جريدة عنب بلدي – العدد 56 – الأحد – 17-3-2013
عتيق – حمص
يؤثر عن الفيزيائي الألماني ألبرت آينشتاين قوله: أن حل أي مشكلة لا يكون بذات العقلية السائدة عند بدأها، بعبارة أخرى فإنه لا يمكن مواجهة التحديات المعاصرة بحلول تقليدية، وأنه لا بد من الإبداع والابتكار لتحقيق ذلك.
بيد أن الثقافة العربية المنتشرة منذ قرون وإلى اليوم تمجد التقليد وتحث عليه (يلي بتعرفو أحسن من يلي بتتعرف عليه)، ويمكن بسهولة أن نلاحظ توقف حركة التأليف الابتكاري بشكل شبه كلي، واقتصار ما أنتج منذ عهد بعيد على شرح المتون، وشرح الشرح، وتفصيل المشروح، أما حركة الترجمة فهي مهتمة إجمالًا بترجمة الروايات، والنظريات الفلسفية الغابرة، وإدمان ما يعرف بتنمية الذات، كما تقتصر معارفنا الفقهية على مذاهب أربع رئيسة، لكن يبدو أن العقل المسلم تحجّر بعدها وما عاد قادرًا على ابتكار جديد في هذا المجال رغم المتطلبات والحاجات.
وما يصح هنا يصح في كل مجال آخر، فيمكن النظر إلى ما يقال ويكرر هذه الأيام عند الحديث عن الحلول التي يمكن بها معالجة الدمار الواسع في البنى التحتيّة والفوقيّة، إذ عادة ما يتمحور الحديث عن شركات إعادة الإعمار التي ستفعل كل شيء، بينما نحن نشاهد ونصفق، إنها ذات الثقافة السلبية المقلدة التي تنتظر المهدي ليخلصها مما هي فيه، رغم ما تعنيه هذه الشركات من مديونيات هائلة، وامتيازات خاصة، وتكاليف عالية.
لم نسمع مثلًا من يتحدث بشكل جديّ عن هذا الدمار، كفرصة، لإعادة بناء سوريا وفق مفهوم البناء الأخضر، وهو نمط بدأ بالظهور والانتشار مؤخرًا كنوع من الحلول للحد من الآثار البيئة المدمرة الناتجة عن انتاج واستخدام مواد البناء التقليدية، وهروبًا من التكاليف الباهظة، والوقت المستغرق، للحصول في النهاية على قطعة من بيوت الكبريت التي لم نساهم بصنعها ولا إنتاجها ولا طاقة لنا حتى على صنع المواد الخام لها، كما يستهدف هذا النوع من البناء الى تحويل كل منزل ليكون محطة صغيرة في انتاج الطاقة التي يحتاجها من المصادر المتجددة.
إن موادًا مثل الطين، الصخور، الحجارة، متوافرة في الطبيعة بكميات كبيرة، ويمكن تجديدها بسهولة، كما أن تكلفتها بسيطة، وتعطي إمكانيات بناء هندسية مدهشة، خاصة إذا ما عولجت بأساليب ذكية، عندها يمكن تحقيق كامل الشروط الهندسية للبناء.
إننا قادرون على مفاجئة أنفسنا بحلول ذكية، لا نعتمد بها على الآخرين بالصورة التي ستمليها الشركات الضخمة العابرة للقارات، لكن قبل ذلك، يجب أن نوجه معاول الهدم، إلى هذه الثقافة البائدة، التي أنتجت السلبية والاتكال والتقليد والخرافة مما نراه اليوم ومنذ قرون، ثم سيكون بإمكاننا بناء مجتمعات قوية وحل التحديات بذكاء وقوة.