معاقبة أبي العلاء المعري

  • 2025/02/23
  • 1:07 م
خطيب بدلة

خطيب بدلة

خطيب بدلة

يتطلب الحوار، في بعض الأحيان، أن يطرح الإنسان أسئلة غير متوقعة، أو معكوسة. مثلًا: هل تحب أن تتعرض للسباب، وأن يتكلم عليك الناس بسوء؟ ولأنك ستستغرب السؤال، لا بد من إعطائك الجواب بسرعة، وهو: إذا كنت إنسانًا طبيعيًا، صادقًا، تحب شعب بلدك كله، سوف تتعرض للسباب، وأحيانًا للتهديد.

تحتاج هذه الفكرة، إذا أردت الحق، لمناقشة هادئة، وأدلة مقنعة، منها أن أمتنا لم يسبق لها أن حاربت إنسانًا غبيًا، أو نصابًا، أو دجالًا.. والذين تعرضوا للتنمر، والاضطهاد، والنفي، والتشريد، هم الذين حاولوا أن يقدموا لها ما ينفعها.

مثلًا، كاد المفكر الكبير، الدكتور طه حسين، أن يدخل السجن، بسبب كتابه “الشعر الجاهلي”، الذي استخدم فيه مبدأ الشك الديكارتي، وحوربت الدكتورة نوال السعداوي لأنها دافعت عن حرية المرأة، وقبلها حورب قاسم أمين، مع أن طلباته كانت بسيطة، وخجولة، وهي أن تتعلم المرأة ما يكفي لمحو أميتها، لتكون قادرة على تعليم أبنائها في المنزل، وقد بلغ العداء للمرأة حدًا لا يمكن تصوره، ففي خضم هجوم الأمة على المفكر نصر حامد أبو زيد، خطر ببال المحكمة معاقبة زوجته، فحكمت بطلاقها منه، ولكن الزوجة الشجاعة، المحترمة، رفضت تطبيق القرار، وسافرت مع زوجها إلى هولندا، هربًا من أمة يقوم فيها القضاء بدور “المطوع”.

لا أريد أن أسرد عليكم حكاية قتل المفكر فرج فودة، ولكنني سأذهب إلى حادثة أكثر إثارة وطرافة، وقعت بعدها بسنتين، فقد حاول أحد الأشخاص، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، قتل الكاتب الكبير نجيب محفوظ، لأنه الوحيد من أبناء هذه الأمة المنكوبة الذي استحق جائزة نوبل للآداب، بجدارة.. وهنا نصل إلى الخلاصة الموجعة التي أوجزها الأديب السوري محمد الماغوط، عندما علق على محاولة اغتيال نجيب محفوظ، إذ قال: لا يمكن لموهبة عظيمة أن تمر، في بلادنا، دون عقاب!

ذات مرة، علق أحد الناس على منشور لي، قائلًا إن الدول المتحضرة تهتم بالمبدع، وتقيم له تمثالًا، وتحول منزله إلى متحف. لم أجد في تعليقه ما يستحق التعليق، سوى إقامة التمثال، فقد وصلنا، نحن أبناء هذه البلاد، إلى زمن أصبح فيه التمثال مرفوضًا بحد ذاته، فلو اقتصرت الحكاية على إسقاط تماثيل حافظ الأسد، وباسل الأسد، مثلًا، لقلنا إن هذا موقف سياسي، ولكن، بماذا تفسر تكسير التماثيل في تدمر، وقطع رأس تمثال أبي العلاء المعري، سنة 2013؟

أقيم مهرجان المعري الأول، في سنة 1944، وحضره المفكر طه حسين، وخلال المهرجان، أنجز الفنان الحلبي فتحي محمد (قباوة) تمثالًا له، وضع في مدخل المعرة. وفي سنة 2016، على ما أذكر، كلفت منظمة “ناجون”، الفنان الكبير عاصم الباشا، بإنجاز تمثال للمعري، وقررت إبقاءه في إحدى ضواحي مدينة باريس، حتى تتحرر سوريا من الاستبداد، وأنا هنا سأقترح على “ناجون” إبقاءه هناك، لأنه لا يوجد من يضمن لنا ألا يكسروه، كسابقه.

أخيرًا، يمكن تعديل خلاصة الماغوط، بأن معاقبة أصحاب المواهب الكبيرة، يمكن أن تتأخر، ولكن، لا بد أن يأتي يوم، ونعاقبهم!

مقالات متعلقة

  1. لا للعقل.. لا للتنوير
  2. طه حسين في مركز "تكوين"
  3. قلة وجدان وقلة ناموس
  4. قتل المواهب العربية والإسلامية

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي