حلم معلّق.. جامعيون يستأنفون دراستهم في سوريا

  • 2025/02/23
  • 12:57 م
طلبة أمام جامعة "حلب" في سوريا - 7 كانون الأول 2025 (عنب بلدي/ محمد مصطو)

طلبة أمام جامعة "حلب" في سوريا - 7 كانون الأول 2025 (عنب بلدي/ محمد مصطو)

عنب بلدي – غزل سلات

أبعدت ظروف اللجوء والملاحقات الأمنية والاعتقال آلاف الطلاب السوريين عن مدرجات جامعاتهم، تاركين خلفهم أحلامًا معلّقة، لكن كثيرًا منهم يرفضون أن تظل قصصهم غير مكتملة، حتى وإن تأخر الفصل الأخير.

اليوم، وبعد أكثر من عقد، يعود بعضهم إلى مقاعد الدراسة بعد غياب طويل، لاستئناف مسيرتهم الأكاديمية التي قطعتهم عنها سنوات اللجوء، محاولين بناء جسر بين ما عاشوه وما يطمحون لتحقيقه.

ومع كل خطوة يخطونها في قاعدات المحاضرات والامتحانات، يواجه أولئك الطلاب واقعًا معقدًا يتنقل بين أملهم بغد أفضل والتحديات التي تفرضها المرحلة الانتقالية في سوريا.

مقاعد بالانتظار

شهدت الجامعات والمؤسسات التعليمية في سوريا عودة تدريجية للطلاب الذين كان للنظام السوري السابق دور في إبعادهم عنها منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، واستأنف بعضهم دراسته فور عودته إلى البلاد، في حين تقدم آخرون بطلب للجامعة، منتظرين الفرصة المناسبة للعودة إلى سوريا لاستئناف تعليمهم.

“عدت إلى جامعتي، فوجدت تمثال زهير بن أبي سلمى في انتظاري، كما كل شيء في حلب ينتظرني”، بهذه الكلمات وصفت الشابة شهد باقي زادة، في مقطع مصور على منصة “إنستجرام”، لحظة عودتها إلى كلية الآداب بجامعة حلب بعد انقطاع استمر لسنوات.

وقالت شهد باقي زادة لعنب بلدي، “كنت أدرس اللغة العربية وآدابها، ولم يتبقَ لي سوى ثلاث مواد لأتخرج، إلا أن الاعتقالات وسيطرة نظام الأسد على مدينة حلب بالكامل آنذاك أجبراني على ترك الجامعة واللجوء إلى تركيا”.

في حين ينوي عمار حبيب، وهو مدير إنتاج في شركة للصناعات الغذائية، العودة للاستقرار في سوريا واستئناف دارسته، بعد أن قدم طلبًا لاستكمال دراسته في المعهد التقاني الزراعي بتخصص صناعات غذائية.

عمار الذي لم يكمل دراسته بعد خروجه من سوريا بعد أن أصبح مطلوبًا للفروع الأمنية بسبب موقفه الذي يدعم الثورة السورية، قال، “كنت من الأوائل في المعهد، وكان هدفي الالتحاق بالكلية، لأنني أحب مجالي كثيرًا وأتمنى أن أبدع فيه”.

وأضاف، “الأمل كان موجودًا دائمًا لكن لم أتخيل العودة إلى مقاعد الدراسة”.

وأول ما فكرت به الشابة خولة بيريني، وهي طالبة في كلية الهندسة الزراعية، عند سماعها بالقرار الذي يسمح للطلاب المنقطعين بالعودة إلى قيدهم السابق، حلمها الذي وصفته بأنه “كاد يتلاشى”.

وقالت خولة التي انقطعت عن الجامعة في سنتها الثالثة بسبب التضييق الأمني، “تسلل اليأس إلى قلبي مرات، وفقدت الأمل في تحقيق حلمي بإكمال دراستي، لكن بعد سقوط النظام وصدور قرار السماح للطلاب المنقطعين باستكمال دراستهم، توجهت أنظاري إلى ماضٍ كان مليئًا بالطموح والإرادة”.

وأضافت، “اتخذت قراري باستئناف دراستي رغم إدراكي أن التحديات أصبحت أكبر والصعوبات ازدادت، إلا أن الأمر لم يكن مجرد فكرة عابرة أو كلمات تُقال”.

وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أصدرت قرارًا، في 26 من كانون الأول 2024، سمحت من خلاله لطلاب المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا المنقطعين بسبب الثورة منذ عام 2011، التقدم بطلبات عودة إلى قيدهم السابق في الجامعات العامة والخاصة.

تحديات العودة

بعد فترة طويلة من الانقطاع، يجد الطلاب العائدون إلى مقاعد الدراسة أنفسهم أمام تحديات كثيرة، فبينما يحاولون التكيف مع بيئة الجامعة مجددًا، يواجه كثيرون منهم عبئًا إضافيًا، يتمثل في مسؤولياتهم كآباء وأمهات، ما يضعهم أمام صعوبة في الموازنة بين الدراسة والالتزامات الأسرية.

في حين يشكل الوجود في قاعات المحاضرات مع زملاء أصغر سنًا تحديًا نفسيًا أيضًا، يثير التوتر والقلق.

ومع أن الفجوة العمرية قد تكون صعبة، إلا أن العديد من الطلاب الذين تواصلت معهم عنب بلدي يرون أنها مسألة طبيعية، وأن التكيف معها هو جزء من رحلة العودة إلى الحياة الجامعية.

ترى شهد أن المنقطعين عن الدراسة في بداية مسيرتهم سيواجهون صعوبة أكبر مقارنة بالطلاب الذين هم في وضعها، ولديهم بعض المواد المتبقية للتخرج، مشيرة إلى أن الصعوبة لا تقتصر على فارق العمر بين الطلاب المنقطعين وزملائهم المستجدين، بل تكمن في الاختلاف الفكري وتصور الأشخاص للأمور.

وأضافت شهد، “أصبحت أحتاج إلى ساعات أطول في الدراسة، نظرًا لاختلاف نمط حياتي وأولوياتي ومهامي عن تلك التي كنت أمارسها حين كنت طالبة قبل عدة سنوات”.

بينما تواجه الشابة مريم رشيد التي تبقى لها سبع مواد للتخرج من قسم اللغة العربية وآدابها أيضًا صعوبة في الدراسة، إذ كانت فترة انقطاعها طويلة، حسب قولها.

أما من ناحية الاندماج فقالت مريم، “كنت أشعر بخوف شديد من المجتمع والجامعة ومن البيئة المحيطة بي، خاصة بسبب اختلاف الآراء بيننا، لكن بعد تقديم امتحان أول مادة، تغير الأمر قليلًا وأصبح الوضع أفضل بعض الشيء”.

وتابعت، “بالنسبة للدراسة مع طلاب يصغرونني سنًا، الأمر ليس سهلًا بالنسبة لي، لكن لا بد لي من التأقلم”.

ويتفق عمار بالرأي مع مريم حول صعوبة الدراسة مع طلاب أصغر سنًا، ويرى أن التأقلم معه “خيار لا بد منه”.

وعلى الصعيد الأكاديمي، يواجه الطلاب صعوبة في التكيف مع المناهج الجديدة، إذ تغيرت بعض المقررات، فحذفت مواد، وأضيفت أخرى لم يسبق لهم الاطلاع عليها.

وفي هذا السياق قالت شهد باقي زادة، “تم إلغاء مادة اللغة العثمانية، وأصبح علي الاختيار بين مادتي اللغة الفارسية أو العبرية، لكنني لا أملك أي خلفية مسبقة عن أي منهما”.

وفي الوقت الذي تواصل فيه سوريا بالسير في مرحلة انتقالية جديدة، تعكس رغبة الطلاب بالعودة إلى قيدهم السابق في الجامعة إرادة جيل يسعى إلى التمسك بأحلامه رغم الصعوبات.

ورغم أن طريق العودة مفتوح أمام الكثيرين، يبقى بعضهم محاصرًا بأسباب تقف أمام عودتهم.

مقالات متعلقة

  1. تقديرات سورية رسمية: 22% من تلاميذ التعليم الأساسي "متسربون"
  2. تركيا تسعى لاستقبال 150 ألف طالب سوري نهاية العام الجاري
  3. باللغة العربية.. جامعة تستوعب السوريين في تركيا
  4. الطلاب السوريون وواقع التسجيل في الجامعات التركية

مجتمع

المزيد من مجتمع