![رغم أن الأسد يعيش في مجمع بموسكو ويتجنب الظهور العام تخرج عائلته برسائل متفرقة (تعديل عنب بلدي)](https://cdn.enabbaladi.net/arabic/wp-content/uploads/2025/02/Assad-family.jpg)
رغم أن الأسد يعيش في مجمع بموسكو ويتجنب الظهور العام تخرج عائلته برسائل متفرقة (تعديل عنب بلدي)
رغم أن الأسد يعيش في مجمع بموسكو ويتجنب الظهور العام تخرج عائلته برسائل متفرقة (تعديل عنب بلدي)
عنب بلدي – حسام المحمود
لم تتخطَّ عائلة الأسد لحظة السقوط، وانهيار حكم دام 53 عامًا على رقاب السوريين، موزعة بين 29 عامًا لحافظ الأسد و24 عامًا لابنه بشار الذي جاء إلى السلطة بالتوريث ودون انتخابات حرّة، ليقضي أكثر من نصف حكمه يحارب دون طائل مساعي الشعب السوري للتغيير السياسي، فخرج بشار ليقدّم رؤيته لليوم الأخير، ثم جاء ابنه بالرواية ذاتها لاحقًا، في وقت يتجه به السوريون إلى بناء ما دمّره النظام السابق، بذاكرة غنية بجراح الماضي، التي لا تزال بعض ملفاتها حاضرة، كملف المفقودين.
بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، ظهرت روايات متعددة حول اليوم الأخير للأسد وعائلته في دمشق قبل هروبه إلى موسكو عبر قاعدة “حميميم” الروسية في اللاذقية، إلى أن خرج الأسد ببيان متأخر يقدم فيه مزاعمه للشارع السوري.
في 16 من الشهر نفسه، نشر الأسد بيانًا بالعربية والإنجليزية عبر منصة “رئاسة الجمهورية” التي كانت تواكب نشاطه، وزعم الأسد زهده بالسلطة وقال إنه لم يغادر سوريا بشكل مخطط له، وبقي في دمشق “يتابع مسؤولياته” حتى ساعات الصباح الأولى من يوم الأحد (يوم السقوط).
وبحسب قوله، فمع “تمدد الإرهاب” في سوريا، انتقل بتنسيق مع الروس إلى اللاذقية لما قال إنه “متابعة الأعمال القتالية” منها، وعند الوصول إلى قاعدة “حميميم” تبيّن انسحاب القوات من خطوط القتال، وسقوط آخر مواقع الجيش مع ازدياد تدهور الواقع الميداني في تلك المنطقة.
الأسد الذي استقبلته موسكو تحت مسمى “اللجوء الإنساني”، ذكر أنه في ظل استحالة الخروج من القاعدة الروسية في أي اتجاه، طلبت موسكو من قيادة القاعدة العمل على تأمين الإخلاء الفوري إلى روسيا مساء الأحد.
وزعم أنه خلال تلك الأحداث لم يطرح موضوع اللجوء أو التنحي من قبله أو من قبل أي شخص أو جهة، والخيار الوحيد المطروح كان استمرار القتال “دفاعًا في مواجهة الهجوم الإرهابي”، على حد قوله.
كما قال في البيان، “لم أكن في يوم من الأيام من الساعين للمناصب على المستوى الشخصي، بل اعتبرت نفسي صاحب مشروع وطني استمد دعمه من شعب آمن به، وقد حملت اليقين بإرادة ذلك الشعب وبقدرته على صون دولته والدفاع عن مؤسساته وخياراته حتى اللحظة الأخيرة”، معتبرًا أنه “مع سقوط الدولة بيد الإرهاب، وفقدان القدرة على تقديم أي شيء يصبح المنصب فارغًا لا معنى له، ولا معنى لبقاء المسؤول فيه”.
وأشار الأسد إلى عدة محاولات أجراها وكانت غير ناجحة لنشر هذا البيان في وسائل الإعلام العربية والأجنبية، ما دفع لنشره على منصات “رئاسة الجمهورية السابقة”.
رواية الأسد حول هروبه من دمشق، تتعارض مع ما نقلته وكالة “رويترز” في تلك الفترة، حول الساعات والأيام الأخيرة للأسد في دمشق قبل إسقاطه.
وقالت الوكالة، إن الأسد أعدّ خطة سرية للفرار من سوريا عندما كانت سلطته تنهار، دون إطلاع غالبية مساعديه ومسؤولي حكومته وحتى أقربائه على الأمر، وذكرت “رويترز” نقلًا عن أكثر من 10 مصادر، أن الأسد لجأ إلى الخداع والتكتم لتأمين خروجه من البلاد.
كما أبلغ الأسد مدير مكتبه الرئاسي، في 7 من كانون الأول (قبل سقوطه بيوم)، عندما انتهى من عمله، أنه سيعود إلى منزله لكنه توجه بدلًا من ذلك إلى المطار.
هذه الرواية التي نشرها الأسد على منصات كانت للرئاسة، وقابلها الشارع السوري بالتهكم والتكذيب والشتائم للأسد على ما خلفه في سوريا من جراح، جاءت بعد محاولات فاشلة لنشرها عبر وسائل إعلام عربية وأجنبية، وتبع نشرها إعادة حذفها، ثم نشرها مرة أخرى، قبل حذفها بشكل نهائي عن كافة المعرفات.
في وقت لاحق عادت عائلة الأسد للتصريح لكن من نافذة حافظ، الابن البكر لبشار، الذي قدّم عبر منصة “إكس” قصة اليوم الأخير للعائلة في دمشق، فحاول ترميم نواقص رواية والده من جهة، مع تقديم رسائل غير مباشرة في النص، ملمحًا إلى تخلّي الجيش عن والده، ورغبة والده بالبقاء و”الدفاع” عن البلاد، وأن عائلة الأسد ككل كانت على علم بسفره، في الوقت الذي أكدت به تقارير وشهود أن الأسد سافر حتى دون إخبار شقيقه ماهر.
منصة “إكس” أغلقت حساب حافظ بشار الأسد لديها، وأيضًا حساب “رئاسة الجمهورية” الذي كان متاحًا لنظام بشار الأسد، مغلقة واحدة من البوابات التي اعتمدتها عائلة الأسد لضخ رسائل يرى فيها بعض السوريين ملامح استفزاز، في الوقت الذي لا تزال به البلاد تلملم جراحًا غائرة خلّفها حكم عائلة الأسد، وأبرزها 112 ألفًا و414 مختفيًا قسرًا ما زالوا مجهولي المصير بعد أكثر من شهرين من الإطاحة بالأسد، وفق ما وثقته “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
وفيما يتعلق بظهور الأسد أو أفراد من عائلته وتقديم تصريحات ذات أبعاد سياسية، ثم حذفها، واحتمالية وجود موانع أمام الأسد للإدلاء بتصريحات، أوضح المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، لعنب بلدي، أن هناك فارقًا بين القوانين الرسمية والأوامر التي تطرحها السلطات الروسية، فهناك جهاز مخابرات خارجي وآخر داخلي، والأول مرتبط بالتحركات الخارجية لروسيا، ومن المحتمل تقديم أوامر من إدارة الرئيس الروسي عبر دوائر مختلفة منها العلاقات الخارجية والأمن حتى لا يدلي الأسد بتصريحات قد تضر بعلاقات موسكو مع دمشق.
وليست هذه المرة الأولى التي تستقبل فيها روسيا “رئيسًا لاجئًا”، فبعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني، فيكتور يانوكوفيتش (كان رئيسًا بين 2010 و2014)، إثر احتجاجات شعبية واسعة ضد حكومته بسبب توجهاتها المؤيدة لروسيا ورفضه الشراكة مع الأوروبيين، خلال ثورة الميدان الأوروبي بين 2013 و2014، هرب إلى موسكو حيث منحته روسيا الحماية وأتاحت له أيضًا الظهور الإعلامي.
وبالمقارنة بين حالة ياناكوفيتش والأسد، يرى بريجع أن روسيا لها مشروع في أوكرانيا، وعملت على مشروع “نوفا روسيا” (روسيا جديدة في أوكرانيا) ولذلك سمحت للرئيس الأوكراني السابق بتقديم تصريحات وبيانات، أما في سوريا فالوضع مختلف، فالأسد سقط، وموسكو ترغب بطي الصفحة، ما يعني عزلًا سياسيًا للأسد وعائلته، وأي تحرك مختلف يعارض مصالح موسكو الجديدة.
صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية نقلت، في 12 من شباط الحالي، عن صحفي روسي متابع لحياة الأسد في موسكو، أن الأسد يجلس في شقة تقع في أعلى ناطحة سحاب، في مجمع “موسكو سيتي” متجنبًا الظهور العام، خوفًا على سلامته أو قلقًا على زوجته المريضة، وربما لأنه يواجه صعوبة في التكيف مع وضعه الجديد.
وبعد زيارة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إلى دمشق، نقلت وكالة “رويترز” أن الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، طلب من موسكو تسليم بشار الأسد، وهو ما رفضت موسكو التعليق عليه رسميًا عبر “الكرملين”.
مصدر روسي تحفظ على عدم ذكر اسمه، لمخاوف أمنية، قال لعنب بلدي، إن مصير بشار الأسد منحصر ضمن عدة سيناريوهات، منها البقاء في روسيا وبقاء الوضع على ما هو عليه، وهو خيار مستبعد، لأنه يعني مشكلات مستقبلية لا تريدها روسيا مع سوريا، كونها ستهدد مصالحها بطبيعة الحال.
وهناك سيناريو آخر قريب من مصير يفغيني بريغوجن (قائد قوات “فاغنر” سابقًا، توفي بسقوط طائرته في آب 2023)، أو المعارض الروسي أليكسي نافالني (توفي بوعكة صحية في سجنه بروسيا في شباط 2024)، فمن الممكن تدهور حالته الصحية، وهذا أمر يحل جزءًا من المشكلات العالقة بين روسيا وسوريا، مع استبعاد سيناريو تسليم الأسد لدمشق، لأن هذه الحالة ستترك انطباعًا بأن موسكو تخون حلفاءها.
ولروسيا تاريخ طويل في تصفية واغتيال شخصيات سياسية شكّلت قلقًا وتهديدًا لمصالحها في وقت ما، ومنها اغتيال العميل الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو في لندن، عام 2006، بعد أيام من تسممه بمادة اليورانيوم المشعة.
المصدر بيّن أن كل أوراق بشار الأسد السياسية باتت محروقة، والسيناريو الأقرب أمام الأسد، هو الاغتيال، فتسليمه يعني أن الأنظمة التي تتعاون معها روسيا ستخشى التعامل مع روسيا، وسيضر ذلك بسمعة روسيا، ويذكّر بمصير القذافي وصدام حسين، صديقي روسيا السابقين، وروسيا لا ترغب بفتح دفاتر الماضي، مع الإشارة إلى تقلبات في السياسة الروسية، واحتمالية تحقيق تحولات في هذه السياسة حتى 2030، وإذا بقي الأسد حيًا حتى ذلك الوقت فقد يجري تسليمه.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى