الإعلام في سوريا.. تبدأ الحكاية من “عَظْمة” التضامن

tag icon ع ع ع

علي عيد

كثيرون مثلي يتابعون نشاط المؤثرين على وسائل التواصل، وفي سوريا بات لدينا “دستة” منهم يملؤون وسائل التواصل، وهو عدد قليل مقارنة بتقديرات تشير إلى وجود نحو 300 مليون شخص من المؤثرين أو ممن يطمحون أن يكونوا كذلك، كما تشير إلى أن اقتصادهم تجاوز 21 مليار دولار عام 2023.

المختلف في سوريا، أن مؤثريها شركاء للمؤسسات الحكومية بغية الوصول إلى الجمهور بغياب الإعلام الرسمي، فتراهم في “القصر” وحرم المطارات، ويستجوبون المتهمين أمام رجل الأمن.

قناعتي أن مؤثري وسائل التواصل باتوا جزءًا من المنظومة الإعلامية، ويمكن أن يلعبوا دورًا مهمًا كوسيط بين صانع القرار والجمهور، لكن لذلك محاذير كثيرة، فالمؤثرون يتمردون على كل القواعد المهنية، مأخوذين بإعجاب الشارع، وليس مهمًّا أن تتحقق العدالة أو التوازن أو الخصوصية، إلى باقي المعايير التي تضمنتها مدونات السلوك ومواثيق الشرف.

للدلالة على مدى دقة ما يقدمه المؤثرون، كشفت دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) بعنوان “خلف الشاشات”، وشملت 500 مؤثر في 45 دولة، أن 63% من المؤثرين يفتقرون إلى بروتوكولات صارمة للتحقق من الحقائق، على الرغم من تأثيرها الكبير على الخطاب العام، ما يتسبب بـ”ثغرات حرجة في ممارسات التحقق من المحتوى”.

الدراسة التي شاركت فيها جامعة “بولينغ غرين ستيت” بالولايات المتحدة الأمريكية، أظهرت أن نحو 60% من المؤثرين يعملون “دون فهم الأطر التنظيمية الأساسية والمعايير الدولية”.

أسأل هنا، هل هناك مؤثر سياسي وآخر خدمي أو سياسي أو صحّي أو أمني، والإجابة تفيد في تحديد قيمة ما يلتهمه الملايين من معلومات قادمة عبر هؤلاء المؤثرين.

في العالم العربي، يندر وجود مؤثرين متخصصين، ويجري استثمار نجومية المؤثر للتسويق السياسي والاقتصادي، وكل ما يقدمه هؤلاء لا يخضع لقاعدة “حارس البوابة”، وهو الشخص أو الجهة التي تراقب و”تفلتر” ما يجري بثه على الشبكة قانونيًا أو معلوماتيًا، وهو الحال الذي تعيشه سوريا اليوم، وفي مرحلة أحوج ما تكون فيه لتجنب البناء على “غشّ”، أو تسبب الانحياز المفرط في تدمير بنية المجتمع والسلم الأهلي.

المشكلة الأخرى هي عدم وجود ضوابط، أو حتى عقود، أو التزامات أخلاقية لدى المؤثرين في سوريا وربما بالعديد من دول المنطقة، تؤطر التزامات المؤثر وصانع المحتوى.

في فرنسا على سبيل المثال، يجب أن يعلم الجمهور بحسب القانون رقم 2023-451 لعام 2023، عن أي فوائد يحققها صانع المحتوى مقابل ما يقوم بعرضه، فمثلًا عليه أن يوضح إن كان يقيم في فندق من فئة خمسة نجوم على نفقة جهة معلنة أو تستفيد من خدماته، مهما كانت هويتها، وما المقابل، وهو مطالب بالإفصاح ضريبيًا عن أرباحه.

ووفق القانون، يجب ألا يقوض المؤثرون في فرنسا الكرامة الإنسانية: ألا يسيئوا إلى حساسيات جمهورهم، وألا يقللوا من قيمة شخص آخر بناء على معايير جسدية أو راديكالية أو دينية، وألا يقللوا من شأن العنف.

وإذا كان المحتوى المروج يستهدف الأطفال أو المراهقين، فيجب إبلاغهم بأن إذن الوالدين سيكون مطلوبًا.

أعود لعنوان هذا المقال، فآخر ما لفت انتباهي مواكبة أحد المؤثرين لقوى الأمن التابعة لوزارة الداخلية خلال مداهمة في حي التضامن بدمشق، نتج عنها اعتقال أحد المتورطين في مجازر جرى ارتكابها في الحيّ، بحسب اعترافه، وقُتل فيها المئات، بينهم 41 مدنيًا كانوا ضحايا مجزرة “حفرة التضامن” في نيسان 2013، التي وثقتها ونشرت تفاصيلها صحيفة “الجارديان” البريطانية في 27 من نيسان 2022.

خرج المؤثر وعلى خصره أداة يمكن أن تكون مسدسًا حربيًا، ثم ظهر وهو يأخذ اعترافات من أحد الأشخاص المتورطين، بحسب الفيديو، وثالثة الهفوات أنه حمل بين يديه عظمة على اعتبار أنها تعود لإحدى الضحايا، دون أن يوضح كيف جرى العثور عليها وفي أي نقطة بالتحديد، وما إذا كان تغيير مكانها قد يؤثر في مجرى التحقيقات والعدالة.

أجزم أن كل من ينتظر أحد أبنائه المختفين قسرًا والذين لم يكشف عن مصيره بعد، وهم بعشرات الآلاف، كان قلبه يعتصر ألمًا مفترضًا أن ما حمله المؤثر هي عظمة تخص ذلك المفقود، ينبغي أن يتم احترام خصوصيتها، ناهيك بأن هذا السلوك يخالف المهنية كما يخالف الأعراف القانونية.

كيف يمكن للسلطة أن تستخدم مؤثرًا لإظهار التزامها بالقبض على الجناة أو أحدهم دون وسيط قانوني يمثل العدالة ويضمن حقوق الضحايا وحتى المتهمين، وكيف يمكن التمييز بين الإنصاف وقول الحقيقة مقابل قول ما تريده أي سلطة.

تلك ليست مجرد حكاية “عظمة”.. وللحديث بقية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة