ما سر تناقض التصريحات الإيرانية بشأن سوريا

عناصر من إدارة العمليات العسكرية أمام مبنى السفارة الإيرانية في دمشق بعد سقوط النظام - 8 كانون الأول 2024 (AP)

camera iconعناصر من إدارة العمليات العسكرية أمام مبنى السفارة الإيرانية في دمشق بعد سقوط النظام - 8 كانون الأول 2024 (AP)

tag icon ع ع ع

تنوعت التصريحات الإيرانية بشأن سوريا، بين التشديد على وحدة أراضيها واستقرارها من جهة، والتأكيد على وقوف إسرائيل وأمريكا خلف عملية سقوط الأسد لإضعاف المقاومة من جهة أخرى، دون إعطاء موقف موحد تجاه الإدارة الجديدة في البلاد.

المواقف الإيرانية المعلنة تشي باتباع إيران لمسارين، الأول يحمل نوعًا من التصعيد، والآخر يعتمد على الخطاب الدبلوماسي الناعم، لتحقيق أطماع ومكاسب استراتيجية داخل سوريا.

وحذر باحثون قابلتهم عنب بلدي من أن هذا النهج المزدوج قد يكون جزءًا من سياسة مراوغة تهدف إلى خداع الأطراف الفاعلة، وتمكين إيران من تعزيز نفوذها دون إثارة مواجهة مباشرة.

وفي أحدث التصريحات الإيرانية أكد مساعد وزير الخارجية  للشؤون السياسية، مجيد تخت روانجي، عدم وجود أي خلاف داخل إيران بشأن القضية السورية.

وقال في تصريحات نقلتها وكالة “إرنا” الإيرانية، في 20 من شباط، إن إيران تأمل أن يسود الأمن في سوريا وألا تتدخل الدول في شؤونه الداخلية”.

وبدوره قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في وقت سابق، إن إيران تتحلى بحسن النية وتسعى إلى تحقيق السلام في سوريا.

وفي 3 من شباط، قال قائد “الحرس الثوري الإيراني”، حسين سلامي، إن عوامل ما ساعدت “الأعداء” في الحصول على بعض النتائج في سوريا مشيرًا إلى أن الوضع لن يستمر على حاله.

بعد سقوط نظام الأسد بأيام، قال المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، إن الإطاحة بالأسد كانت نتيجة لخطة من الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي المقابل حذر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إيران من بث الفوضى والتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا.

وقال الوزير عبر حسابه في منصة “X“، في 24 من كانون الأول 2024، إن إيران يجب أن تحترم إرادة الشعب السوري وسيادة بلاده وسلامتها.

تناقض التصريحات

وحول التناقض الواضح في التصريحات الإيرانية، قال مدير “المركز الأحوازي للدراسات الاستراتيجية” حسن راضي، إن إيران تظهر وجهين في سياساتها، معتبرًا الوجه الحقيقي لنظامها هو المتمثل بخامنئي و”الحرس الثوري”، ودائمًا ما يظهر تصريحات تحمل التهديد والاستفزاز.

وأضاف راضي، لعنب بلدي، أن “الحرس الثوري” لا يكتفي بالتصريحات حول سوريا، بل يعمل على وضع الخطط وتحريك ميليشياته لتنفيذ عمليات تخريبية، لمنع الاستقرار في البلاد.

ومن جهته يرى الباحث في الشأن الإيراني مصطفى نعيمي، أن سبب التناقض في الخطاب الإيراني مبني على أساس مساري التصعيد وخفضه.

وأوضح أن الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، يقود العملية السياسية من خلال الدبلوماسية الناعمة، بينما خامنئي يقود التصعيد على أعلى المستويات، منوهًا إلى خطر المسارين ووجوب إعداد الخطط لمواجهتهما وتفكيكهما.

ويرى الباحث السياسي والمختص في الشأن الإيراني مروان فرزات أن تناقض التصريحات أمر طبيعي، فمنها مبنية على ردود الفعل بعد هزيمة إيران في سوريا، ومنها ناتجة عن تفكير عميق بالمستقبل، وضرورة امتصاص الصدمة، والإبقاء على دور لإيران في سوريا.

مستقبل العلاقة

مستقبل العلاقة بين دمشق وطهران يتباين بين القطيعة والعودة التدريجية والمصحوبة بشروط صارمة.

وقال الباحث حسن راضي إن العلاقة بين البلدين ستبقى مقطوعة على المدى القريب والمتوسط حتى تثبت إيران نواياها الحقيقية أو تتراجع عن سياساتها حول التدخل في شؤون دول المنطقة.

واعتبر أن الإدارة السورية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تصريحات خامنئي و”الحرس الثوري”، كونهم من يتحكمون بالسلطة في إيران، بغض النظر عن التصريحات الناعمة الأخرى.

واعتبر راضي أن تلك التصريحات لخداع الرأي العام، وإبراز الموقف الإيراني على أنه يدعم الاستقرار في سوريا.

ومن جهته، قال الباحث مروازن فرزات إن الإدارة لن تغامر بشعبيتها وتفتح علاقات مع إيران بغض النظر عن التصريحات الإيرانية، سواء كانت سلبية أم إيجابية.

وأضاف أن كل ما تحتاجه سوريا من طاقة ومحروقات وإعادة إعمار وحوكمة موجود لدى دول الخليج وتركيا والدول الغربية.

وتوجد احتمالية لحصول وساطات معينة إقليمية ودولية، لإعادة العلاقات بين البلدين.

وربما تثمر الوساطات بأقصى التوقعات إلى عودة البعثات الدبلوماسية، وبعض الشراكات الاقتصادية، وهذا مرهون بسلوك إيران خلال الفترة الانتقالية، وفقًا للباحث.

ولفت إلى أن إيران لن تقطع تواصلها مع أصدقائها في سوريا، من بعض فلول النظام وبعض الأحزاب الكردية، وجماعات الإسلام السياسي المحسوبة على المعارضة، على حد قوله.

وأشار الباحث إلى أن وجود هؤلاء في السلطة قد يكون عاملًا مطمئنًا لإيران، ولذلك قد نرى دعمًا إيرانيًا سريًا لعدد من الأحزاب الجديدة التي ستؤسس في سوريا مستقبلًا.

وفي المقابل يرى الباحث مصطفى نعيمي أن الإدارة السورية ترغب في بناء علاقات متوازنة مع المنظومة الدولية عمومًا، وتصفير العداء مع الفرقاء إلا أنها تتعامل مع من أساء للشعب السوري بحذر شديد.

وأشار إلى أن أقرب السيناريوهات ممكنة التحقيق هي عودة التمثيل الدبلوماسي لكلا البلدين لكن ضمن محددات صارمة لمنع عودة توتر العلاقات بينهما.

عوامل تحدد العلاقة

العلاقة بين البلدين يشوبها الكثير من التوتر، والسبب الرئيسي في ذلك التوغل اللامحدود ثقافيًا، وفكريًا، وعسكريًا، إبان حقبة الأسد، بحسب الباحث مصطفى النعيمي.

وذكر أن العلاقة بين البلدين والتي تنطلق من مبدأ خطوة حذرة مقابل خطوة إيجابية من قبل إيران، ستحدد بالأطر الدبلوماسية، معززة بالحذر الشديد من حيث مراقبتها، خشية عودة طهران مجددًا للعبث في سوريا.

التعامل مع إيران يتطلب وضع أسس دبلوماسية جديدة، وتشمل احترام السيادة الوطنية، وتحديد آليات للتعاون المشترك في المجالات المدنية والاقتصادية، بحسب الباحث الذي أشار إلى ضرورة إنشاء أدوات رقابية صارمة، لضمان عدم استغلال العلاقات الدبلوماسية لأغراض عسكرية أو أمنية.

ونوه الباحث نعيمي إلى أهمية وضع قوانين تحمي الهوية الثقافية والوطنية، بالإضافة إلى تعزيز الوعي المجتمعي لمواجهة أي تأثير سلبي للمسارات الفكرية والدعوية.

ماذا تريد ايران من سوريا؟

تطمح إيران بالعودة إلى الوضع التي كانت عليه قبل سقوط الأسد بأن يكون لها وجود عسكري وسياسي وأمني بالإضافة إلى ميليشيات داخل الأراضي السورية، وفقًا لما يراه حسن راضي.

وأشار إلى أنها تضغط على سوريا بكل ما لديها من إمكانيات سياسية وأمنية وعسكرية ودبلوماسية من أجل الرضوخ إلى مطالبها.

ومن جهته، يرى الباحث فرزات أن إيران تسعى بشكل أساسي للحفاظ على طريق الإمداد اللوجستي الذي يربط طهران ببيروت مروراً بسوريا بغض النظر عن الجهة التي تحكمها.

وأضاف أن سياسة إيران الحالية لن تعطيها أي دور في مستقبل سوريا، بل على العكس سوف تبعدها عن المنطقة أكثر فأكثر.

وكانت طهران تعد من أبرز الداعمين لنظام الأسد سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، إذ أعلنت عن دعمها له مع انطلاق الثورة السورية عام 2011.

وبدأ نفوذها في المنطقة بالتقلص تدريجيًا بعد حرب غزة في 7 من تشرين الأول 2023، إثر استهداف إسرائيل لتحركات قادتها، ثم بسقوط الأسد في سوريا في 8 من كانون الأول 2024.

وقال الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في مقابلة سابقة مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، إن سوريا كانت تعد منصة لإيران تدير من خلالها أربع عواصم عربية، مؤكدًا أن إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا حقق استقرارًا أمنيًا، وأعاد المشروع الإيراني 40 عامًا إلى الخلف.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة