“ذاكرة الفلاش”.. مقاربة سينمائية لـ”قيصر”

شخصية الضابط أحمد وهو يعمل على نقل الصور (فيلم Flaşbellek)

camera iconشخصية الضابط أحمد وهو يعمل على نقل الصور (فيلم Flaşbellek)

tag icon ع ع ع

يقدم فيلم “فلاش بلليك” أو “ذاكرة الفلاش” للمخرج التركي درويش زعيم، سردًا دراميًا يعكس الواقع الذي عاشه العديد من السوريين في بدايات الثورة السورية، وما واجهوه من قمع وانتهاكات من قبل نظام بشار الأسد المخلوع.

ويتناول الفيلم قصة الضابط السوري أحمد، الذي يفقد القدرة على الكلام بعد إصابته في عنقه خلال خدمته في الجيش.

الصمت الذي يبقى مسيطرًا على شخصية أحمد طوال الفيلم، يجسد الإسقاط الدرامي لحالة الكتمان والإجبار على الصمت التي يعيشها الكثيرون ممن يشهدون على الانتهاكات دون القدرة على التعبير عنها.

بعد إصابته، يجري نقل أحمد إلى وظيفة إدارية كمصور، ويكلف بتوثيق صور جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب، ليجد نفسه محاطًا بعشرات الجثث، إذ يواجه صراعًا داخليًا بين وظيفته العسكرية وضميره الذي يرفض ما يراه.

ومع تصاعد شعوره بالذنب، يتخذ قرارًا بتهريب الصور وتوثيقها على أقراص “فلاش” سرية، لكشف الحقيقة للعالم الخارجي.

وبالتوازي مع الأحداث، تعرض مشاهد من المظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط النظام، ما يضع الأحداث في سياقها الأوسع، ومن خلالها، يعكس الفيلم أمل السوريين في التغيير، رغم القمع الوحشي الذي واجهوه.

ويعيش أحمد وزوجته ليلى في ظل رقابة مشددة، ويدركان أن اكتشاف أمرهما يعني الموت المحتم، ويقرران في النهاية الهروب إلى تركيا حاملين الوثائق المصورة، التي تعد دليلًا حقيقيًا على جرائم النظام.

وتأخذ رحلة هروبهما منحى أكثر خطورة، وتحديدًا عندما يقعان في قبضة تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يحتجز ليلى رهينة ويطالب بفدية، ليجد أحمد نفسه مضطرًا للعودة إلى مناطق النظام لجمع المال، في مغامرة محفوفة بالمخاطر بين النظام وتنظيم “الدولة”.

وبعد سلسلة من الأحداث المشوقة، يتمكن من تحرير زوجته والهروب معها إلى تركيا، حاملين الأدلة التي قد تسهم في فضح ممارسات النظام.

ولا يتوقف الفيلم عند قصة أحمد فقط، بل يسرد فصولًا من المأساة السورية، بدءًا من قمع المظاهرات السلمية، وصولًا إلى استغلال النظام لعائلات المعتقلين، الذين يجبرون على دفع مبالغ طائلة لاستعادة جثث ذويهم أو حتى معرفة مصيرهم.

كما يقدم رؤية مختلفة عن السوريين، بعيدًا عن الصورة النمطية التي تصورهم كضحايا عاجزين، بل كشخصيات فاعلة تصارع من أجل الحقيقة والعدالة.

“فلاش بلليك” ليس مجرد فيلم عن الحرب، بل هو شهادة حية على الصمت الذي يفرضه النظام وعلى محاولة كسره عبر الصورة.

يحمل الفيلم أوجه تشابه قوية مع القصة الحقيقية لفريد المذهان، المعروف باسم “قيصر”، وهو صف ضابط سوري سابق برتبة مساعد أول، شغل منصب رئيس قلم الأدلة القضائية في الشرطة العسكرية بدمشق.

وسرب “قيصر” صور جثث الضحايا في معتقلات النظام بشار الأسد المخلوع إبان الثورة السورية.

كان “قيصر” يعمل مصورًا في أحد الفروع الأمنية التابعة للنظام، وأوكلت إليه مهمة تصوير المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب، تمامًا كما حدث مع أحمد في الفيلم.

لكنه لم يرضخ لهذا الدور، بل خاطر بحياته لتهريب عشرات آلاف الصور التي توثق الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الأسد المخلوع.

وكما فعل “قيصر” في الواقع، يحاول أحمد في الفيلم أن يجعل الصورة تتحدث عندما فرض عليه الصمت، ليؤكد أن الحقيقة، حتى لو حاولوا إخفاءها، ستجد دائمًا من يكشفها للعالم.

عرض الفيلم لأول مرة في 8 من نيسان 2022، وتم تصوير الفيلم في مدينتي غازي عينتاب وقونيا بتركيا عام 2019، بمشاركة مجموعة من الممثلين البارزين، منهم صالح بكري، علي سليمان، حسام شحادات، سارة الدبوش.

وحصل على عدة جوائز، منها “جائزة لجنة التحكيم الشبابية” في مهرجان “Cinemed” السينمائي في مونبلييه، و”جائزة أفضل فيلم دولي” في مهرجان “Sedona” السينمائي، بالإضافة إلى “جائزة أفضل فيلم دولي” في جوائز “New York Independent Cinema Awards” لعام 2021.

وعلى الرغم من النجاح والجوائز التي حصل عليها، بلغ تقييم الفيلم 5.2/10 على موقع “IMDb”، ما يعكس آراء متنوعة بين المشاهدين.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة