وقف الدعم وفرضية الانسحاب

ضغط أمريكي على “قسد” يصب بمصلحة دمشق

في المنتصف قائد قسد مظلوم عبدي خلال اجتماع مع مجلس سوريا الديمقراطية - 22 كانون الثاني 2025 (قسد)

camera iconفي المنتصف قائد قسد مظلوم عبدي خلال اجتماع مع مجلس سوريا الديمقراطية - 22 كانون الثاني 2025 (قسد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – علي درويش

تتعرض “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لضغط مضاعف من حليفتها الأبرز، الولايات المتحدة الأمريكية، تمثل بخطة للانسحاب من سوريا ووقف منح المساعدات الخارجية، التي تستفيد منها “قسد” في عدة مجالات.

الضغط الأمريكي على “قسد” صاحبة السيطرة شمال شرقي سوريا، جاء بعد مواجهات عسكرية بين “الجيش الوطني السوري” وتركيا الداعمة له، وفي وقت تجري فيه مفاوضات مع حكومة دمشق للوصول إلى صيغة نهائية تريد منها دمشق السيطرة على كامل الأراضي السورية.

خطة أمريكية ووقف دعم

في 24 من كانون الثاني الماضي، أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية معظم منح المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا، وهو ما يعني أيضًا عدم اتخاذ أي إجراءات أخرى لتوزيع تمويل المساعدات على البرامج التي وافقت عليها الحكومة الأمريكية.

وتقدم الولايات المتحدة مساعدات مالية للمنظمات العاملة في مناطق سيطرة “قسد”، والتي تقدم خدمات في مختلف المجالات للسكان في المنطقة، خاصة المنظمات التي تشرف على إدارة وتقديم المساعدات للمخيمات.

وقف دعم المنظمات، ليس المقصود فيه “قسد” بشكل مباشر، وإنما جاء ضمن وقف برامج المساعدات الأمريكية الخارجية، وتضررت منه عدة مناطق في الشرق الأوسط وغيرها، كما تأثرت به مناطق أخرى في سوريا نتيجة توقف الدعم على نازحين في حلب وإدلب.

قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إن تعليق الحكومة الأمريكية مساعداتها للمنظمات غير الحكومية العاملة في مخيمي “الهول” و”روج” يتسبب في تفاقم الظروف المهددة للحياة، ويخاطر بالإمعان بزعزعة الحالة الأمنية الهشة، ويحد من توفير الخدمات الأساسية لسكان المخيم.

تدير “قسد” مخيمي “روج” و”الهول”، ويضم المخيمان حوالي 42500 شخص، معظمهم عوائل مشتبه بانتمائهم إلى تنظيم “الدولة”، من بينهم حوالي 18 ألف شخص أجنبي من 60 دولة، وفق تقديرات “رايتس ووتش”.

وبعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة دمشق المؤقتة، جددت “الإدارة الذاتية” مظلة “قسد” السياسية دعوتها لاستعادة الدول مواطنيها في المخيمات، وبدأت بإعادة النازحين من المخيمات.

الرئيس المشترك لمكتب شؤون النازحين واللاجئين، شيخموس أحمد، قال قبل أيام لوكالة “فرانس برس”، إن “الإدارة الذاتية” تعمل على إفراغ المخيمات بالتعاون مع الأمم المتحدة.

وذكرت “الإدارة الذاتية” أنها تنسق أيضًا مع وزارة الهجرة العراقية، فيما يتعلق بالمواطنين العراقيين المقيمين بمخيم “الهول”، وعودتهم إلى بلادهم، كما سهلت خروج دفعات من عائلات سورية إلى مناطقهم.

وفيما يتعلق بالوجود العسكري الأمريكي في مناطق سيطرة “قسد” الذي يعتبر إحدى أبرز أوراقها في مفاوضاتها مع حكومة دمشق، ذكرت شبكة “NBCNEWS” الأمريكية، في 5 من شباط الحالي، أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ومسؤولين مقربين منه أعربوا عن اهتمامهم بسحب القوات الأمريكية من سوريا.

دفع ذلك “البنتاجون” لوضع خطط للانسحاب في 30 أو 60 أو 90 يومًا.

بالمقابل، قالت “قسد” إنها لم تتلقَّ أي خطط من القوات الأمريكية للانسحاب من شمال شرقي سوريا.

دفع باتجاه دمشق

الباحث في الشؤون الكردية بدر ملا رشيد قال لعنب بلدي، إن قطع المساعدات سيُحدث خلال فترة قصيرة ضغطًا باتجاه كيفية دعم المنظمات المحلية أو الكثير من المنظمات أو المؤسسات التي ترتبط بالدعم الدولي، وهذا الأمر سيؤدي بنهاية المطاف إلى الدفع باتجاه توافق بين “قسد” ودمشق.

وأوضح الباحث أن ذلك سيُحدث في المجتمع رغبة بالانفتاح سواء من ناحية السوق أو المؤسسات الحكومية أو المعابر باتجاه دمشق لتعويض الفراغ أو النقص المادي الذي سيحصل من المجتمعات المحلية.

وتجري حكومة دمشق و”قسد” مفاوضات، لكن لم يصل الطرفان لاتفاق معلن في مختلف الملفات، وتفضل حكومة دمشق حل قضية “قسد” بالمفاوضات وعدم اللجوء للقوة العسكرية وفق تصريحات وزير الدفاع، مرهف أبو قصرة، ورئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.

ملفات مهمة بيد “قسد”

تمسك “قسد” بعدة ملفات مهمة تعتبر أوراق قوة لها، منها مخيمات تؤوي عوائل التنظيم وسجون مقاتليه والدعم الأمريكي إلى جانب سيطرتها على مساحات من الحدود السورية مع العراق، ووجود معظم الثروات النفطية السورية في مناطق سيطرتها.

وقال الباحث المتخصص بشؤون شرق الفرات في سوريا سامر الأحمد، إن الملفات التي يمكن لـ”قسد” تسليمها، هي ملفا النفط والحدود (بما تتضمنه من معابر حدودية رسمية)، فهي ملفات سيادية وحكومة دمشق تطالب بتسليمها عاجلًا.

ويتفق ذلك مع مطالب تركيا، التي تعتبر “قسد” منظمة “إرهابية”، ولوحت مرارًا بأعمال عسكرية لإبعادها عن حدودها، وشنت فعليًا عمليتين عسكريتين هما “غصن الزيتون” في عفرين بريف حلب في آذار، و”نبع السلام” في تشرين الأول 2019 بشرق الفرات.

وتوقفت “نبع السلام” إثر اتفاق تركي- أمريكي، وآخر تركي- روسي، قضى بإبعاد “قسد” عن الحدود بعمق نحو 30 كيلومترًا.

وأشار الباحث سامر الأحمد إلى أن من الممكن أن نشهد انتشار قوات حكومة دمشق بعمق بين 20 و30 كيلومترًا على الحدود، وهو ما سيؤدي إلى حرمان “قسد” من حاضنتها الأساسية في المناطق الحدودية، وستصبح بوضع محرج.

فيما يرى الباحث بدر ملا رشيد، أن الملفات التي يمكن لـ”قسد” أن تبدأ بتسليمها لحكومة دمشق في حال صعدت الأخيرة ضدها، هي الدوائر الرسمية وتسهيل إعادة افتتاحها، والانتقال لاحقًا إلى موضوع المعابر والحدود.

معبر “سيمالكا” النشط حاليًا مع إقليم كردستان العراق، يمكن أن يكون ضمن إدارة تشاركية في المرحلة الانتقالية وصولًا إلى كيفية إدارة السجون والمخيمات وهي إحدى الحلقات قبل الأخيرة.

وفق سامر الأحمد، تحاول “قسد” التخلي عن مسؤولياتها الخدمية المتعلقة بالتعليم والصحة وغيرهما من خلال مطالبة حكومة دمشق بأن تتحمل مسؤولية ذلك من خلال دعم مؤسسات “الإدارة الذاتية” أو ضمها لحكومة دمشق، والإبقاء على موظفيها وإداراتها.

لكن حكومة دمشق رفضت هذا الطرح، وعرضت أن تضم هذه المؤسسات مع إعادة تقييمها.

وقال الأحمد، إن “الأيام المقبلة ستكشف عن مزيد من تنازلات (قسد)، بسبب الضغط الإقليمي والدولي الواضح عليها”.

كما أن ملف السجون الذي تماطل فيه “قسد”، يتم بحثه بين حكومة دمشق والتحالف، وهناك طرح أن تُسلم إدارتها لـ”جيش سوريا الجديد” المدعوم أيضًا من التحالف.

وطرحت حكومة دمشق نقل السجناء من مناطق سيطرة “قسد” وتأمينهم مع تقديم ضمانات، بحسب الباحث، لكن الموضوع يحتاج إلى أسابيع وربما أشهر، حتى حل الملف وفق الطروحات الموجودة أو طروحات أخرى.

فقدان ورقة المخيمات

الباحث المتخصص في شؤون شرق الفرات سامر الأحمد، أوضح أن توقف الدعم الكامل عن مخيمات شمال شرقي سوريا، سيدفع “الإدارة الذاتية” إلى تفريغها، وهو ما حدث بالفعل خلال الأيام الماضية، بخروج دفعات عراقيين وسوريين.

وأضاف الأحمد، لعنب بلدي، أن إفراغ المخيمات يعني خسارة “قسد” ورقة مهمة كانت “تتاجر بها وتستغلها” إلى جانب ورقة معتقلي تنظيم “الدولة” في الضغط والدعم الدولي حتى تحافظ على بقائها.

“نهاية المخيمات وحل مشكلة معتقلات التنظيم سينهي الحاجة الفعلية لوجود (قسد)”، وفق الأحمد، باعتبار أنه توجد دولة جديدة تتسلم مهام السجون ومكافحة “الإرهاب”، وهو ما يولد ضغطًا دوليًا من أجل الاتفاق السريع وتقديم “قسد” مزيدًا من التنازلات للإدارة في دمشق.

لا عمل عسكريًا حاليًا

استبعد محللون في حديثهم لعنب بلدي شن حكومة دمشق عملًا عسكريًا ضد “قسد” خلال المرحلة الحالية.

الباحث بدر ملا رشيد يرى أن الحديث عن عمل عسكري ضد “قسد” يجب أن يؤخذ في سياق الوضع الأمني والإقليمي والدولي المحيط بسوريا، ولا يمكن اعتبار هذا العمل مجرد صراع بين حكومة دمشق و”قسد”، بل هو مرتبط بتوازنات إقليمية ومحلية.

حاليًا، لا يبدو أن العمل العسكري مطروح، إذ تدرك جميع الأطراف عواقب مثل هذه العمليات، وفق ملا رشيد.

وأرجع سامر الأحمد ذلك إلى وجود تقدم بالمفاوضات بين الطرفين، مشيرًا إلى إمكانية شن تركيا عمليات عسكرية محدودة مع استمرار اشتباكات سد “تشرين” شرقي منبج.

وما زالت “قسد” تتحدث عن تصديها لهجمات يومية وخوض مقاتليها اشتباكات ضمن محور سد “تشرين”، في حين لا تنشر الفصائل العسكرية التي أطلقت عملية “فجر الحرية، أواخر تشرين الثاني 2024، أي تفاصيل حول الاشتباكات في هذا المحور.

وفي حال شن حكومة دمشق عملية عسكرية ضد “قسد”، يبدو أن التحالف لن يساندها، و”قسد” على معرفة بذلك لكنها تناور للحصول على بعض المكتسبات، وفق الأحمد.

وتمتلك “قسد” قوات عسكرية دربها التحالف الدولي على مدار سنوات، إلى جانب قوات أمن داخلي، ومجموعات عسكرية أخرى، وعماد هذه التشكيلات هي “وحدات حماية الشعب” الكردية، التي تعتبرها “قسد” حجر الأساس في أي معارك مستقبلية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة