فجوات ونقاط ضعف جلسات الحوار الوطني
لمى قنوت
مع انطلاق عمل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في المحافظات، بعد تشكيلها من قبل رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 11 من شباط الحالي، برزت فجوات ونقاط ضعف وخطوات متسرعة جعلت من تجربة جلسات الحوار، على أهميتها، منصة استماع إلى وجهات نظر متنوعة، غير ملزمة، ستُقدم للشرع “كتوصيات مُنتظرة”، حسب تصريح حسن الدغيم المتحدث باسم اللجنة، ما سيضع مؤتمر الحوار المقبل بخانة الإجراءات الشكلية الهادفة إلى التوظيف السياسي لرفع العقوبات ودعم شرعية الإدارة الحالية ذات اللون الواحد أمام “مجتمع دولي” يطالبهم بمشاركة السوريين والسوريات في رسم مستقبل بلدهم وعدم التفرد بالحكم والقرار، ليس حرصًا على الديمقراطية في سوريا بل سعي لاستقرار المنطقة وعودة اللاجئين واللاجئات.
لا شك أن بدايات تأسيسية تحمل في طياتها إقصاء وفجوات ونقاط ضعف ستقوض هدف مؤتمر الحوار، الذي لا يمكن أن يكون بديلًا عن المؤتمر الوطني، بل خطوة باتجاهه، باعتباره، أي المؤتمر الوطني “جمعية تأسيسية”، قراراتها ملزمة، وركيزة أساسية من ركائز الانتقال السياسي، تضع الأسس لبناء عقد اجتماعي جديد، وتنجم عنها هيئات ولجان سيادية متعددة كهيئة للعدالة الانتقالية وأخرى لكتابة الدستور وإعداد قانوني الانتخابات والأحزاب، وتكون خطوة أساسية باتجاه ترميم فجوات انعدام الثقة بين المجتمعات من جهة وبين الأطراف المتصارعة من جهة أخرى، وإدارة التوافقات بشكل فعال.
حتى الآن، لم تنجح الإدارة الحالية في تقديم خطة تفصيلية واضحة حول المرحلة الانتقالية، إذ لا تكفي الخطوط العريضة التي قدمها الشرع بعد أن عينته الفصائل رئيسًا انتقاليًا في “مؤتمر النصر”، وأوكلت إليه مهمة تعيين مجلس تشريعي مؤقت، ووضعت بين أيديه جميع السلطات، وساد غموض السياسات والقرارات المتخذة من قبل الحكومة الحالية وسط فراغ دستوري وتخبط تشريعي، وتأخير في الإعلان عن “إعلان دستوري” والدعوة لمؤتمر وطني.
وفي ضوء ما رشح عن جلسات الحوار، يمكن تحديد بعض الفجوات عسى أن يتم تلافيها من أجل بناء مؤتمر حوار وطني ذي مصداقية، تشميلي، يكون إحدى أدوات نجاح المرحلة الانتقالية:
- تم استبعاد دعوة الأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات ذات تاريخ نضالي ونزاهة مشهودة، في حين أن الإدارة الحالية ما زالت مغلقة على نفسها ولا تُعين إلا المتجانسين مع أيديولوجيتها، ولم تخرج تعيينات أعضاء اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار عن هذه التركيبة، فباستثناء العضوتين هند قبوات وهدى الأتاسي، فإن بقية الأعضاء من خلفية فكرية واحدة وكانوا مرتبطين أو قريبين من بعض الفصائل العسكرية، فالمتحدث باسم اللجنة حسن الدغيم كان مدير التوجيه المعنوي في “الجيش الحر” ثم في “الجيش الوطني”، وكان يوسف الهجر رئيس المكتب السياسي وعضوًا في مجلس شورى “هيئة تحرير الشام”، أما محمد مستت فهو محسوب على “الهيئة”، وكان مدير الرعاية الصحية في وزارة الصحة التابعة لحكومة “الإنقاذ”، وينتمي مصطفى الموسى إلى “الهيئة” أيضًا، وعُيّن رئيسًا لمجلس الشورى لـ”الهيئة” ثم عضوًا في مجلس الأعيان بإدلب، أما ماهر علوش فقد لعب دورًا وسيطًا في حل النزاعات الداخلية التي عصفت داخل فصيل “حركة تحرير الشام الإسلامية”.
- في الإطار العام، استمر طغيان انعدام الشفافية على معايير اختيار المدعوين، نساء ورجالًا، إلى جلسات الحوار، وقد اعتمدت اللجنة على المحافظين الذين عينتهم الإدارة الحالية في جميع الدعوات، كما صرحت عضوة اللجنة هدى الأتاسي، وبرزت فوضى وصول الدعوات، فمنهم من وصلته قبل يومين من اللقاء ومنهم قبل ساعتين من الموعد المحدد، وهذا يدل على عدم التحضير الكافي للقاءات.
- ضعف وجود النساء من كافة الاختصاصات والاهتمامات، وبضمنهن السياسيات والإعلاميات والمدافعات عن حقوق النساء.
- حصر اللقاءات في المدن الرئيسة حرم العديد من المفقرين في الأرياف، نساء ورجالًا، غير القادرين على تحمل نفقات النقل والإقامة للمشاركة.
- لم توضح اللجنة التحضيرية لماذا عُقد اجتماع محافظة الرقة في دمشق ولم يُعقد فيها، رغم أن الإدارة الحالية تسيطر على مساحات واسعة منها، الأمر الذي أثر على نسبة المشاركة في اللقاء، وخاصة النساء واللواتي قُدر عدد من حضر منهن بأربع فقط.
- غابت المؤتمرات الصحفية للجنة التحضيرية، وكان الحصول على المعلومات التفصيلية شحيحًا، باستثناء بعض ما كتبه المشاركون في اللقاءات، نساء ورجالًا، على صفحاتهم الشخصية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكان يجب أن تُنقل الجلسات على الهواء مباشرة عبر التلفزيون الوطني، أو مسجلة في ساعات بث محددة، بالإضافة إلى إجراء لقاءات وحوارات حول الجلسات والمواضيع المطروحة.
- المحاور التسعة للجلسات والمتمثلة في العدالة الانتقالية، والتصالح المجتمعي، والبناء الدستوري، وإصلاح وبناء المؤسسات، وقضايا الحريات الشخصية والعامة، ودور الحياة السياسية في المستقبل، ودور منظمات المجتمع المدني في بناء وتأسيس المرحلة الانتقالية، والمبادئ الاقتصادية العامة التي ينبغي أن يكون عليها شكل النظام الاقتصادي في سوريا، يحتاج كل محور منها إلى جلسة كاملة، أما حصر مدة كل مداخلة بين دقيقتين إلى ثلاث دقائق لتسعة محاور، فهو لا يتيح للحاضرين التعرف إلى أفكار وآراء بعضهم البعض، ويصب في إطار التوظيف الشكلي والأدائي للقاءات.
- كان لافتًا عدم تضمين محاور اللقاءات بندًا يتعلق بإعادة هيكلة القطاع الأمني، واعتباره حكرًا على العسكر الذين كانوا منضوين تحت إدارة “عملية ردع العدوان” التي قادتها “هيئة تحرير الشام” المنحلة، ويتم بناؤه على خلفية أيديولوجية تتنافر بالمطلق مع بناء قطاع أمني وطني، بدل النقاش والحوارات مع الباحثين والخبراء المدنيين، من النساء والرجال، في المسائل الأمنية.
هناك حرص سوري جدي على إنجاح المرحلة الانتقالية، وقلق محق في أن يعاد بناء الدولة على أساس الولاء والتجانس، والعقل العقائدي المغلق الذي يحتكر القوة والسلطة، ويجمل ذلك بسياسات ومشاركات رمزية أدائية، وخطاب منمق بالشعارات لا ينعكس على أرض الواقع، فلن تتخلص سوريا من إرث الاستبداد المتوحش وتعبر إلى الدولة الحديثة القائمة على التداول السلمي للسلطة وسيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام حقوق الإنسان إلا بالعمل التشاركي الفعال وانفتاح السلطة الجديدة على السوريين والسوريات بتنوع انتماءاتهم وخلفياتهم الفكرية وخبراتهم، لمواجهة تعقيدات التحديات الداخلية والخارجية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :