"رأيت وطني يعود لأهله"..

سوريون يعودون بعد عقود

رجل يسير أمام ملجأ كان يستخدمه السكان لحماية أنفسهم من الهجمات في دوما بعد الإطاحة بالأسد - 14 كانون الأول 2024 (رويترز/ يمام الشعار)

camera iconرجل يسير أمام ملجأ كان يستخدمه السكان لحماية أنفسهم من الهجمات في دوما بعد الإطاحة بالأسد - 14 كانون الأول 2024 (رويترز/ يمام الشعار)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – بانة منلا

لم تبدأ رحلة السوريين باللجوء خارج سوريا مع اندلاع الثورة عام 2011، بل منذ عقود واجهوا فيها نظامًا قمعيًا أجبرهم على ذلك، تحت تهديدات القتل أو الاعتقال.

اختار بعض السوريين المنفى لعقود خيارًا وحيدًا للنجاة، إذ اضطروا لمغادرة وطنهم بسبب الظروف التي فرضتها عليهم الأوضاع السياسية والأمنية.

وفي وقت كانت فيه العودة إلى سوريا مجرد حلم بعيد المنال، أتاحت التغييرات التي شهدتها البلاد، وسقوط النظام السوري، عودة بعض ممن عاشوا عقودًا من الاغتراب ليواجهوا سوريا مختلفة عن تلك التي غادروها.

الباحث والسياسي رضوان زيادة، هو واحد من الأشخاص المنفيين من بلدهم منذ زمن، وعاد إلى سوريا بعد عقود.

“لم يكن لدي خيار آخر”، بهذه الكلمات لخّص رضوان زيادة، لعنب بلدي، قرار مغادرته سوريا عام 2007.

الهجرة والابتعاد عن الوطن

كانت التهديدات الأمنية التي تلقاها زيادة من رئيس جهاز “أمن الدولة”، علي مملوك، آنذاك، نتيجة نشاطه السياسي، هي ما دفعته لمغادرة سوريا.

زيادة كان يعلم أن بقاءه يعني الاعتقال، فاختار المنفى طوعًا بحثًا عن الأمان.

في تلك الفترة، لم تكن العودة إلى سوريا واردة في ذهنه، خاصة بعد عام 2020، لكن مع سقوط النظام، شعر أن “حلم السوريين بالحرية تحقق أخيرًا”، ما دفعه للعودة إلى وطنه الذي تغير بشكل جذري.

أما رحلة المهندس غسان الشقيقي فقد بدأت مع المنفى في أوائل عام 1980، حين اضطر إلى مغادرة سوريا تحت ضغط الاعتقال بعد أن أمضى عامًا في السجن عام 1978، بسبب اتهامه بالانضمام إلى تنظيمات مسلحة معارضة للنظام.

وبعد إطلاق سراحه، واجه خيارين، إما حمل السلاح وإما مغادرة البلاد، فاختار المنفى، لكن قلبه ظل معلقًا بسوريا، مؤمنًا بأن “الحق سيأتي حتى لو بعد حين”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

تجربة العودة

عند عودته، وصف رضوان زيادة، وهو من أبناء داريا في ريف دمشق، سوريا بأنها “دولة منهكة، مؤسسات بالكاد تعمل، لكن الناس لديهم رغبة قوية في النهوض من جديد”.

وأضاف أن سنوات حكم الأسد لم تشهد أي استثمار حقيقي في الإنسان أو الاقتصاد، ما جعل البلاد تبدو متعبة، لكن القدرة على النهوض ما زالت موجودة إذا توفرت الجهود اللازمة.

أما غسان الشقيقي، فكانت صدمته عند العودة كبيرة، إذ وجد “دمارًا هائلًا وبنية تحتية منهارة”، وهو الذي كان يتذكر سوريا القديمة كمنارة للنهضة والتقدم.

ومع ذلك، لاحظ شيئًا مختلفًا في وجوه الناس، فـ”رغم كل شيء، الناس مبتسمون، ولمحة الفرح على وجوههم، والآمال كبيرة”.

وروى المهندس حمدي الشقيقي تجربته لعنب بلدي، التي بدأت عام 2005، بعد أن اضطر لمغادرة سوريا نتيجة تداعيات الأحداث التي وقعت في عام 1982، في حماة، والملاحقات الأمنية لعائلته بعد ذلك.

كان والد حمدي من بين الضحايا في أحداث مجزرة حماة، ما جعل العائلة مُلاحَقة من قبل الأجهزة الأمنية، ما دفعها لمغادرة البلاد بحثًا عن الأمان.

ورغم معاناته الطويلة في الغربة، ظل حمدي مؤمنًا بمستقبل سوريا، معبرًا عن أمله في “انتصار ثورة الشعب السوري”، رغم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للبلاد.

وبعد أكثر من عقدين من الزمن في الخارج، عاد حمدي مع عدد كبير من السوريين إلى سوريا التي تبدو مختلفة عما كانت عليه.

ليلة سقوط الأسد.. حلم تحقق

تظل ليلة سقوط النظام المخلوع ذكرى محفورة في ذهن كل سوري كان يتمنى أن يعيش هذا اليوم.

وقال زيادة، “لقد كانت تلك الليلة حلمًا تحول إلى حقيقة، لم أنم طوال الليل وأنا أتابع الأخبار، وأخيرًا تأكدت من سقوط الأسد”.

هذه اللحظة كانت بمثابة استعادة الأمل في المستقبل بالنسبة له، ودفعت به للمضي قدمًا في قراره بالعودة إلى سوريا بعد سنوات من المنفى.

أما غسان الشقيقي، فقد اختصر شعوره في جملة واحدة، “رأيت وطني يعود لأهله”.

ورغم فرحته بسقوط النظام، يعترف أنه افتقد خلال سنوات المنفى الأمان الروحي، وهو بالنسبة له شعور لا يتحقق إلا بوجود الوطن. وأضاف، “يجب على كل إنسان أن يكون له أمان روحي، وهو الوطن”.

كما وصف حمدي الشقيقي تلك الليلة بأنها “عودة الحياة للجسد”، معتبرًا أن سقوط النظام لم يكن مجرد سقوط سياسي، بل لحظة استعادة السوريين لحياتهم وحريتهم بعد سنوات من الظلم.

عودة الحياة إلى سوريا

بعد عودتهم، يرى رضوان زيادة أن سوريا بحاجة إلى جهود من الجميع لإعادة بناء المؤسسات التي دمرتها الحرب، ويشير إلى أنه في ظل وجود رغبة حقيقية لدى الناس للنهوض مجددًا، من الممكن أن تُعَاد الحياة تدريجيًا إلى هذا البلد الذي عاش سنوات من الخراب.

وأوضح غسان الشقيقي أن السوريين العائدين يحملون معهم خبراتهم التي اكتسبوها خلال سنوات المنفى، ما قد يسهم في إعادة بناء البلاد، لكنه يؤكد أن سوريا بحاجة إلى استعادة شعورها بالعزة والكرامة، قائلًا، “شعوري تجاه سوريا دائمًا شعور عزيز وكريم”.

أما حمدي الشقيقي، فيؤمن بأن أمل السوريين في بناء بلدهم لا يزال حيًا، رغم التحديات الكبيرة، مشيرًا إلى أن التغيير لا يأتي بين عشية وضحاها، لكن عودة السوريين وأملهم في بناء سوريا جديدة تشكل خطوة كبيرة نحو المستقبل.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة