ضعف الدخل والاحتكار ينبئان برمضان قاسٍ على السوريين

  • 2025/02/23
  • 1:05 م
أشخاص يعبرون أحد الشوارع في العاصمة دمشق- 16 كانون الأول 2024(رويترز)

أشخاص يعبرون أحد الشوارع في العاصمة دمشق- 16 كانون الأول 2024(رويترز)

عنب بلدي – نوران السمان

مع اقتراب شهر رمضان، تزداد الضغوط الاقتصادية على الأسر السورية التي تعاني أصلًا من ضعف القدرة الشرائية ونقص السيولة، وسط موجة تضخم متسارعة تشهدها الأسواق السورية، ورغم أن الشهر عادة ما يشهد زيادة في الطلب على السلع الغذائية، يرى خبير اقتصادي أن الأزمة الاقتصادية الراهنة انعكست بوضوح على أنماط الاستهلاك، حيث تراجعت معدلات الاستهلاك واقتصر الإنفاق على الضروريات فقط.

 الأسواق والأسعار قبيل رمضان

شهدت أسعار المواد الغذائية انخفاضًا طفيفًا بعد موجة غلاء حادة، إلا أنها “لا تزال غير مستقرة”، بحسب ما قاله محمد عبد الحكيم سلمان، صاحب متجر مواد غذائية للبيع بالتجزئة في ريف دمشق لعنب بلدي.

ووفقًا لرصد عنب بلدي لأسعار بعض السلع الأساسية في العاصمة دمشق، فقد انخفض سعر السكر من 18 ألف ليرة (1.8 دولار) إلى 8 آلاف ليرة سورية (0.8 دولار)، فيما بلغ سعر الأرز نحو 10 آلاف ليرة للكيلوغرام (دولار واحد)، بعد أن كان 16 ألف ليرة (ما يقارب 1.6 دولار) في عهد النظام السوري السابق.

أما الزيت النباتي، فقد انخفض إلى 17 ألف ليرة للتر الواحد (1.7 دولار) بعد أن كان 25 ألف ليرة (ما يقارب 2.5 دولار).

وبحسب ما أفاد أهالٍ في دمشق لعنب بلدي، فإن تكلفة وجبة إفطار لعائلة صغيرة خلال رمضان وسطيًا تُقدّر بحوالي 150 ألف ليرة سورية (ما يقارب 15 دولارًا)، وهي تختلف من عائلة إلى أخرى.

ووفق تقرير صادر عن مركز “حرمون للدراسات الاستراتيجية”، فإن أسعار السلع والمواد الغذائية انخفضت في معظم مناطق سوريا، مقارنة بما كانت عليه أيام النظام البائد، ويعود ذلك إلى تراجع سعر صرف الدولار، وإزالة الحواجز الأمنية التي كانت تفرض إتاوات على السلع، إضافة إلى دخول منتجات من الدول المجاورة مثل تركيا والأردن.

وأشار التقرير إلى وجود تفاوت في أسعار بعض السلع بين محافظة وأخرى، حيث يعتمد ذلك على حجم العرض والطلب، ومدى توفر المنافسة المحلية أو الأجنبية، إلى جانب اتباع الحكومة سياسة السوق الحرة دون أي تدخل في ضبط الأسعار.

وهو ما اتفق معه الأكاديمي والخبير الاقتصادي فراس شعبو، إذ أوضح أن ضبط الأسعار على المستوى الحكومي يكاد يكون “ضعيفًا”، نظرًا إلى اتباع سياسات السوق الحرة التي لا تقيّد الأسعار، ما يسمح للتجار بالاحتكار ورفع الأسعار دون رقابة فعلية.

يعرف اقتصاد السوق الحرة بأنه النظام القائم على حرية الأفراد بأي نشاط اقتصادي، ويبنى على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.

وأهم أركانه العرض والطلب، وهذا الركن يتحكم بالأسعار ويولد المنافسة الحرة دون أي نفوذ للدولة، ويكمن دور الدولة في هذا النظام بتنظيم المنحى الاقتصادي وعجلة دورانه.

الانعكاسات الاقتصادية لشهر رمضان

يرى الخبير الاقتصادي شعبو أن الأسواق تشهد عادة ارتفاعًا طبيعيًا في الطلب خلال شهر رمضان، لكن الأزمة الاقتصادية فاقمت الأوضاع، إذ تعاني البلاد من تضخم وضعف في القوة الشرائية ونقص السيولة النقدية.

ارتفاع تكاليف النقل نتيجة تحرير أسعار المحروقات خلق أعباء إضافية على المواطنين، إذ يضطر بعض الموظفين إلى إنفاق جزء كبير من رواتبهم على التنقل فقط، ما يضعف قدرتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية، وفق قول شعبو.

ورغم رفع حكومة دمشق المؤقتة الرواتب بنسبة 400% في كانون الثاني الماضي، فإن قيمة الرواتب لا تزال أدنى بكثير من حجم احتياجات العائلة التي باتت تقترب من عشرة ملايين ليرة سورية.

وقبل القرار، كان الحد الأدنى للأجور في سوريا يعادل 278 ألفًا و910 ليرات سورية (27.89 دولار)، فيما يصل أقل راتب للموظفين بعد الزيادة الأخيرة إلى مليون و200 ألف ليرة سورية (120 دولارًا).

وفي عام 2024، تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، بحسب “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة“، حاجز 14 مليونًا و500 ألف ليرة سورية، فيما وصل الحد الأدنى لتكاليف المعيشة إلى نحو تسعة ملايين و100 ألف ليرة سورية، ليتضح حجم الهوة التي تفصل الأجور عن متوسط تكاليف المعيشة الآخذة بالارتفاع باستمرار.

السياسات النقدية بين التضخم والانكماش

أشار شعبو إلى أن المصرف المركزي اعتمد سياسة تقليل السيولة النقدية في السوق للحد من التضخم، إلا أن هذه السياسة أثرت على الطلب العام وأدت إلى انخفاض الاستهلاك.

الخبير الاقتصادي لفت إلى أن تقليل السيولة يمكن أن يسهم في الحد من ارتفاع الأسعار، حيث يؤدي ضبط السيولة إلى تقليل التضخم، لكنه شدد على ضرورة ضبط سعر الصرف لمنع التذبذب الذي يستغله التجار والمتنفذون في السوق.

كما اعتبر أن السياسة النقدية الحالية “غير فعالة” بسبب ضعف الإنتاج المحلي والاعتماد شبه الكلي على الاستيراد، خصوصًا مع غزو البضائع التركية للأسواق السورية.

وأوضح أن السوق سيبقى رهينة لتقلبات سعر الصرف وتوفر العملة، لافتًا إلى أن تحويلات السوريين في الخارج والمساعدات المالية، إلى جانب تدفق الوافدين، ستؤدي إلى دخول كميات كبيرة من العملات الأجنبية إلى البلاد، ما يجعل سعر الصرف عرضة للتلاعب وعدم الاستقرار.

كما ذكر أن تقديم مساعدات غذائية ودعم حكومي مباشر للأسر قد يخفف من وطأة الأزمة، إلا أن قدرة الحكومة على ذلك تظل محدودة بسبب نقص الموارد وانتشار الفساد في السوق، وفق شعبو.

وأكد أن القدرة الشرائية للسوريين ستصل إلى أدنى مستوياتها، ما يجعل الحلول تقتصر على تقديم المساعدات الضرورية فقط.

وبحسب تقرير صادر عن “الإغاثة الإسلامية”، في 17 من شباط الحالي، فإن أكثر من 15 مليون شخص بحاجة إلى الدعم الإنساني للبقاء على قيد الحياة.

ويعيش أكثر من 90% من الأسر السورية تحت خط الفقر، بينما يعاني ما لا يقل عن 13 مليون شخص (أي أكثر من نصف السكان) من عدم القدرة على الوصول إلى غذاء كافٍ أو تحمل تكلفته، وفق تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية.

كما يحتاج 16.5 مليون شخص إلى المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

 تقييم احتياجات في سوريا

أظهر تقييم احتياجات لسوريا بعد سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024، أن 82% من المجتمعات في سوريا لا يغطي دخلها تكاليف المعيشة، و64% أشارت إلى نقص في فرص العمل، بينما أكد 56% من المجتمعات وجود انخفاض في الطلب على العمال.

التقييم أجري في الفترة بين 23 من كانون الأول 2024 و2 من كانون الثاني 2025، وهو أول تقييم متعدد القطاعات لسوريا بأكملها منذ سقوط نظام بشار الأسد.

بالنسبة للاحتياجات الإنسانية، فإن 49% من المجتمعات لديها احتياجات شديدة، و36% لديها احتياجات عالية، ما يشير إلى أن ظروف المعيشة بقيت سيئة.

وبلغت نسبة أفراد المجتمعات غير القادرين على الحصول على المساعدات الإنسانية 86%.

وبحسب أحدث بيانات المكتب المركزي للإحصاء في عام 2022، بلغت معدلات البطالة في سوريا ما يعادل 26% من إجمالي عدد السكان.

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي شعبو أن القدرة الشرائية للسوريين ستتأثر بشكل كبير خلال شهر رمضان، ما سيجعل الأوضاع المعيشية أكثر صعوبة، خاصة مع ارتفاع الإنفاق على المواد الغذائية مقابل ضعف الدخل.

وأشار إلى أن بعض الأسر فقدت مصادر رزقها نتيجة توقف عدد من الشركات والمعامل عن العمل، ما أدى إلى انخفاض الطلب على السلع الكمالية، بما في ذلك اللحوم، والتركيز على شراء الضروريات فقط، ما يؤدي إلى انتشار نظام التقنين العائلي.

وأوضح شعبو أن العديد من الأسر تلجأ إلى تقليل استهلاكها اليومي أو التسوق من أسواق المعونات والمساعدات الغذائية لسد الفجوة بين العرض والطلب، وبين مستوى الأسعار والدخل.

وفيما يتعلق بارتفاع الأسعار، اعتبر شعبو أن التضخم وضعف الإنتاج في سوريا سيجعلان الغلاء أمرًا حتميًا، في ظل غياب عجلة اقتصادية نشطة في البلاد.

وكانت رئيسة “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، ميريانا سبولياريتش، أوضحت لعنب بلدي في حديث سابق، أن العديد من السوريين لا يزالون يعتمدون على المساعدات الإنسانية، مشددة على ضرورة استمرار الدعم الدولي لضمان انتقال سلس من الإغاثة إلى التعافي والتنمية.

مقالات متعلقة

  1.  الزلزال وشهر رمضان يعمقان الاحتياجات بمناطق سيطرة النظام
  2. "اقتصاد الندرة".. كيف تعامل النظام السوري مع نقص الموارد والسلع
  3. السكر يصل إلى تسعة آلاف وإبريق الشاي يكلّف ألفي ليرة 
  4. رفع الفائدة ودولار الحوالات.. النظام يجازف بقيمة الليرة ومعدل التضخم

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية