميها بـ”فلول” النظام السابق، وهم عناصر رفضوا إجراء تسوية وإلقاء سلاحهم، وتواجهم الأجهزة الأمنية بشكل شبه يومي، في مناطق متعددة في سوريا، أبرزها الساحل السوري، في قرى ومناطق كانت تعد معقل الرئيس المخلوع بشار الأسد.

تعقيدات دولية

والعامل الثاني بحسب ما يعتقد الخليل، هو التعقيدات الإقليمية والدولية بما يخص الجنوب السوري، إذ تعتبر منطقة “حساسة جدًا” بحسب توصيف الباحث، ويخضع لتداخل مصالح دول في المنطقة بما في ذلك إسرائيل وتركيا.

ولفت الخليل إلى وجود فصائل مسلحة متعددة، قائلًا إن أي بيان رسمي قد يثير ردود فعل متباينة ويؤدي إلى تصعيد غير مرغوب فيه في هذه المرحلة الحساسة.

وظهر على الساحة الجنوبية ما يسمى بـ”المجلس العسكري للسويداء“، بالتزامن مع تصريحات نتنياهو، واتهم بتبعيته لإسرائيل، وله ميول نحو دولة فدرالية لا مركزية.

كما تواجه الحكومة في دمشق، عراقيل تتمثل بوجود فصائل في السويداء ودرعا، لم تنضوِ ضمن التشكيل العسكري السوري الجديد، وتضع شروطًا لذلك.

العامل الثالث هو غياب الاستراتيجية الواضحة لدى دمشق، وفق الخليل، وقال إن الحكومة الجديدة لم تُطوّر بعد استراتيجية متماسكة للتعامل مع القضايا الإقليمية، بما في ذلك العلاقات مع إسرائيل أو إدارة التوترات في الجنوب.

وعلل الخليل ذلك بالسقوط السريع للنظام السابق، وماخلفه من قضايا شائكة، وفق قوله.

ردود فعل دولية

غياب الرد الرسمي السوري، حلّ مكانه ردود من أطراف دولية وعربية، أبرزها جاء من أنقرة إذ انتقد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان التصريحات الإسرائيلية.

وقال فيدان في 26 من شباط، إن حديث إسرائيل حول منع انتشار الجيش السوري الجديد في جنوبي سوريا هو “سياسة توسع إقليمي”، ويجب على إسرائيل أن تضع حدًا لها.

من جانبه، يرى الخليل أن تصريحات أنقرة الأحدث حول دعم الاستقرار في سوريا قد تكون محاولة لتعزيز نفوذها في الملف السوري.

وفي ذات الوقت، تزيد الردود التركية من تعقيد الوضع إذا لم يتم التنسيق مع الحكومة السورية الجديدة ومراعاة تقاطع مصالح الدول الفاعلة في الملف السوري، بحسب الباحث.

من جانب آخر، يرى أن الضغط الدولي قد يكون أداة فعالة لحل أزمة الجنوب السوري، خاصة إذا تم توجيهه نحو دعم العملية السياسية وضمان انسحاب الفصائل الأجنبية من المنطقة.

ويعتقد الخليل أن نجاح هذا الضغط يبقى مرهونًا بتنسيق الجهود بين القوى الدولية والإقليمية.

من جانبه، أدان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الغارات والهجمات التي شنتها إسرائيل، واعتبرها “استفزازًا أرعن وتصعيدًا ينتهز فرصة التحول السياسي في سوريا لتثبيت واقع غير قانوني وغير شرعي”.

وطالب أبو الغيط، في موقف تكرر من عواصم عربية أيضًا، المجتمع الدولي باتخاذ مواقف واضحة لإدانة ما أسماه “العدوان غير المبرر الذي يستهدف إشعال فتيل التوتر في المنطقة، ووضع العراقيل في طريق الانتقال السياسي في سوريا”.

مقالات متعلقة

  1. إسرائيل تهاجم الحكومة السورية: "جماعة إرهابية"
  2. إسرائيل: احتمال التوصل إلى حل مع "حزب الله" ينعدم
  3. مظاهرات في سوريا تدعو للوحدة وترفض التقسيم
  4. فراغ حكومي في إسرائيل.. فرص نتنياهو تتضاءل

سوريا

المزيد من سوريا