هل تنجح المحاولات السورية لضبط الحدود مع لبنان

  • 2025/02/16
  • 11:27 ص
الأمن العام السوري يحبط محاولة تهريب أسلحة على الحدود مع لبنان - 17 كانون الثاني 2025 (سانا)

الأمن العام السوري يحبط محاولة تهريب أسلحة على الحدود مع لبنان - 17 كانون الثاني 2025 (سانا)

عنب بلدي – محمود العبد الله

عقب تنفيذ عملية عسكرية وأمنية استهدفت عصابات تهريب موالية لـ”حزب الله” اللبناني غربي مدينة حمص، سيطرت “إدارة العمليات العسكرية” بالتعاون مع “إدارة الأمن العام” على قرى منطقة القصير المحاذية للشريط الحدودي مع لبنان بهدف ضبط الحدود أمنيًا وعسكريًا.

وقال باحثون في الشأن العسكري لعنب بلدي، إن السيطرة العسكرية التي فرضتها القوات السورية على المنطقة الحدودية مع لبنان، لا تعني انتهاء التحديات التي تعوق ضبط الحدود بشكل كامل.

وأشاروا إلى أن التحديات المتمثلة في الطبيعة الجغرافية الوعرة، ونفوذ “حزب الله”، والاعتماد الاقتصادي على التهريب، قد تتيح إعادة الانتشار للعصابات في المنطقة مجددًا، ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة سوريا على فرض رقابة دائمة وفعالة.

وقال قائد المنطقة الغربية في إدارة أمن الحدود، مؤيد السلامة، في تصريح لوكالة الأنباء السورية (سانا)، في 10 من شباط الحالي، إن قواته وضعت خطة متكاملة لضبط الحدود بشكل كامل، تراعي فيها التحديات الموجودة، وتسهم في حماية المدنيين من جميع الأخطار التي تستهدفهم.

هل تنجح؟

حول قدرة القوات السورية على ضبط الشريط الحدودي أمنيًا وعسكريًا، قال الباحث في مركز “جسور للدراسات” رشيد حوراني، إن القوات السورية قادرة على ضبط الحدود لطبيعة مهامها السابقة، واكتسابها الكثير من الخبرات العالية خلال سنوات الثورة، وهو ما يسمح لها بتنفيذ المهام في ظروف جغرافية وعسكرية متنوعة، بالإضافة إلى استخدام الطيران المسير في عملية الاستطلاع والذي يسهل لها المهمة.

وبالمقابل، يرى الباحث في الشأن العسكري نوار شعبان، أن الحل العسكري لوحده لا يمكن أن يوقف عمليات التهريب في المنطقة، بل يتطلب مزيجًا من الإجراءات الأمنية المشددة، والتنسيق مع الجانب اللبناني، وخلق بدائل اقتصادية تقلل من اعتماد السكان المحليين على التهريب كمصدر للدخل.

وأضاف أن الحاجة تبرز إلى تبني نهج شامل يعالج جذور الأزمة على حدود البلدين، عوضًا عن الاقتصار على الحلول العسكرية التقليدية.

وذكر أن إحدى أهم الركائز الأساسية لضبط الحدود هي التعاون الأمني الوثيق بين دمشق وبيروت، إذ يمكن للجان أمنية مشتركة تعزيز عمليات المراقبة وتبادل المعلومات الاستخباراتية حول شبكات التهريب.

ويجب أن تتكامل الإجراءات العسكرية مع استراتيجيات أكثر شمولية، تستهدف تفكيك هذه الشبكات تدريجيًا.

وتشمل هذه الاستراتيجيات جمع المعلومات الدقيقة عن قادة شبكات التهريب، وفرض ملاحقات قانونية صارمة تتضمن عقوبات رادعة، بالإضافة إلى التوعية المجتمعية بمخاطر التهريب وانعكاساته السلبية على الاقتصاد والأمن المحلي، بحسب ما ذكره الباحث شعبان.

تحديات تعوق العملية

يرى الباحث حوراني، أن من بين التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة في عملية ضبط الحدود الطبيعة الجغرافية الوعرة في المنطقة، خاصة مع معرفة عناصر “حزب الله” وعصابات التهريب بتضاريسها وطبيعتها بشكل جيد، إلا أن القوات السورية تغلبت على ذلك بالتقدم الحذر والمتدرج أو محاصرة مناطق ومنع التسلل إليها.

وقال الباحث شعبان، إن شبكات التهريب وخاصة في منطقة القصير قادرة على التكيف مع التغيرات الأمنية، عبر إيجاد مسارات بديلة واستخدام تقنيات أكثر تطورًا لتجنب الرقابة، وذلك بفضل موقعها الجغرافي.

وتعتبر المنطقة نقطة استراتيجية لا يمكن القضاء على أنشطة التهريب فيها بسهولة، حيث تتداخل العوامل الأمنية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية في تشكيل واقعها الحالي، واستمرار عمليات التهريب.

وجود موالين لـ”حزب الله” من السوريين في المنطقة، ممن تضررت مصالحهم من سقوط نظام الأسد وخروج “الحزب” من سوريا، ووجود مواطنين يحملون الجنسية اللبنانية، ويقطنون في القرى السورية، يشكل تحديًا ثانيًا أمام ضبط الشريط الحدودي مع لبنان، وفقًا للباحث شعبان.

وتواجه القوات السورية تحديًا آخر في حال عدم تمكن الجيش اللبناني من الاستمرار في الانتشار على الحدود، ما يسمح لـ”الحزب” بإعادة محاولاته من جديد، بحسب ما ذكره الباحث حوراني.

وفي 9 من شباط الحالي، أعلن الجيش اللبناني عن تعزيز قواته على الشريط الحدودي مع سوريا، من خلال تكثيف الدوريات العسكرية وإقامة نقاط مراقبة جديدة.

ويأتي هذا الإعلان، بعد إصدار أوامر للوحدات العسكرية المنتشرة على الحدود، بالرد على مصادر النيران التي تستهدف الأراضي اللبنانية من سوريا، عقب اندلاع اشتباكات في قرى منطقة القصير المحاذية للشريط الحدودي.

بالمقابل، نفى قائد المنطقة الغربية في إدارة أمن الحدود، مؤيد السلامة، قصف مواقع داخل لبنان، مشيرًا إلى أن الاشتباكات جرت مع عصابات التهريب المسلحة في كل من قرى حاويك، وجرماش، ووادي الحوراني، وأكوم السورية، في أثناء حملة تمشيط المنطقة لضبط الحدود الغربية للبلاد.

وقال الباحث شعبان، إن القوات السورية استخدمت أسلحة ثقيلة، من ضمنها المدفعية، والرشاشات الثقيلة، وطائرات “شاهين” المسيرة، لاستهداف مواقع المهربين في المناطق الجبلية المرتفعة، بهدف إغلاق المعابر غير الشرعية، وتعزيز نقاط المراقبة الحدودية.

مركز نفوذ ومحطة تهريب

تعتبر منطقة القصير مركزًا لنفوذ “حزب الله”، وخاصة بعد معركة القصير عام 2013، وتهجير أهالي القرى السنية من المنطقة بشكل قسري، وفقًا للباحث نوار شعبان.

وكانت معركة القصير هي الأولى التي تشهد تدخلًا واضحًا من مقاتلي “الحزب” إلى جانب قوات نظام الأسد في مواجهة فصائل الثورة.

وقال الباحث شعبان، إن المنطقة تحولت إلى شبكة معقدة من المسارات التي يديرها تجار ومهربون محليون، بدعم من جهات سياسية وعسكرية، مشيرًا إلى الدور المركزي الذي لعبه “حزب الله” اللبناني في تأمين طرق التهريب والإشراف عليها، مستفيدًا من عائداتها المالية في دعم أنشطته.

وذكر أن جغرافيتها الوعرة ساعدت على تنفيذ عمليات تهريب للمخدرات، والأسلحة، والمحروقات عبر الحدود، بالتزامن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا ولبنان.

وتعد مدينة القصير محطة رئيسة لإنتاج وتوزيع هذه المواد المخدرة، وهو ما أكدته عمليات ضبط مستودعات من قبل قوات الأمن السورية.

وبين الباحث أن أبرز الفاعلين في عمليات التهريب ينتمون إلى عائلات معروفة في المنطقة، مثل آل زعيتر، وآل جعفر، وآل دندش، وآل نون.

وأعلنت إدارة أمن الحدود عن ضبط عدد “كبير” من مزارع ومستودعات ومعامل صناعة وتعليب مواد الحشيش وحبوب “الكبتاجون”، بالإضافة إلى مطابع تختص بطباعة العملة المزورة، إثر العملية التي نفذتها في المنطقة.

كما ضبطت العديد من شحنات السلاح والمواد المخدرة في المناطق الحدودية، والتي كانت في طريقها للعبور إلى الجانب اللبناني.

سيناريوهات محتملة

رغم حالة الهدوء التي شهدتها المنطقة، وضبط العديد من مصانع المخدرات ومراكز التهريب، فإن التحديات تبقي مستقبل المنطقة أمام سيناريوهات ثلاثة تتباين بين التسوية الدبلوماسية والتصعيد العسكري واستمرار الوضع الراهن، وفقًا للباحث شعبان.

أول هذه السيناريوهات هو نجاح الوساطات المحلية في احتواء الأزمة عبر المفاوضات، ما يسمح للسلطات السورية بتعزيز سيطرتها في المنطقة مع تكثيف جهودها لضبط الحدود عبر آليات مشتركة بين الجيشين السوري واللبناني، ما يحد من عمليات التهريب، بالإضافة إلى توفير بدائل اقتصادية للسكان المحليين الذين يعتمدون على هذه الأنشطة كمصدر رئيس للدخل.

وقد يسهم هذا السيناريو، على المدى الطويل، في تحقيق استقرار نسبي، لكنه يظل هشًا نظرًا لاحتمالية بقاء بعض الشبكات غير النظامية ناشطة في مناطق متفرقة.

ويرى الباحث أن السيناريو الثاني يذهب باتجاه تفكيك جزئي لشبكات التهريب، نتيجة لاستمرار التصعيد العسكري.

وأشار إلى أن التصعيد سيخلق في المقابل حالة من عدم الاستقرار الأمني، خاصة إذا تدخل “حزب الله” بشكل مباشر لحماية مصالحه، وهو ما قد يوسع نطاق المواجهات ليشمل الداخل اللبناني، ما يزيد من تعقيد العلاقة بين الجيشين السوري واللبناني.

واعتبر الباحث أن تعقيد العلاقة بين الجانبين سيؤدي إلى تدخل جهات إقليمية ودولية لضبط الأوضاع، وينعكس سلبًا على المجتمعات الحدودية، ما يفاقم موجات النزوح وتراجع النشاط الاقتصادي.

وقد يستمر الوضع من دون حسم عسكري كامل أو تسوية سياسية شاملة، وتبقى عمليات التهريب مستمرة، لكن بأساليب أكثر تطورًا وسرية، وهو السيناريو الثالث بحسب ما ذكره الباحث شعبان.

ويرى الباحث أن إعادة تشكيل شبكات التهريب لتكيّف نفسها مع الظروف الأمنية الجديدة، ستؤدي إلى زيادة الضغط على السلطات السورية، التي ستكون مطالبة بتكثيف جهودها الأمنية لمنع تفاقم الفوضى، وتفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية للسكان المحليين، ما قد يرفع معدلات الفقر والبطالة، ويدفع القوى الدولية إلى فرض سياسات أو عقوبات تستهدف الجهات المتورطة في التهريب، ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي في المنطقة.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا