عمال وعاملات في مرمى إجراءات تعسفية

  • 2025/02/16
  • 3:34 م
لمى قنوت

لمى قنوت

لمى قنوت

بعد حوالي أسبوع من تعيين وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال، محمد أبازيد، في 30 من كانون الأول 2024، صرح بعدم وجود “أرقام حقيقية للموظفين، وأن الواقع يشير إلى وجود نحو900  ألف موظف فعلي من بين مليون و250 ألفًا في سجلات النظام السابق”، وأن بعضهم كان مسجلًا على الورق فقط لأخذ الراتب دون عمل”، وهناك أكثر من 300 ألف موظف أو نحو 400 ألف ستُشطب أسماؤهم، وسيُعاد توجيه قيمة رواتبهم لبناء الاقتصاد.

ووعد الوزير بزيادة الرواتب بمقدار 400% عن متوسط ما يحصل عليه الموظف والذي لا تتجاوز قيمته 25 دولارًا للفرد.

أما وزير التنمية، محمد السكاف، فقال إن الدولة ستحتاج ما بين 550 ألفًا و600 ألف عامل، وهو أقل من نصف العدد الحالي.

وقد يعود تخفيض العدد هذا، رغم أن تصريحي الوزيرين حصلا بنفس الفترة الزمنية، إلى سياسة الخصخصة أو التصفية المَنْوي اتخاذها لحوالي 107 مؤسسات حكومية.

وبشكل متسرع، قررت حكومة تصريف الأعمال إصدار قرارات تسريح وفصل وإيقاف عن العمل، وعدم تجديد عقود، وإجازات قسرية لعمال وعاملات، وعدم تشميل المتقاعدين والمتقاعدات من بعض القطاعات بقرار زيادة الأجور، دون دراسة قانونية وإدارية متأنية ودقيقة تتبين حاجة المؤسسات الفعلية من الموظفين وتكشف عن الوظائف الوهمية، وتفرز الموظفين الوهميين أو ما اصطلح على تسميتهم بـ”الموظفين الأشباح”، وأولئك الذين يتقاضون رواتب من عدة مؤسسات حكومية، وتقوم بعملية فحص سجلات الموظفين بهدف تنحية وعزل الفاسدين والمسيئين ومرتكبي الانتهاكات خلال إعادة هيكلة المؤسسات أو إصلاحها باعتبارها إحدى ركائز العدالة الانتقالية التي تُعيد ثقة المواطنين والمواطنات في مؤسسات الدولة.

يُعد “إصلاح التشريعات والمؤسسات أو إعادة هيكلتها” ركيزة أساسية من ركائز العدالة الانتقالية، ولكن في حال تأخر بناء مسار وطني للعدالة الانتقالية لحين إقراره في الدستور الجديد للبلاد، يجب أن تتم معالجة ملف مؤسسات القطاع العام ومكافحة الفساد والترهل المؤسساتي فيها عن طريق القضاء، وذلك عبر تشكيل لجنة محايدة ومستقلة، تضم قانونيين وممثلين عن النقابات والاتحادات المهنية وخبراء في العدالة الانتقالية، من النساء والرجال، تعمل وفق عدة مستويات، ويتقاطع عملها فيما بعد مع ركائز العدالة الانتقالية الأخرى المتمثلة في المحاسبة وكشف الحقيقة وجبر الضرر، وعلى اللجنة أن تتبع نهجًا شاملًا متكاملًا عبر مجموعة خطوات هي:

  • تعليق نصوص في قوانين العمل التي منحت امتيازات لحزب “البعث” المنحل، كمواد في “النظام الأساسي للعاملين في الدولة- القانون رقم 50 للعام 2004″، وتخليصه من التسييس الذي سلط فيه النظام البائد حزب “البعث” على موارد الدولة ومؤسساتها مثل “المادة 14– د” التي تعتبر بأن الخدمة التي يؤديها العاملون في منظمات الحزب “بمثابة خدمة فعلية لدى الجهات العامة التي تدخل في حساب المعاش”، و”المادة 16/1– 2/أ” من القانون نفسه التي تعطي امتيازات للمنتسبين إلى الحزب والعاملين في منظماته المختلفة، نساء ورجالًا.
  • فحص سجلات جميع الموظفين، وتحديد الوهميين منهم، ومطالبة المقتدرين باسترداد قيمة الرواتب التي قبضوها دون عمل.
  • عدم إجراء تسويات للموظفين المتورطين في الفساد الواسع النطاق والجرائم الاقتصادية لحين محاسبتهم، والعمل على استرداد الأموال العامة المنهوبة، فأثر هذه الجرائم يوازي أثر جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
  • التحقيق بشأن الموظفين المنتدبين إلى مؤسسات حزب “البعث”، وبشكل محدد الذين انتموا إلى “كتائب البعث” العسكرية ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم.
  • تطبيق العزل السياسي على موظفي الدولة من رموز النظام السابق، والذين تلطخت أيديهم بالدماء، والكشف عن تجاوزاتهم وانتهاكاتهم من أجل محاسبتهم، وضمان استبعادهم من العملية السياسية الوطنية أو أي مسؤولية حكومية أو دبلوماسية عليا في صلب الدولة، وهو إجراء يكفل توفير قدر من العدالة للضحايا وأسرهم.
  • إعادة الموظفين، نساء ورجالًا، ممن تم فصلهم عن العمل بسبب رأيهم وموقفهم السياسي ومشاركتهم في الثورة، وهو إجراء تعمل عليه وزارة التنمية الإدارية حاليًا.
  • “إعادة هيكلة الملاكات والموارد البشرية على قاعدة عدم التفريط بالعاملين والاستثمار بالكفاءات والاستمرار بإعدادهم وتأهيلهم لرفع الكفاءة والفاعلية”، وهو أحد المطالب التسعة المحقة التي أعلنت عنها رابطة عمال التغيير الديمقراطي، وهي تنسيقيات عمالية في جميع المحافظات لتنظيم الحراك العمالي.

إن التسريح التعسفي والإجازات القسرية وحرمان المتقاعدين من زيادة الراتب هو عقاب للعمال والعاملات، الذين سرق النظام البائد أجورهم بشكل دائم مع كل تعديل على سعر الصرف، ما أدى إلى إفقارهم بشكل ممنهج، وبدل أن يدافع الاتحاد العام لنقابات العمال عن حقوقهم بقي أداة لتعزيز هيمنة النظام، وتسويق سياساته النيوليبرالية الضارة بحقوقهم. وكي تستعيد النقابات استقلاليتها بعيدًا عن وصاية وهيمنة السلطة الحاكمة وتعييناتها، يجب إجراء انتخابات لتشكيل قيادات نقابية جديدة كما فعل اتحاد عمال السويداء مؤخرًا، واعترف بنتائجها الاتحاد العام للعمال.

مقالات متعلقة

  1. سوريا.. 400 ألف موظف "وهمي" في القطاع العام
  2. زيادة 400% على الرواتب في سوريا
  3. عثرات وتجاوزات
  4. "التربية": 23 ألف معلم غير ملتزمين بوظائفهم

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي