اتحاد الصحفيين السوريين.. حتى لا تضيع الفرصة
علي عيد
يواجه قطاع الإعلام في سوريا تحديات كبرى تتعلق بتنظيم القطاع، وكذلك ما ينتج عن ذلك في إطار حرية الصحافة وممارسة المهنة، ولأن الإعلام كان ممسوكًا أمنيًا في فترة النظام السابق وما قبله بعقود، خلال فترة حكم “البعث”، فإن المشكلة لا تتوقف عند الإعلام المستقل، بل تنسحب على الإعلام الرسمي، وعلى العمل النقابي الذي يعبر عن مصالح الصحفيين ويدافع عنهم.
خلال الـ13 سنة الماضية، جرى التضييق على الحريات الصحفية في إطار خنق الحريات العامة، وتوجيه الإعلام نحو الدعاية الخاصة للنظام، وترويج روايته حول الأحداث في سوريا، كما جرى استخدام النقابات وعضويتها في منظمات دولية لتلميع صورة النظام، وهذا ما حصل في اتحاد الصحفيين السوريين.
السيطرة على القطاع الإعلامي نتجت عنها تشوهات طالت التمثيل النقابي، وتركيبة وسائل الإعلام، ولم يعد يمكن التمييز بين القطاعين العام والخاص وعمل النقابات المدني.
الاشتباك بمسألة الصحافة في سوريا وصل إلى حدود متقدمة، وتداخلت فيه المسألة المهنية بالجوانب القانونية والإدارية، وبناء عليه فإن جميع القرارات التي صدرت من الحكومة بخصوص العاملين في قطاع الإعلام والمؤسسات جاءت تحت ضغط دوافع طارئة، وهنا لا أبرر، لكن يمكن تفهّمها من باب خطر تسبب الانفلات الإعلامي بخلق فوضى أمنية قد تنتهي بمذابح وحرب أهلية، كما حصل في رواندا عام 1994.
في قرار حلّ اتحاد الصحفيين، كان يمكن إدارة العملية بشكل أفضل، وبمشاركة أصحاب الشأن أنفسهم، دون التقليل من قيمة واعتبارية الأشخاص الذين جرى تعيينهم بصفة “مكتب مؤقت”، وما زال الأمر متاحًا لتوسيع المشاركة، والمهمة صعبة.
يدافع كثيرون، وأنا منهم، عن قرار حلّ المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين السوريين، وهذا يعني حلّ مجلسه ومكتبه التنفيذي، وهو قرار مشروع، ومن صلاحيات الجهة التي أصدرته وهي رئاسة مجلس الوزراء، بالاستناد إلى قوانين سابقة وضعها النظام “البائد”، لكن الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، اعتبر أن العهد الجديد كان يمكنه أن يلجأ إلى مشاورات مع ذوي الاختصاص أو الاستفادة من الأعضاء ذوي الخبرة، كما اعتبر أن القرار يعطي “ﻣﺆﺷﺮًا ﺧﻄﯿﺮًا” ﺑﺄن الحكومة “ﻣﺴﺘﻌﺪة ﻻﺳﺘﺨﺪام ﺗﺮﺳﺎﻧﺔ اﻟﻘﻮاﻧﯿﻦ اﻟﺴﯿﺌﺔ اﻟﺘﻲ أﻗﺮھﺎ اﻟﻨﻈﺎم اﻟﺴﺎﺑﻖ واﻟﻤﺼﻤﻤﺔ ﻟﺘﻘﯿﯿﺪ ﺣﺮﯾﺔ اﻟﺘﻌﺒﯿﺮ واﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ”.
بيان الاتحاد الدولي (الفيدرالية الدولية) استند إلى اعتبار أن الاتحاد عضو فيه، مطالبًا بالسماح له بإدارة عملية تشاورية تشارك فيها المنظمات النقابية أعضاء الاتحاد الدولي للصحفيين في سوريا والهيئات النقابية الأخرى والصحفيات والصحفيين، وأقول هنا إن من واجب الاتحاد الدولي التعبير عن موقفه بهذا الشكل، لكن إدارة هذه العملية من قبل السوريين أنفسهم، ولديهم القدرة والخبرات للقيام بالمهمة، وهذا لا يمنع الاستعانة “الفيدرالية” وخبرتها الطويلة في هذا الشأن.
أتذكر أننا في رابطة الصحفيين خضنا جولات متعبة للانضمام إلى “الفيدرالية”، ونجحنا في ذلك، كما حاولنا تعطيل انضمام اتحاد الصحفيين الذي كان يمثل النظام، والمفارقة اليوم، أن الرابطة أصبحت عضوًا كامل العضوية بعد أن كانت تحمل صفة “عضو مشارك”، بينما أتلمس إشارات على أن “الفيدرالية” قد تتجه لتجميد عضوية الاتحاد إذا شعرت أنه سيكون خاضعًا لسلطة الحكومة الجديدة، وبرأيي أنه كان من المفترض أن تقوم بهذه الخطوة سابقًا، بل أن ترفض طلب انضمامه بالأصل، ومن ممارسته مثلًا أذكر أنني كنت عضوًا فيه قبل فصلي وزملاء لي لأننا رفضنا أن نعمل في خدمة دعاية النظام منذ بداية الثورة، وهو موقف مخزٍ يخرج الاتحاد عن دوره النقابي.
ما سمعته من أطراف مسؤولة في وزارة الإعلام، يشير إلى عدم رغبة الحكومة والإدارة السياسية في سوريا بالتضييق أو السيطرة على الاتحاد، لكن التعبير عن الرغبة يحتاج إلى خطوات عملية تثبت حسن النيات، وتبدد القلق، وتحول التهديد إلى فرص، واتحاد الصحفيين، إذا تم تحريره من عقلية الفترة الماضية، يملك مقومات النقابة التي تخدم أعضاءها، وتسهم في أمن الصحفيين، وتدافع عنهم، وهذا ما يجب العمل عليه حاليًا، كما يجب الحفاظ على وجوده عضوًا فاعلًا في “الفيدرالية الدولية” لما في ذلك من مكاسب للقطاع بأكمله، ولسمعة سوريا ومستقبل الحريات الصحفية فيها مستقبلًا.
أختم بأن النقابات هي ملك لأعضائها، ومال صناديقها يأتي من اشتراكاتهم، وينحصر دور الحكومة في منع انحرافها، أو سوء إدارتها، أو إثبات وجود فساد فيها، كما أنها لا تمارس السياسة إلا عندما تواجه خطر التسييس أو محاولات تجييرها لمصالح السلطة والسياسة.. وللحديث بقية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :