عنب بلدي – رأس العين
يواجه طلبة الجامعات في مدينتي تل أبيض ورأس العين الحدوديتين مع تركيا عقبات تمنعهم من استكمال تعليمهم، بسبب قلة الجامعات، وضيق المنطقة جغرافيًا، وصعوبة وصولهم إلى مناطق الداخل السوري.
ويقتصر التعليم الجامعي في رأس العين وتل أبيض على جامعة “حلب الحرة” التي لم تشهد إقبالًا بسبب الرسوم الدراسية المرتفعة، بالإضافة إلى قلة الخيارات التعليمية في المعاهد وغياب الفروع الجامعية، إذ لا يتجاوز عدد الطلاب المسجلين في المنطقتين 130 طالبًا.
ولم يستطع الطلبة الاستفادة من قرار وزارة التعليم العالي في حكومة دمشق المؤقتة الذي ينص على السماح بعودة الطلاب الجامعيين إلى مقاعدهم الدراسية بسبب ابتعادهم عنها بعد الثورة منذ عام 2011، بمن في ذلك المفصولون.
تقع تل أبيض ورأس العين قرب الحدود التركية، وتحيط بهما مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية”، ولا توجد طرق رسمية بينهما، بينما لا يستطيع الأهالي الوصول إلى الداخل السوري سوى عبر “طرق التهريب الخطرة”، أو عبر الدخول إلى تركيا ومنها إلى سوريا، وهذا غير متاح.
طلاب منقطعون عن التعليم الجامعي
انقطع كريم سيف الدين من مدينة رأس العين عن دراسة الهندسة المدنية في السنة الرابعة بمحافظة الحسكة منذ عام 2019، بسبب انقطاع الطرق والمواجهات التي حدثت حينها بين “الجيش الوطني السوري” و”قسد”.
بعد توزع مناطق السيطرة بين الطرفين، حاول كريم العودة إلى الجامعة في عام 2020، إلا أنه لم يتمكن بسبب الظروف الصعبة وتهديدات الطرق الخطرة التي كانت تحول دون وصوله إلى الجامعة.
نتيجة لذلك، تم فصله بسبب غيابه المستمر وعدم قدرته على العودة لاستكمال دراسته، معربًا عن أسفه لأن قرار وزارة التعليم العالي بعودة الطلاب إلى مقاعدهم الدراسية لم يشمل طلبة المدينتين.
في عام 2014، اضطرت ريمة مسعود من مدينة تل أبيض إلى التخلي عن دراستها للسنة الثالثة في كلية الطب البشري بجامعة “الفرات”، بعدما أصبحت مطلوبة من قبل الأمن السياسي في دير الزور، ما حال دون عودتها إلى مقاعد الدراسة واستكمال تعليمها.
حاولت الشابة لاحقًا التسجيل في رأس العين وتل أبيض لاستكمال تعليمها، لكنها لم تجد فروعًا جامعية هناك، حيث اقتصر التعليم على المعاهد الصحية مثل المخبرية والتمريض، ما جعلها غير قادرة على متابعة دراستها في تخصصها.
وطالبت ريم بإيجاد حلول لطلاب تل أبيض ورأس العين، مثل افتتاح فروع جامعية أو إمكانية استكمال الدراسة الجامعي من قبل الحكومة السورية الجديدة.
جامعة “الخابور” توقفت قبل افتتاحها
في نيسان 2024، أعلن أكاديميون عن إنشاء جامعة “الخابور” الخاصة في مدينة تل أبيض شمالي الرقة، لكن المشروع توقف بعد ذلك ولم تُفتتح الجامعة أبدًا.
كما لم يتم إنشاء أي فروع جامعية في تل أبيض ورأس العين، ما دفع الطلاب للاعتقاد بأنهم خُدعوا بوعود لم تتحقق، وبالتالي فقدوا فرصهم في استكمال تعليمهم الجامعي.
مصدر من كوادر جامعة “الخابور” (طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالحديث لوسائل الإعلام) قال لعنب بلدي، إن الجامعة توقفت عن العمل لعدة أسباب، أبرزها ضبابية مستقبل المنطقة.
وأضاف أن الإدارة توقفت عن تنفيذ مشروع الجامعة بعد سقوط النظام السوري، وهروب بشار الأسد إلى روسيا، في 8 من كانون الأول 2024، وأن الأكاديميين بدؤوا بالعودة إلى الداخل السوري.
وذكر أن تل أبيض ورأس العين تعتبران منطقتي حرب، ما أدى إلى إلغاء الجامعة وعدم افتتاحها.
اعتبر بعض الطلبة أن الأسباب تتناقض مع وضع المدينتين حاليًا، إذ لم يطرأ أي تغيير ولا تزالان بنفس المساحة الجغرافية، ودون أي معارك منذ اعتزام افتتاح الجامعة، بينما لا تزال المفاوضات جارية بين حكومة دمشق المؤقتة و”قسد”، أبرز بنودها تسليم السلاح وانخراط “قسد” في الجيش السوري الجديد كأفراد.
خيارات تعليمية محدودة
حصلت عنب بلدي على إحصائية بحصول 2100 طالب على الشهادة الثانوية في رأس العين وتل أبيض بين عامي 2019 و2024، ولم يكمل الدراسة الجامعية إلا 130 طالبًا منهم، حيث اقتصر استكمالهم على المعاهد المتوفرة في المنطقة.
رئيس اتحاد الطلبة في رأس العين، مهند العبد الله، قال لعنب بلدي، إن انقطاع الطلاب عن التعليم الجامعي في تل أبيض ورأس العين يعود إلى عدة عوامل، أبرزها غياب فروع جامعية والاكتفاء بالمعاهد في المنطقتين.
وأوضح العبد الله أن اتحاد الطلبة في رأس العين وتل أبيض طالب مؤسسات المعارضة السورية الرسمية سابقًا “الحكومة السورية المؤقتة” و”الائتلاف السوري” بافتتاح فروع جامعية في رأس العين، لكن تم افتتاح معاهد فقط بسبب صغر حجم المنطقة.
وأضاف أن جامعة “الخابور” أيضًا توقفت عن افتتاح فروع لها في تل أبيض ورأس العين، بسبب الظروف السياسية السائدة في المنطقة.
وأشار إلى أن الطلاب المنقطعين عن التعليم الجامعي في رأس العين وتل أبيض لم يتمكنوا من الاستفادة من قرار وزارة التعليم العالي في دمشق، الذي يتيح لهم العودة إلى الجامعات وإكمال دراستهم، بسبب الحصار الذي تفرضه “قسد” عليهما.
ويرى العبد الله أن الحل الوحيد للمنطقة هو افتتاح جامعة من قبل الحكومة السورية الجديدة، لتلبية احتياجات الطلاب المنقطعين عن التعليم الجامعي، وكذلك لمن يرغب في استكمال دراسته الجامعية.
ومنذ سيطرة “الجيش الوطني السوري” على المدينتين عام 2019، شهدتا إقبالًا على دورات تعلم اللغة التركية، أملًا في تعزيز الحصول على فرص العمل، إذ أصبحت معرفة اللغة التركية ضرورة لتسهيل العمل في العديد من المؤسسات، سواء في القطاع الخاص أو العام، ما دفع الكثيرين إلى الالتحاق بهذه الدورات.
وتعتمد رأس العين بشكل رئيس على قطاع الزراعة، ما يحد من تنوع فرص العمل المتاحة للسكان، كما أدى ضعف البنية التحتية وصغر مساحة المنطقة إلى تقليص قدرتها على جذب الاستثمارات، ما أسهم في زيادة نسبة البطالة بين الشباب وضعف القدرة الشرائية للسكان.