أصبحت هناك قناعة عند جميع الأطراف السياسية الداخلية والخارجية، أن النظام السوري لا يريد أي تسوية حقيقية للنزاع القائم، فلا هو يعترف بحق الشعب في تقرير مصيره، ولا الشعب السوري مستعد بأي شكل من الأشكال الاستمرار تحت رحمة هذا الجزار الذي عاث فسادًا وقتلاً في البلاد.
ونتيجة لتلك الحالة المستعصية، يضطر هذا الشعب أن يخوض حرب التحرير مدينةً مدينة وشارعًا شارع. وتكون النهاية المنطقية؛ حالة من الدمار والخراب الذي لا يمكن لبشر أن يتصوره.
يساعد استمرار هذا السيناريو عاملين أساسيين؛ الأول هو السكوت المخجل للدول الأوربية وأمريكا حيال ما يحدث في سوريا، وحيال الدعم المستمر القادم للنظام من روسيا وإيران، وبالتالي عدم وجود توازن بالقوة والردع بين الطرفين المتنازعين، فالأول أي النظام يملك كل أسباب التدمير والقتل، والثاني أي الجيش الحر، لا يملك حتى هذه اللحظة أكثر من أسلحته الفردية وبعض مضادات الطيران ومضادات الدروع التقليدية (البسيطة) التي يحصل عليها من غنائمه بعد استيلائه على القطعات العسكرية أو يشتريها بالمال الوارد إليه.
والعامل الثاني الذي جعل من عملية التدمير تستمر بهذه الطريقة الوحشية، والذي يُعتبر امتدادًا للعامل الأول، هو استمرار التصريحات الغربية، التي ليس لها أي مبرر، عن عدم وجود احتمال بالتدخل العسكري لإنهاء الأزمة أو لفرض عملية سياسية حقيقية. هذه التصريحات التي تجعل من الزعماء الأمنيين والشبيحة الكبار في سوريا يأخذون ضوءًا أخضرًا بالاستمرار بعملية القتل والتهديم اليومي لكل أشكال الحضارة.
وللعلم فإن المجتمع الدولي و(الغربي خصوصًا) لديه تجربة لا تزال ماثلةً في ذاكرته، وهي أن أنظمة كنظام بشار الأسد وسلوبودان ميلوزوفتش (الصربي)، لا يمكنها أن تركع أو تجلس على طاولة مفاوضات إلا بعد التهديد العسكري، خاصة مع الدعم الكبير والمستمر من المعسكر السوفيتي سابقًا والروسي– الإيراني حاليًا، وبعد فشل الاحتجاجات السلمية بالتغيير المطلوب.
كل هذه الأسباب جعلتنا نقول أن السيناريو المنطقي للأحداث القادمة في سوريا وفي دمشق خصوصًا هو مشابه تمامًا لما حصل في باقي المدن، فقد شاهدنا مدينةً كحلب تتدمَّر تحت أنظار العالم ولم يتحرك لأحدهم جفن. وكلنا يعلم ما في حلب من حجم عمراني وحضاري وأثري عظيم. ودمشق هي الخاتمة المأساوية لمعركة سقوط النظام، فلابد أن يتم تحريرها شبرًا بشبر حتى يتم القضاء على آخر معاقل أجهزة المخابرات، التي حكمت الناس لأكثر من خمسة عقود مضت، وبسقوطها يسقط هذا الوثن اللعين. اللهم إلاّ إذا حدث شيء خارج الحسبان وكلنا أمل بعدم تحقق ذلك.