تنطلق اليوم الاثنين أولى أعمال “مؤتمر الحوار الوطني” في جدول أعمال اعتبره سياسيون وناشطون غير مناسب لحجم الاستحقاق الذي يجب أن يجري في سوريا.
الانتقادات طالت جدول أعمال المؤتمر الذي ستبدأ فعالياته عصر اليوم، الاثنين 24 من شباط، بجلسة تعارف وعشاء للحضور، فيما سيبدأ نقاش جدول الأعمال غدًا الثلاثاء، ضمن ستة مجموعات وورش عمل في عناوين عامة.
يناقش المؤتمر ست قضايا في جلسات مختلفة هي العدالة الانتقالية والبناء الدستوري وإصلاح وبناء المؤسسات وقضايا الحريات الشخصية والحياة الإنسانية، بالإضافة إلى دور منظمات المجتمع المدني، والمبادئ الاقتصادية.
مسألة وصول الدعوات قبل أقل من 48 ساعة من انعقاد المؤتمر أحدثت جدلًا في الشارع السوري، ودفعت بعض المدعويين للاعتذار عن الحضور، كذلك قوبلت مدة مناقشة جدول الأعمال المحدد بيوم واحد الانتقادات، على اعتبار أن المناقشة تحتاج لوقت أكثر من المخصص بكثير، ما دفع العديد للتشكيك بالنتائج التي قد يخلص إليها المؤتمر.
اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري تعقد مؤتمرها الصحفي الثاني – 23 من شباط 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)
جلسات تحضيرية دون المستوى المطلوب
عقدت اللجنة التحضيرية قبل نحو أسبوع من عقد المؤتمر جلسات تحضيرية في معظم المحافظات السورية ومع أبناء محافظات من المنطقة الشرقية وممثلين عنهم في العاصمة دمشق.
لم تخلُ هذه الجلسات من الانتقادات بدءًا من آلية دعوة الحضور وليس انتهاءً بطريقة إدارة الحوار في أثناء الجلسة، فرغم إعلان منظمي الجلسة عن جدول أعمال واضح، لم يتم الالتزام به في العديد من الجلسات وتركت المساحة كاملة للحضور لإدارة الجلسة ما نتج عن ذلك فوضى وتقليل من أهمية لمحور ما على حساب مناقشات أخرى، وذلك بحسب استطلاع رأي أجرته عنب بلدي للحضور في جلسات عدة جرت في مختلف المحافظات.
لا معايير.. لا نتائج
المحامية ذهبية الجبر، حضرت جلسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر في محافظة السويداء، قالت لعنب بلدي إنها تلقت الدعوة بشكل شخصي عن طريق أمين سر المحافظة، دون أن يكون لها معرفة كاملة بالمحددات التي اعتمدت عليها المحافظة أو اللجنة لاختيار المدعوين.
الجبر اعتبرت أن أي دعوة كان يجب أن تستند على معايير، فبعض من دعي لم يقدم شيئًا، وبالمقابل لم يدعَ بعض الأشخاص الذين قد يكون حضورهم مفيدًا.
حول جدول أعمال الجلسة قالت المحامية إنها كانت تتمنى أن يجري حوار حقيقي، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب الوقت المحدد القليل، والمواضيع العديدة المطروحة التي لا يمكن إنجازها بهذا الوقت.
المحامية ذهبية الجبر أشارت إلى استثناء دعوة النقابات معتبرة أن حضورها كان مهمًا كونها الجهات الأكثر تنظيميًا، ولها علاقة مباشرة بما سيناقش، خاصة فيما يتعلق بالمحاكم الانتقالية والإعلان الدستوري.
الجبر اعتبرت أن عمل اللجنة كان تقنيًا بحتًا، فمحاور الجلسات كثيرة والوقت قليل، مشيرة إلى أن بعض المشاركين قدموا أوراق عمل اطلعت عليها اللجنة إلا أنها لم تناقش بها أبدًا، كما لم تخرج اللجنة بتوصيات نهائية يجب أن تنجز في المؤتمر ليجري التوافق عليها أم لا.
المحامي سليمان القرفان حضر بدوره جلسة اللجنة في محافظة درعا، وصلته الدعوة عن طريق اللجنة بشكل شخصي، موضحًا أن بقية دعوات الحاضرين في درعا وصلت عبر فعاليات محلية ومجالس محلية ومجالس شورى لكل بلدة أو مدينة رشحت بدورها الأسماء كممثلين عن هذه البلدات.
حول ما تضمنته اللجنة أوضح القرفان لعنب بلدي، أن اللجنة وضعت الحاضرين بصورة اللقاءات التي أجرتها في مختلف المحافظات، واستطاعت التوصل إلى نتيجة أن مطالب السوريين والسوريات التي يأملونها من مؤتمر الحوار الوطني تخلصت بستة محاور تتمثل بما يلي:
- ضرورة تطبيق العدالة الانتقالية واستعادة الحقوق والمحاسبة وضرورة إنشاء محكمة لمحاكمة مجرمي الحرب.
- البند الدستوري وصياغة دستور جديد.
- إصلاح وبناء مؤسسات الدولة.
- قضايا الحريات الشخصية والعامة.
- دور منظمات المجتمع المدني في بناء الوطن.
- المبادئ الاقتصادية للنظام السوري الجديد.
المحامي سليمان القرفان علق بعد حضوره الجلسة بقوله إنه كان يجب إشراك النقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني السورية، إذ كان ذلك سيصنع فارقًا إيجابيًا لجهة الطروحات والأفكار لاسيما بسبب اطلاع تلك المكونات على التجارب الدولية المشابهة للسياق السوري.
الناشط السياسي، رضوان الأطرش، كان حاضرًا في جلسة محافظة إدلب، قال لعنب بلدي، إن الدعوة وصلته عن طريق الإدارة السياسية بشكل مباشر، موضحًا أن طبيعة الحضور التي وجهت لهم الدعوة كانوا من الناشطين في سنوات الثورة ولهم باع في العمل السياسي.
الناشط السياسي اعتبر أن هذه ألية الدعوات كانت مقبولة بالحد الأدنى، إلا أنها كانت يجب أن تكون موسعة أكثر بحيث تشمل شرائح مختلفة.
رضوان الأطرش أكد أن اللجنة حددت جدول الأعمال بستة محاور لم يتم الالتزام بها أصلًا، إذ تحول الحوار إلى لقاء شعبي بسبب ابتعاد الحاضرين عن المواضيع الرئيسة المطروحة ومناقشات قضايا سياسية وخدمية وإدارية بدلًا عن ذلك.
الناشط السياسي لفت إلى ضرورة أن يكون جزء من الحضور تكنوقراط ونوعي ضمن المؤتمر الوطني، فضلًا عن إشراك جميع مكونات الشعب السوري.
دعوات مفتوحة وجلسات استماع
ردًا على الانتقادات التي طالت هذه الجلسات، قالت اللجنة التحضيرية في تصريح صحفي، في 21 من شباط الحالي، إن جلسات الاستماع والحوار التي يتم تنظيمها بمشاركة شخصيات وفرق تطوعية تهدف إلى إشراك المواطنين في مناقشة مسار الحوار الوطني.
وأوضحت اللجنة أنه تم توجيه دعوات لهذه الجلسات من قبل المتطوعين وهي مفتوحة للجميع وأحيانًا نظمت وفق الشرائح والتخصصات.
المتحدث باسم اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، حسن الدغيم، قال في مؤتمر حضرته عنب بلدي، في 23 من شباط الحالي، إن التوصيات من الحوار الوطني لن تكون مجرد نصائح وشكليات بل سيتم البناء عليها من أجل الإعلان الدستوري والهوية الاقتصادية وخطة إصلاح المؤسسات، مشيرًا إلى عقد أكثر من 30 لقاء شملت جميع المحافظات، شاك فيه ما يقارب 4000 رجل وامرأة، من مختلف مكونات الشعب.
وبحسب اللجنة، تكررت المطالبة بضرورة إصدار إعلان دستوري مؤقت لتسيير المرحلة الانتقالية ووضع خطة اقتصادية تتناسب مع المرحلة وإعادة هيكلة القطاعات الحكومية وإشراك السوريين في إدارة المؤسسات وتعزيز الأمن والاستقرار لتسهيل إعادة بناء مؤسسات الدولة.
من الجلسة الحوارية مع اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني السوري في محافظة السويداء- 19 من شباط 2025 (سانا)
مؤتمر “مفاجئ”.. الأنظار نحو النتائج
الدعوات التي بدأت اللجنة توزيعها أمس الأحد جاءت مفاجئة لناحية توقيت المؤتمر الذي لم يعطي المدعوين وقتًا لترتيب حضورهم خاصة أولئك المقيمين في قارات أخرى، ويلزمهم العديد من الترتيبات لإتمام حضورهم.
الصحفي عقيل حسين وأحد المدعوين، قال إن عدد المدعوين لمؤتمر الحوار الوطني السوري 550 شخصًا، وعدد الذين أكدوا حضورهم 533 (97%)، بينما بلغ عدد الذين لن يتمكنوا من الحضور 17 شخصًا (3%).
يعد الحوار الوطني أداة تحظى بشعبية متزايدة لحل النزاعات والتحول السياسي في بلد ما، ويمكنه توسيع نطاق النقاش حول مسار بلد ما إلى ما هو أبعد من صناع القرار النخبويين المعتادين، ويعد أداة لكسر الجمود السياسي وتحويل الصراعات المعقدة، وفق معهد “السلام الأمريكي” (USIP).
قبل أن يبدأ الحوار الوطني الحقيقي، يجب أن تضع مرحلة تحضيرية شاملة وشفافة وتشاورية الأساس والقرارات الأولية بشأن شكل وبنية الحوار، وخاصة من تتم دعوته للمشاركة.
اعتذار بسبب ضيق الوقت
لم تحدد اللجنة مكان انعقاد المؤتمر في 25 من شباط، لكنها أرفقت الدعوة بملاحظات كانت:
- يمنع اصطحاب السلاح خلال فعاليات العشاء والمؤتمر.
- عدم إحضار الهواتف المحمولة يوم مؤتمر الحوار الوطني السوري احترامًا لخصوصية النقاشات وأهميتها.
ومع إعلان اللجنة التحضيرية توجيه الدعوات للمؤتمر، ظهر انقسام على مواقع التواصل الاجتماعي وسط ترحيب ودعم للمؤتمر، وانتقادات على ضيق الوقت، وآلية اختيار الحاضرين، معتبرين أن ما يحصل لا يحمل طابع الجدية في التعامل مع حدث استثنائي في تاريخ سوريا.
هذه الدعوات تتناقض مع ما تحدث به الدغيم، في 13 من شباط الحالي، إذ قال “عندما تنضج عملية التواصل وإعداد الأوراق الأولية للتنفيذ لا شك ستتم الدعوة لمؤتمر الحوار الوطني، الذي سيلاقي فيه السوريون والسوريات الأرضية التي سينطلقون منها في بناء مستقبل بلدهم لأول مرة منذ عام 1950”.
وفق رصد عنب بلدي، اعتذر عن تلبية الدعوة لمؤتمر الحوار الوطني بسبب ضيق الوقت عدة شخصيات، منها السياسي وعضو الائتلاف الأسبق، جورج صبرا، لأنه يعيش في باريس منذ زمن، ومدير البرنامج السوري في “المجلس الأطلنطي” (مؤسسة بحثية أمريكية)، قتيبة إدلبي، لاستحالة ترتيب السفر والحضور ضمن هذا الحيز الزمني الضيّق.
واعتذرت المحللة السياسية والكاتبة الصحفية مرح البقاعي، والتي حاولت أن تجد طريقًا للوصول في الموعد، لكن أن أول وأسرع رحلة من واشنطن كانت ستحط بها في مساء اليوم الثاني والأخير من أعمال المؤتمر.
واعتذر أستاذ القانون الدستوري السوري، سام دلة، الذي قال إنه تلقى دعوة، بعد منتصف الليل (23 شباط)، لحضور المؤتمر، نظرًا لاستحالة الوصول إلى دمشق، معتبرًا أن طريقة وتوقيت إرسال الدعوة غير جدية بالتعاطي مع هكذا استحقاق وطني.
واعتذر المتحدّث السابق باسم الخارجية السورية، جهاد مقدسي، نظرًا لصعوبة الوصول السريع من واشنطن إلى دمشق، بالإضافة إلى التزامات أقل أهمية لكن لا يمكن تخطيها دون ترتيب، حسب قوله.
جلسة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في ديرالزور بحضور وجهاء عشائر وممثليين عن المحافظة- 21 شباط 2025 (عنب بلدي عبادة الشيخ)
“رفع عتب”.. ملفات عالقة
الطبيب السوري والناشط في المجال الإنساني والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة محمد كتوب، انتقد عبر “فيس بوك” إجراءات العمل على مؤتمر الحوار الوطني.
وقال إن ما يحصل معيب بحق البلد وبحق السوريين وبحق 14 عامًا من التضحيات و54 عامًا من الصبر على الاستبداد، وبحق الأشخاص الذين تصلهم دعوات بطريقة أقل حرفية من الدعوة على حفلة خطوبة، مضيفًا أن سوريا تستحق أفضل من ذلك.
الحقوقي السوري ومدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، قال عبر “فيس بوك“، إن مصداقية مسار الحوار الوطني بأكمله موضع تساؤل بسبب المهل الضيقة التي أرسلت فيها الدعوات للمشاركين في المحافظات.
ووصف العبدالله طريقة إرسال الدعوات لعقد مؤتمر دون تحضير كاف، ودون تحديد مكان انعقاد المؤتمر، وإرسال دعوات لشخصيات سورية خارج سوريا قبل يومين فقط من موعد الحوار، بالـ”فضيحة”.
وذكر أن الأمر حال دون مشاركة هؤلاء، تسبب بخيبة أمل حقيقة في الوسط العام أولًا، وعزز الفكرة أن مؤتمر الحوار الوطني تحول إلى مجرد “رفع عتب” وهي خطوة يجب أن تحصل بغض النظر عن مصداقيتها وأهميتها وضرورة إنجاحها، كونها ستشكل غطاء سياسياً وطنياً لشرعية السلطة اليوم.
ولفت العبدالله إلى وجود ملفات عالقة وشائكة في سوريا منها العلاقة بين الإدارة الجديدة وكل من “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والدروز في السويداء ومع العلويين، وملف الأوساط السلفية الجهادية ونظرتها لأحمد الشرع الجديد المختلف، الذي تحول لحاكم مدني لسوريا.
ويرى أنه يمكن إنقاذ الحوار الوطني قبل انعقاد المؤتمر وتحويله لمؤتمر وطني عام تنبثق عنه توصيات ملزمة وتشكيل لهيئة تشريعية تكتب إعلانًا دستوريًا مؤقتًا للبلاد، واعتبر أن إنجاح المؤتمر سيطوي صفحة هذا الملف لحد ما، يسمح للعمل السياسي في البلاد بالانطلاق، ويقدم صورة ممتازة للمرحلة الانتقالية للمجتمع الدولي.
واعتبر العبدالله أن نجاح الحوار الوطني ونجاح المفاوضات السورية الداخلية بين جميع الأطراف هي الصيغة الوحيدة التي سيخرج بها السوريون بسوريا قابلة للتعافي بشكل سريع، ودون ذلك ستدخل سوريا في مرحلة من العطالة وتمديد للمرحلة الانتقالية، تخسر فيه الحكومة شعبيتها، يخسر فيه السوريون الوقت والمشاركة في إنقاذ بلدهم وتخسر فيها سوريا فرصة التعافي بسرعة معقولة.
نساء من دير الزور يمثلن محافظتهن في الجلسة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني- 21 شباط 2025 (عنب بلدي/ عبادة الشيخ)
توصيات.. خطوة في مسار وطني طويل
الناطق باسم اللجنة التحضيرية، حسن الدغيم، اعتبر أن التوصيات التي تصدر عن اللجنة ليست شكلية، إنما هي توصيات منتظرة، وهذا لأن قرارات مؤتمر الحوار الوطني لن تكون من الصفر، إنما هي تتويج لما سبقها من لقاءات وحوارات بين الوفود الشعبية ورئاسة الجمهورية، وما عقدته منظمات المجتمع المدني بين السوريين أنفسهم في مختلف المحافظات، بالإضافة لمؤتمر النصر وما صدر عنه من قرارات تهم أمن المواطن وسلامة الوطن.
وأضاف أن المؤتمر هو جزء من كُل، وسيكون هو التتويج لما سبق، لذلك توصياته مُنتظرة من قبل رئاسة الجمهورية التي ستستند من خلالها إلى الإعلان الدستوري أو البناء الدستوري القادم وما يتعلق بالعقد الاجتماعي والرؤية الاقتصادية.
هدى الأتاسي، عضو اللجنة التحضيرية، قالت في المؤتمر إن الحوار ليس مجرد مؤتمر أو فعالية مرحلية بل نهجًا مستدامًا لحل القضايا الوطنية بشكل تدريجي ومسؤول.
وأضافت أن المؤتمر سيعتمد طابعًا عمليًا حيث ستتضمن أعماله ورشات عمل تخصصية تعالج القضايا التي استخلصتها اللجنة من لقاءاتها.
وأكدت أن هذا المؤتمر هو الخطوة الأولى في مسار وطني طويل يتطلب عملًا جماعيًا مستمرًا لبناء هوية وطنية سورية جديدة تحفظ السلم الأهلي وتحقق تطلعات الشعب السوري نحو مستقبل يليق بتضحياته، وفق توصيفها.