أدت الأحداث التي تلت سقوط نظام الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، والإعلان عن تشكيل جيش سوري جديد، إلى ما يشبه حالة انقسام سياسي وعسكري، ظهرت جليًا في محافظة السويداء جنوبي سوريا، بين مؤيد لفكرة الانضمام لوزارة الدفاع في دمشق، ومعارض لها.
وفي وقت كانت فيه الوزارة تسعى لتحقيق اتفاق مع أطراف في السويداء، ظهر تشكيل عسكري عرف باسم “المجلس العسكري في السويداء” في بيان نُشر، الاثنين 24 من شباط، قاله إنه يحمل “مشروعًا وطنيًا”، مبديًا رغبته التعاون مع دمشق.
وفي وقت ترددت أصداء بيان المجلس بين المراجع الدينية في المحافظة، وكبرى الفصائل العسكرية في السويداء، ظهر ليث البلعوس، وهو نجل الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة “رجال الكرامة” بصورة جمعته بالرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.
وقال البلعوس لصفحة “الراصد” المحلية، عقب لقاء الرئيس الشرع مع وفد ممثل عن الطائفة الدرزية، إن اللقاء كان مثمرًا، وبحث الوفد مع الشرع أوضاع المحافظة وما تعانيه من واقع اقتصادي صعب نتيجة تهميشها من قبل النظام المخلوع.
هذه التطورات جاءت تزامنًا مع بدء مؤتمر “الحوار الوطني” الذي من المفترض أن ينتهي بمخرجات تستفيد منها سلطات دمشق الجديدة في الإعلان الدستوري المقبل، وتشكيل الحكومة، وغيرها من الخطوات التي يجب أن تفضي لحكم تشاركي يمثل الجميع في سوريا.
الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا، الشيخ حكمت الهجري، أعرب عن استيائه من خطوات الحكومة الجديدة، إذ قال لـ”رويترز“، الاثنين 24 من شباط، “حتى الآن نحن نحترم كل الآراء لكننا لم نرَ القدرة على قيادة البلاد أو تشكيل الدولة بالطريقة الصحيحة”.
وأضاف، “نحن نمضي قدمًا في ذلك، على أمل أن تصبح الأمور منظمة أو يحدث شيء جديد بحلول نهاية الفترة الانتقالية”.
وحث الهجري على التدخل الدولي لضمان أن تسفر العملية السياسية عن دولة مدنية، مع فصل السلطات وسيادة القانون، لكن “هيئة تحرير الشام” لم تقبل العروض التي قدمتها الأمم المتحدة للمساعدة في العملية السياسية التي تحدث عنها الهجري، بحسب ما قاله دبلوماسيان غربيان ومسؤولان في الأمم المتحدة لـ”رويترز” أيضًا.
ماذا يحصل في السويداء
لا تزال المشاورات قائمة بين قادة الفصائل العسكرية والمرجعيات الدينية للوصول إلى قرار تتوافق عليه كافة مكونات السويداء، وفق ما أفاد به مراقبون ومطلعون ومنخرطون في هذه المشاورات لعنب بلدي.
فهد البلعوس نجل مؤسس “رجال الكرامة” وحيد البلعوس، قال لعنب بلدي، إنه بعد عدة اجتماعات تذللت معظم العقبات في مسألة الخلاف حول الانضمام لوزارة الدفاع.
ولفت إلى ضرورة حل كافة الفصائل من أجل بناء الدولة والابتعاد عن التبعية الفصائلية أو الطائفية لتفادي ما وصفها بـ”الحرب الأهلية”.
وحول الشروط التي دارت حولها الاجتماعات قال البلعوس، إن أهمها كان الخدمة العسكرية لشباب المحافظة ضمن الحدود الإدارية للسويداء حتى يحين صياغة دستور يضمن حقوق جميع السوريين.
من جانبه، قال الناطق الإعلامي لحركة “رجال الكرامة” في السويداء المعروف باسم “أبو تيمور”، إنه لا يوجد أي خلاف بين قادة الفصائل في السويداء، لكن هناك مشاورات واجتماعات دائمة بين قادة الفصائل الرئيسة في المحافظة تهدف لبحث قضايا تتعلق بهوية الجيش العقائدية، وآلية التطويع، وسلم الرواتب، ومكان الخدمة، وغيرها من التفاصيل.
وأضاف أن نشأة الفصائل في السويداء عام 2014 كانت “حالة طارئة” للوقوف في وجه النظام السوري المخلوع، حينها ومنع أبناء الجبل من الالتحاق في صفوف جيش النظام بالإضافة إلى محاربة “التنظيمات الإرهابية”، في إشارة لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وكان تنظيم “الدولة” هاجم، صيف عام 2018، قرى ريف السويداء الشرقي، ما أسفر عن مقتل نحو 200 شخص، وتلقى النظام المخلوع حينها انتقادات من أبناء المحافظة، واتهامات له بأنه ترك أبناء المنطقة يواجهون الهجمات بمفردهم.
“أبو تيمور” قال أيضًا إنه بعد انتهاء الأسباب التي أدت لوجود هذه الفصائل من الطبيعي أن تتفكك تلقائيًا، لأنها كانت “حالة طارئة” وليست حالة عامة يجب أن تبقى، لكن ذلك يجب أن يترافق مع “إزالة خطر التنظيمات الإرهابية شرقي سوريا ووضع دستور يجمع شمل السوريين”.
وأبدى مخاوفه من تعيين غير السوريين في بنية الجيش السوري الجديد، معتبرًا أن خطوة من هذا النوع، تثير القلق.
الاندماج مرتبط بالدستور
منذ سقوط النظام السوري، امتنعت فصائل السويداء عن تسليم سلاحها، وربطت هذه الخطوة بإعلان الدستور الجديد للبلاد، لضمان حقوق الجميع، وفق تعبيرهم، وهو ما قاله الشيخ حكمت الهجري في فترات زمنية مختلفة.
ولم يختلف حديث الهجري ضمنيًا عن بقية مكونات السويداء، إذ طالبت فصائل مسلحة بالأمر نفسه، وهو ما قاله “أبو تيمور” أيضًا لعنب بلدي.
الشيخ رائد المتني وهو إحدى المرجعيات الدينية لعدد من الفصائل العسكرية المحلية في السويداء، قال لعنب بلدي، إن الفصائل العسكرية في المحافظة تؤيد الاندماج الكامل في بنية الجيش السوري الجديد، لكن حتى هذا اليوم لا يوجد دستور يضمن حقوق السوريين أو يحدد مسؤوليات هذا الجيش.
ولفت الشيخ إلى أن الحكومة الحالية قامت على أساس فصائلي، بالتالي لا تزال سوريا تحتاج لدستور يرسم ملامح الفترة المقبلة.
وأضاف أن كافة الفصائل في السويداء مع نفسها والمساهمة في أن تكون جزءًا من “دولة القانون”، “بوصلتنا دمشق ولن نتخلى عن أي شبر من أرضنا نحن قوميون ولاؤنا لسوريا”، أضاف المتني.
وحول تسليم السلاح للدولة قال المتني، إن الأمر مرتبط بإرساء دعائم دولة القانون على أساس دستور جامع للسوريين.
وأضاف، “نحن لا نريد بقاء هذا السلاح، كانت له مهمة وسيسلم بعد زوال أسباب وجوده”.
من جانبه، قال الناطق الإعلامي لـ”حركة رجال الكرامة” لعنب بلدي، إن تسليم السلاح يأتي في مرحلة متأخرة بعد إزالة كافة المخاطر من “تنظيمات إرهابية” وتشكيل “الجيش الوطني”، لافتًا إلى أن قوى الأمن العام والشرطة هي الضمانة، وليس السلاح بحد ذاته.
ما قصة “المجلس العسكري”
وفق ما جاء عبر موقعه الرسمي المُنشأ حديثًا، قال “المجلس العسكري في السويداء”، إنه يملك “مشروعًا وطنيًا” قائمًا على “قاعدة تنظيم التعاون بين القوى المسلحة في المجتمع المحلي، التي ساهمت في حماية الأرض والعرض، وتمكن شباب الجبل من عدم الانخراط في المقتلة السورية من خلال تغطية امتناع حوالي 40 ألف شاب عن الالتحاق بالخدمة العسكرية والاحتياطية”.
وأضاف أن نواته العسكرية تشكلت من “كوادر العسكريين المنشقين والمتقاعدين الذين شاركوا في انتفاضة السويداء منذ انطلاقتها الأولى”، ودعا الراغبين من القوى العسكرية المحلية في المحافظة للانخراط في مشروعه.
ولفت في بيانه إلى أنه يعمل بالتنسيق مع “القوى السياسية الثورية” والمجتمع الأهلي و”الهيئة الروحية”، متمثلة بالشيخ حكمت الهجري، من أجل تحقيق متطلبات حماية المجتمع، وحماية الحدود الجنوبية من “عصابات التهريب والسلاح والمخدرات”، وتسلل “المنظمات الإرهابية المتطرفة” عبرها، من أقصاها في الغرب حتى منطقة التنف في الشرق.
وأشار إلى أنه سيكون جزءًا من “الجيش الوطني للدولة السورية الجديدة، دولة الحداثة والمواطنة المتساوية وحقوق الإنسان، الدولة الديمقراطية العلمانية اللامركزية، دولة العدالة والسلام الإقليمي والدولي”.
إشهار “المجلس العسكري” جاء تزامنًا مع مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بنزع السلاح من محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، جنوبي سوريا، وعدم دخول الإدارة السورية الجديدة إليها، ما أثار انتقادات لـ”المجلس” نفسه، واتهامات بأنه مدعوم من إسرائيل.
الناطق باسم “رجال الكرامة”، “أبو تيمور”، قال تعقيبًا على تشكيل “المجلس العسكري”، إن الفصيل عبارة عن تشكيل عسكري جديد ظهر بعد سقوط النظام السوري، لافتًا إلى أن لا علاقة تجمع “المجلس” بـ”رجال الكرامة”.
وأرجع عدم وجود تواصل إلى ما أسماها بـ”حالة الحساسية” من الفصائل التي يشتبه أنها مدعومة أو موجهة من الخارج.
ولفت “أبو تيمور” إلى أن الفصائل تشكلت في السويداء كرد فعل شعبي، وكانت تتلقى دعمًا من أبناء المحافظة أنفسهم ولم تتلقَّ دعمًا أو توجيهًا من الخارج، مشيرًا إلى أن هناك حالة تحفظ على “المجلس العسكري” المشكّل حديثًا.
شارك في إعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد.