سوريون يفكرون باستثمارات صغيرة.. هل التوقيت مناسب؟

  • 2025/02/23
  • 10:53 ص
بسطات في باب جنين بحلب - 22 شباط 2025 (عنب بلدي/محمد مصطو)

بسطات في باب جنين بحلب - 22 شباط 2025 (عنب بلدي/محمد مصطو)

عنب بلدي – جنى العيسى

خلقت إمكانية عودة السوريين إلى بلادهم دون قيود عقب سقوط النظام المخلوع في 8 من كانون الأول 2024 حالة من الرغبة بالعودة والاستقرار داخل البلاد، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدنية وقلة فرص العمل لا تزال تتصدر أبرز معوقات اتخاذ القرار لدى معظم السوريين.

كمخرج من أن يضع العائدون أنفسهم في أزمات اقتصادية، يلجأ العديد منهم، خاصة ممن استطاعوا خلال سنوات لجوئهم الطويلة جمع مبالغ قليلة من المال، إلى التفكير بفتح مشاريع استثمارية صغيرة، يؤمّنون عن طريقها دخلًا مقبولًا لا يمكن الحصول عليه في أي وظيفة عادية اليوم في سوريا.

تراجع النشاط الاقتصادي والتجاري والصناعي خلال السنوات الماضية أحدث فراغًا كبيرًا في الأسواق المحلية، ما جعل إنشاء أي مشروع استثماري في الوقت الحالي يسهم ولو بشكل بسيط بتحسن هذا النشاط.

الزراعة أولًا.. قطاعات مطلوبة

يفكر رواد الأعمال السوريون اليوم في إنشاء عدة مشاريع، منهم من يتجه نحو ما يتعلق باختصاصه أو ما يتمكن من إدارته ويضمن نجاحه.

كثرة المشاريع في القطاعات نفسها قد تؤثر على ربحية المستثمرين وتقلص بالتالي المشاركة في دعم اقتصاد البلاد، وهنا يمكن دارسة وضع البلاد وما تحتاج إليه من مشاريع صغيرة.

الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، يرى أنه في الاقتصاد عامة وفي إدارة الأعمال على وجه الخصوص، لا توجد مشاريع جيدة وأخرى غير جيدة، كل مشروع يعد جيدًا إذا توفرت متطلبات النجاح والعكس بالعكس.

تعني المتطلبات، وفق ما أوضحه السيد عمر لعنب بلدي، اختيار مشروع يناسب المستثمر، من حيث خبرته ورأس ماله، ودراسة المشروع من حيث توفر سوق تصريف لمنتجاته ودراسة مؤشراته المالية.

فيما يتعلق بسوريا، قال يحيى السيد عمر، إن المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر تعد ضرورة للدولة والأفراد، وهنا من الضروري التركيز على المشاريع الزراعية وبعض الصناعات البسيطة التحويلية، لأن المشاريع الزراعية لا تحتاج إلى رأس مال كبير، ويمكن بسهولة تسويق المنتجات، والصناعات البسيطة التحويلية مثل صناعة السماد العضوي من مخلفات الزراعة، هي أيضًا جيدة من حيث سهولة تصريف الإنتاج.

بدوره، قال الخبير المصرفي والاقتصادي عامر شهدا، إنه لغاية اليوم لا توجد مقومات وبنى حكومية تدعم الاستثمارات الصغيرة، معتبرًا أن وضع السوق الاقتصادي بالكامل لا يساعد في مسألة المشاريع الاستثمارية الصغيرة جراء التراجع الكبير في الاستهلاك.

وأوضح شهدا لعنب بلدي، أن الاستثمارات الصغيرة معرضة للخسائر أكثر من الاستثمارات الكبيرة والمتوسطة.

حول احتياجات السوق، يتفق عامر شهدا مع الدكتور يحيى السيد عمر أن أبرز القطاعات اللازمة في البلاد حاليًا هي القطاع الزراعي، ثم قطاع تربية الحيوان، بالإضافة إلى قطاع المتممات الصناعية مثل صناعة أكياس “السولوفان”، أو طباعة وصناعة الكرتون وغيرها من الصناعات التي تستخدم في الإنتاج المحلي، وتسد حاجة المواد الأولية للصناعات التحويلية في السوق.

معدل نجاح هذا النوع من الاستثمارات، في الوقت الحالي، لا يعتبر كبيرًا، لأن الوضع الاقتصادي بشكل عام لا يساعد برفع معدل النجاح، في ظل معدلات دخل منخفضة لا تدعم الاستهلاك، كما أن التصدير متوقف، وهو ما يؤثر على معدل نجاح المشاريع.

بيئة غير مستقرة

يجب على المستثمرين الأجانب قبل اتخاذ قرارهم بالاستثمار في بلد معيّن، دراسة وتحديد مدى خطورة “مناخ الاستثمار” في هذه الدولة، بحسب ما يوضحه تقرير نُشر عبر موقع “Investopedia” المختص بالمال والاستثمار.

ومناخ الاستثمار هو الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية في بلد ما، التي تؤثر على مدى استعداد الأفراد والبنوك والمؤسسات لإقراض الشركات العاملة الخاصة فيها.

ويتأثر مناخ الاستثمار، بحسب التقرير، بعدة عوامل غير مباشرة، تكاد تكون معظمها موجودة في سوريا، منها مستوى الفقر، ومعدل الجريمة، والبنية التحتية، ومشاركة القوى العاملة، واعتبارات الأمن القومي، والاستقرار السياسي، والضرائب، والسيولة، واستقرار الأسواق المالية، وسيادة القانون، وحقوق الملكية، والبيئة التنظيمية، وشفافية الحكومة، ومساءلة الحكومة.

فيما يتعلق بالبيئة الاستثمارية في سوريا، يرى الباحث يحيى السيد عمر أنها ليست مستقرة حتى الآن، وتوجد عدة عقبات منها التذبذب الحاد في قيمة الليرة، ما يؤثر سلبًا على حساب التكاليف والإيرادات، كما أن التهريب من الخارج يؤثر على الاستثمارات، لأنه يأخذ نسبة لا بأس بها من الحصة السوقية، إضافة إلى صعوبة توفير حوامل الطاقة، لا سيما الكهرباء، وأسعار الوقود ما زالت مرتفعة، ما يزيد تكاليف الإنتاج، وبالتالي يؤثر على الإيرادات.

الخبير عامر شهدا أكد أيضًا أن مقومات البيئة الاستثمارية غير متوفرة حاليًا منها الكوادر ووجود المصارف وتوفر الاستقرار السياسي الداخلي والخارجي، فضلًا عن غياب الطلب على المنتجات في الأسواق.

لضمان نجاح الاستثمارات، يجب العمل على عدة محاور وفق شهدا، موضحًا أنه طالما أعلنت الحكومة توجهها نحو اقتصاد سوق تنافسي، من المفترض أن يكون هناك ترخيص لقواعد المنافسة التي تؤدي إلى زيادة الفعالية والعمل بشفافية، بالإضافة إلى توفير عناصر الإنتاج وتطوير الموارد البشرية، مع ضرورة وجود ضمانات حكومية بإيجاد حواضن لهذه الاستثمارات الصغيرة ودعمها.

توقيت غير مناسب

يتفق الخبراء على أن الوقت الحالي لا يعتبر مناسبًا بشكل كافٍ للبدء بالاستثمارات الصغيرة لعدة أسباب.

الباحث يحيى السيد عمر اعتبر أنه لا بد لمن يرغب بتأسيس مشاريع في سوريا، التريث بعض الوقت، وذلك لحين إلغاء العقوبات بشكل تام، وتحسين توفر الطاقة في الدولة، وتحقيق استقرار الليرة، لذلك، فإن الوقت الحالي غير مناسب لاستقطاب استثمارات خارجية، بحسب رأيه.

الخبير الاقتصادي عامر شهدا قال إنه قبل اتخاذ القرار بالبدء بالاستثمار، يجب دراسة الوضع السياسي والاجتماعي والقانوني في البلاد، وهو وضع غير مستقر حتى الآن، من هذا المنطلق لا ينصح بالقيام بمثل هذه الخطوة حاليًا.

في 20 من شباط الحالي، قدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تقرير له أن سوريا بحاجة إلى أكثر من 50 عامًا على الأقل، لاستعادة المستويات الاقتصادية للبلاد في مرحلة ما قبل الحرب في حال حققت نموًا قويًا.

وبحسب التقرير، فإن 14 سنة من الحرب أدت إلى تأخر التقدم الاقتصادي والاجتماعي في سوريا بنحو 40 عامًا، كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بنسبة 50%، وارتفع معدل الفقر من 33% قبل الحرب إلى 90% حاليًا، بينما بلغت نسبة الفقر المدقع 66%.

وأشار تقرير الأمم المتحدة إلى أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى 55 عامًا للوصول إلى مستوياته قبل الحرب إذا استمر النمو الحالي عند 1.3%.

مقالات متعلقة

  1. مناخ "غير مناسب" لتحقيق الأرباح يعرّي دعوات الاستثمار في سوريا
  2. النظام السوري يربط عودة اللاجئين بإعادة الإعمار
  3. إقراض بالعملات الأجنبية في سوريا.. تحريك العجلة من خزائن المصارف الخاصة
  4. ملتقى اقتصادي لتسهيل استثمارات السوريين في قطر

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية