كشف الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عن جوانب جديدة في حياته الخاصة، سواء على الصعيد العائلي، أو خلال سجنه في العراق، أو مشاركته كمقاتل في معارك سابقة، وصولًا إلى تسلمه مهام الرئاسة في سوريا.
جاء ذلك خلال مقابلة الشرع في “البودكاست” السياسي البريطاني “The Rest Is Politics” مع الصحفي والسياسي البريطاني أليستر كامبل، وبثت المقابلة صباح اليوم، الاثنين 10 من شباط.
لدي زوجة فقط وثلاثة أطفال
البرنامج حاول الخوض في تفاصيل حياة الشرع الخاصة، إذ سأله المذيع عن عائلته، ليجيب، “لدي زوجة واحدة، رغم أن الإعلام يشيع غير ذلك”.
وأضاف الشرع، “لدي ثلاثة أطفال. عشنا معًا في ظل ظروف صعبة، لكني حرصت على حمايتهم من أي مخاطر محتملة. قبل دخولنا إلى دمشق، كنت حريصًا على إبقاء معلوماتهم سرية بسبب الوضع الأمني الصعب. كانت الحرب لا تزال مستمرة، وكان من الضروري اتخاذ أقصى درجات الحذر لحماية عائلتي”.
وظهرت زوجة أحمد الشرع بجانبه خلال أداء مناسك العمرة خلال زيارته إلى السعودية مطلع الشهر الحالي، وكان ذلك أول ظهور علني لها معه، واسمها لطيفة الدروبي، وتنحدر من مدينة القريتين في حمص، ثم لأول مرة رسميًا في زيارته إلى أنقرة، حيث التقت بزوجة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وحول خصوصية عائلته قال الشرع، “في المنصب الذي أشغله اليوم، سيكون لعائلتي حضور طبيعي في المشهد العام. لا أقصد أنهم سيشاركون في العمل السياسي، ولكن للناس الحق في معرفة من هي عائلتي، ومن هم أطفالي، وكيف نعيش. متطلبات الرئاسة في سوريا اليوم تختلف تمامًا عن إدارة إدلب، وأعتقد أن هذا جزء من الدور الذي يجب أن أتحمله”.
وأشار الرئيس السوري إلى أنه عائلته تنحدر في الأصل من الجولان المحتل، مضيفًا، “وُلدت في المملكة العربية السعودية، وعشت في دمشق، ثم ذهبت إلى العراق، ثم عدت أخيرًا إلى سوريا من أجل الثورة السورية، لذا مرّت حياتي بمراحل عديدة، وخلال هذه الرحلة، تعرّفت إلى العديد من الأفكار”.
وتابع، “في طفولتي، كنت كأي طفل آخر، نشأت في حي ميسور الحال، من الطبقة المتوسطة أو فوق المتوسطة. درست المرحلة الابتدائية في دمشق، ثم المرحلة الإعدادية والثانوية. بعد ذلك، في السنة الأولى من دراستي الجامعية، اندلعت الحرب في العراق، وشعرت أن علي الذهاب إلى هناك”.
ولفت إلى أنه ينتمي إلى عائلة ذات خلفية سياسية، حيث كان والده لاجئًا سياسيًا في العراق، وكتب عن القضايا السياسية في الصحف السعودية والسورية، مضيفًا، “كنا نتحدث عن السياسة في منزلنا”.
السجن في العراق
الصحفي البريطاني أليستر كامبل سأل الرئيس أحمد الشرع عن حياته في أحد السجون العراقية التي بقي فيها لخمس سنوات، وكيف أثرت تلك التجربة في حياته.
وقال الشرع إنه وقع أسيرًا في العراق في وقت مبكر، وتم إرساله إلى سجن “أبو غريب” الشهير، حيث كان الناس يُعذبون، ثم نقل إلى سجن “بوكا”، وبعد ذلك إلى سجن “كوبر” في بغداد، وأخيرًا إلى سجن “التاجي” قبل أن يتم الإفراج عنه.
وتابع، “خلال هذه الجولة في السجون، تعرّفت إلى العديد من الأشخاص، وأصبحت أكثر نضجًا سياسيًا، ورأيت أن هناك فرقًا كبيرًا بين ما كنتُ أؤمن به وبين بعض الأفكار التي كنت أسمعها من سجناء آخرين، والتي كانت صادمة لي، ولا سيما فيما يتعلق بالصراع الطائفي الذي كان مشتعلًا في العراق”.
مقدم “البودكاست” قال للشرع، “من الغريب بالنسبة لي أن أجلس معك الآن لأننا كنا معًا في العراق عام 2003، ولكن على طرفين مختلفين، حيث كنت أنا (المذيع) جزءًا من الجيش الأمريكي البريطاني، بينما كنت أنت (الشرع)، تقاتل في صفوف تنظيم (القاعدة) ضد أمريكا. لم أكن أتخيل أبدًا أنني سأجلس معك بهذه الطريقة”، متسائلًا، “كيف تنظر إلى هذه التجربة بعد كل هذه السنوات؟”.
الشرع رفض الإجابة عن هذا السؤال حيث قال إنه يحتاج إلى إجابة طويلة جدًا، ربما تتطلب عشر حلقات مثل هذه، وأضاف، “أنا مستعد تمامًا لمناقشة هذا الموضوع، لكن في ظل موقعي الحالي، فإن تقديم إجابة مختصرة عن مثل هذا السؤال الكبير سيعرض سوريا لانتقادات كثيرة، ولا أريد أن أضع سوريا في هذا الموقف الآن”.
حياة سرية لـ20 عامًا
الصحفي كامبل سأل أحمد الشرع حول التأثير النفسي لعيش حياة سرية لمدة 20 عامًا، حيث قال له، “ماذا يعني ذلك لعقلك، لجسدك، لروحك أن تعيش حياة سرية لمدة 20 عامًا؟”.
وحول هذا الموضوع قال الرئيس السوري، إن حياته لم تكن سرية بمعنى أن تكون مخفية وغير مرئية طوال الوقت، بل كان لديه الكثير من الأعمال المتعلقة بالاجتماعات اليومية طوال اليوم، إلى جانب الوقت المخصص للعلاقات العامة.
وأشار الشرع إلى أنه لم يكن يختبئ بالطريقة التي قد يتصورها البعض، إلا في بعض الحالات التي تتعلق بالمعارك أو الحرب، والتي كانت تتطلب الحذر، “لذا لم أكن أعيش حياة معزولة عن الناس إطلاقًا. كنت أعيش بينهم بينما أبقي بعض الأمور سرية”.
وأضاف، “الآن، في موقعي الجديد، لا أمانع في مشاركة تفاصيل حياتي مع الجميع لأن ظروف العمل التي كنا نواجهها سابقًا قد تغيرت تمامًا، ونحن اليوم في مرحلة جديدة”.
وحول حياته السرية طُرح سؤال آخر على الشرع مفاده، “عندما كنتُ سياسيًا، وجدتُ صعوبة في الانتقال من الخطاب النظري إلى خطاب أكثر انفتاحًا مع الجمهور، خاصة في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك. هل من الصعب عليك الانتقال من العمل في منظمة سرية إلى ضرورة مشاركة جزء من شخصيتك مع الناس؟”.
تعليقًا على ذلك قال الرئيس الشرع، “كل مرحلة لها ظروفها. ففي إدلب كنت أتعامل مع الناس بشكل علني وأدير شؤونهم، وألتقي بمختلف فئات المجتمع. كنت سياسيًا هناك أيضًا، ولكن ليس بنفس الدرجة التي أنا عليها الآن في دمشق. وكما تعلم، يختلف الخطاب في زمن الحرب عنه في زمن السلم، حسب الظروف وما هو مطلوب من الناس في كل مرحلة”.
المكافأة الأمريكية لقتلي لم تقلقني
وحول مخاوفه من تخصيص الولايات المتحدة الأمريكية مكافأة قدرها عشرة ملايين دولار لمن يعطي معلومات عنه خلال قيادته “هيئة تحرير الشام” في إدلب قال الشرع، إن ذلك الأمر لم يكن يُسبّب له أي مخاوف، حيث كان يلتقي مع وفود من الخارج وكانت له العديد من التفاعلات مع الصحفيين.
وأضاف الشرع، “كان لدي كذلك اجتماعات منتظمة مع الجامعات والأساتذة والوزارات المختلفة. كنت ملتزمًا بخدمة الناس، والدفاع عنهم، وبناء المؤسسات، والعمل نحو اختراق دمشق لإسقاط هذا النظام وتحرير الشعب السوري، أثناء أداء مهامي، لم أولِ تلك المكافأة الكثير من الاهتمام. لم أكن أعتقد أن أحدًا سيسعى لهذه المكافأة لقاء قتل شخص كان مخلصًا في خدمة الناس”.
وأوقفت الولايات المتحدة الأمريكية رصد مكافأة مالية لمن يدلي عن معلومات حول أحمد الشرع، الذي كان معروفًا حينها باسم “أبو محمد الجولاني”.
مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، وبعد لقائها الشرع في دمشق، في 20 من كانون الأول 2024، قالت في مؤتمر صحفي افتراضي حضرته عنب بلدي، إن الوفد الأمريكي أخبر الشرع أن واشنطن لن تواصل رصد مكافآت للقبض عليه.
وكانت وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت في تشرين الثاني 2020، عن مكافأة مالية تصل إلى عشرة ملايين دولار أمريكي مقابل الحصول على معلومات تتعلق بأحمد الشرع.
هل أنت مهووس بالسيطرة؟
كما وجه الصحفي البريطاني أليستر كامبل سؤالًا آخر للشرع، حيث قال له، “يصفك البعض بأنك مهووس بالسيطرة. هل توافق على هذا الوصف؟ وهل تعتقد أن موقعك يفرض عليك أن تكون متحكمًا في كل شيء؟
وتعليقًا على ذلك قال الشرع، “لا يمكن للإنسان أن يقيّم نفسه بنفسه. من الأفضل ترك الحكم للآخرين. أنا أحب أن يتم إنجاز العمل بإتقان، وأن يكون كل شخص على دراية بمسؤوليته. الأمر لا يتعلق بالسيطرة، بل بمسؤولية القيادة”.
وأضاف الشرع، “لو لم يكن هناك انضباط واحترام للقرارات، لكانت هناك فوضى عارمة تهدد السلم الوطني. عندما كنا نتقدم نحو دمشق عبر حلب وحماة وحمص، كنا نواجه مجتمعًا منقسمًا بسبب سياسات النظام. لو لم يكن هناك تنظيم وسيطرة على القوات، لكانت هناك تجاوزات قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار”.
وفي سؤال آخر، قال الصحفي كامبل، “هل كنت دائمًا ترغب في أن تكون رئيسًا؟ حتى عندما كنت مقاتلًا، هل كنت تفكر أن هذا جزء من السياسة؟”.
الشرع أجاب بالقول، “من يمر بتجربة مثل تجربتنا لا يهتم كثيرًا بالمناصب التي يحصل عليها. نحن نعيش في زمن يصنع فيه القائد المنصب. وليس المنصب هو الذي يصنع القائد. واجهنا تحديات كبيرة، وكنا بحاجة إلى مستوى عالٍ من النزاهة الأخلاقية للوصول إلى ما نحن عليه اليوم. السعي نحو الرئاسة كهدف نهائي هو عقلية خاطئة. نحن نركز على خدمة الناس بغض النظر عن المنصب الذي نشغله”.
“هل ما زلت تعتبر نفسك ثوريًا؟”
الصحفي البريطاني وجه سؤالًا للشرع مفاده، “هل ما زلت تعتبر نفسك ثوريًا؟”، حيث أجاب قائلًا، “أعتقد أن العقلية الثورية لا تستطيع بناء دولة. نحتاج إلى عقلية مختلفة عندما يتعلق الأمر ببناء دولة وإدارة مجتمع كامل. بالنسبة لي، انتهت الثورة بالمعنى السابق بإسقاط النظام”.
وأضاف الرئيس السوري، “الآن انتقلنا إلى مرحلة جديدة، تتعلق بإعادة بناء الدولة، والتنمية الاقتصادية، والسعي نحو الاستقرار والأمن الإقليمي، وطمأنة الدول المجاورة، وإقامة علاقات استراتيجية بين سوريا والدول الغربية والدول الإقليمية”.
وتابع الشرع قائلًا، “لقد كنتُ مقاتلًا، لكن ليس لأنني رغبتُ في القتال. واليوم أنا رئيس، ولكن ليس لأنني رغبتُ في أن أكون رئيسًا، عندما كنت مقاتلًا، كنت حريصًا جدًا على التأكد من أن المدنيين لم يتعرضوا للأذى في معاركنا، لا أزعم أنني خالٍ من الأخطاء، على العكس تمامًا. ارتكبنا بعض الأخطاء، ولكنها لم تصل إلى حد إيذاء المدنيين”.
كان الشرع قال في لقاء مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، في 20 من كانون الأول 2024، “نحن اليوم في مرحلة بناء الدولة. الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام ولن نسمح بتصديرها إلى أي مكان آخر، ولن تكون سوريا منصة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية مهما كان”.
رؤية الشرع لمستقبل سوريا
مقدم “البودكاست” البريطاني سأل الشرع، أن الكثيرين يريدون معرفة متى سيُعقد مؤتمر الحوار الوطني، ومتى يمكنهم الحصول على ضمانات بشأن الدستور، ومتى يمكنهم أن يأملوا في رؤية الانتخابات؟
ويرى الشرع أن سوريا تمر بمراحل عديدة، وأن الأولوية كانت لتثبيت الحكومة لمنع انهيار مؤسسات الدولة، “كان لدينا حكومة إدلب جاهزة لتولي المسؤولية بمجرد السيطرة على دمشق. منحنا ثلاثة أشهر لهذا الهدف، ثم سننتقل إلى المرحلة التالية التي تشمل إعلانًا دستوريًا، ومؤتمرًا وطنيًا، واختيار الرئيس”.
وأضاف الشرع، “قمنا بتعيين الرئيس وفق الأعراف الدولية بعد التشاور مع خبراء دستوريين. القوات المنتصرة عينت الرئيس، وألغت الدستور السابق، وحلّت البرلمان القديم. الآن سننتقل إلى الحوار الوطني، الذي سيشمل طيفًا واسعًا من المجتمع، وسيؤدي إلى توصيات تمهّد لإعلان دستور جديد، كما سيتم تشكيل برلمان مؤقت، وسيتولى هذا البرلمان تشكيل لجنة دستورية لصياغة الدستور الجديد”.
وحول العقوبات المفروضة على سوريا قال الشرع، إنه تم فرض العقوبات على النظام السابق بسبب جرائمه، مثل المجازر الجماعية، ولكن بعد سقوط النظام وتفكيكه، لم يعد هناك مبرر لهذه العقوبات، “لذا يجب رفعها فورًا”.
وختم أحمد الشرع حديثه بالقول، “ورثنا دولة مدمرة تمامًا بسبب النظام السابق. لكن هذا هو التحدي الذي يجب أن نواجهه كسوريين. علينا أن نعيد بناء بلدنا. صحيح أن هناك صعوبات، لكن لا شيء مستحيل. بالإرادة والعمل الجاد، يمكننا النهوض بسوريا وجعلها قصة نجاح إقليمية وعالمية”.