عبر طرق "التهريب"

نازحون في رأس العين يخاطرون للعودة إلى مناطقهم

يسلك الأشخاص طرقًا خطرة للعبور من رأس العين إلى الداخل السوري - 8 شباط 2025 (عنب بلدي)

camera iconيسلك الأشخاص طرقًا خطرة للعبور من رأس العين إلى الداخل السوري - 8 شباط 2025 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

بعد سقوط النظام السوري السابق، في 8 من كانون الأول 2024، يغادر يوميًا عشرات العائلات من رأس العين شمال غربي الحسكة إلى مدنهم وبلداتهم التي هُجّروا منها، عبر طرق غير نظامية (تهريب) رغم خطورتها. 

تعتبر الطرق التي يسلكونها غير آمنة، لكنها الخيار الوحيد، بسبب ضيق المنطقة جغرافيًا، ولأنها منطقة “تماس” مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الجناح العسكري لـ”الإدارة الذاتية”، ولعدم وجود أي معابر رسمية تربط رأس العين ببقية مناطق سوريا.

يواجه العابرون تهديدات الاستهداف المباشر أو الاعتقال من قبل “قسد” أو الخطف من قبل عصابات وقاطعي طرق، ما يجعل الرحلة مليئة بالمخاطر، التي قد تصل إلى الموت.

“تهريب” بالدولار

يتجهز مازن الكريم (45 عامًا) من بلدة الضمير بريف دمشق لمغادرة رأس العين بعد دخوله إليها ضمن عملية “نبع السلام” العسكرية التي أطلقها “الجيش الوطني السوري” بدعم تركي عام 2019.

بعد عجزه عن إيجاد طريق آمن أو رسمي، وجد مازن “مهربًا” طلب منه مبلغ 750 دولارًا (7.5 مليون ليرة سورية)، لإيصاله هو وزوجته وأطفاله الأربعة إلى مدينة دير الزور التي تسيطر عليها قوات حكومة دمشق المؤقتة، ومن ثم يكملون طريقهم إلى العاصمة.

قال لعنب بلدي، إنه ليس الوحيد الذي سيغادر، بل معه حوالي 15 شخصًا آخرين، جميعهم يسعون للعودة إلى عائلاتهم ومنازلهم في الداخل السوري.

وكذلك، تستعد زينب سامي (44 عامًا) وبناتها الأربع للعودة إلى مدينة حمص منذ أكثر من شهر، وذلك بعد وفاة زوجها بمرض السرطان في رأس العين.

ورغم دمار منزلها بشكل كامل في حي الخالدية، فإن زينب تصر على العودة لأن أقاربها موجودون في حمص، إضافة إلى قسم من إخوتها.

محاولة العودة لم تكن سهلة عليها، حيث تم القبض عليها ثلاث مرات من قبل “قسد”، وسُجنت هي وبناتها لمدة 15 يومًا، ثم أُعيدت إلى طريق “M4” الدولي.

وذكرت أنها حاليًا قد وجدت “مهربًا” وعدها بأنه سيوصلها عبر الطرق الترابية باستخدام سيارات خاصة إلى حمص، بتكلفة 240 دولارًا للشخص.

أما منار السليم، فتنتظر من المهرب أن يخبرها بجاهزية الطريق من أجل عودتها مع أطفالها الثلاثة إلى مدينة حلب، وذلك بعد عودة زوجها لتجهيز المنزل، ثم يلتحقون به.

قالت منار لعنب بلدي، إن “المهرب” وعدها بالعبور أكثر من ست مرات، لكن فشل الأمر وعادت إلى رأس العين، وذلك بسبب وجود دوريات وحواجز منتشرة لـ”قسد” حتى في الطرق الريفية.

وبعد فشل محاولاتها المتكررة، لجأت منار إلى “مهرب” آخر عرض عليها إيصالها إلى مدينة حلب مقابل 300 دولار أمريكي، وقبلت بذلك.

وفقًا لإحصائية حصلت عليها عنب بلدي من مخاتير عدة أحياء في رأس العين، يقدر عدد العائدين من المدينة إلى مدنهم وقراهم في الداخل السوري بعد عملية “ردع العدوان” بنحو 340 شخصًا، بينهم أطفال وأفراد عملوا مع “الجيش الوطني”.

خطوط التماس في مدينة رأس العين التي تفصلها عن مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" - 10 من أيلول 2024 (عنب بلدي)

خطوط التماس في مدينة رأس العين التي تفصلها عن مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” – 10 أيلول 2024 (عنب بلدي)

طرق خطرة.. عرضة للخطف

تعد الطرق التي يسلكها العائدون عبر التهريب وعرة وخطرة حيث يضطرون أحيانًا للسير مسافة تصل إلى ثمانية كيلومترات للوصول إلى نقطة العبور بعد “M4” الدولي.

وتزداد صعوبة الرحلة بسبب وعورة الطرق الترابية، ما يجعل الأشخاص عرضة للخطف في المناطق المهجورة والطرق المقطوعة.

ورصدت عنب بلدي أكثر من 39 حالة اختفاء وانقطاع تواصل لأشخاص حاولوا العبور من مناطق سيطرة “الجيش الوطني” إلى مناطق سيطرة “قسد”، وذلك خلال الفترة من 20 كانون الأول 2024 حتى 25 كانون الثاني الماضي. 

وجرت معظم حالات الاختفاء في محافظتي الرقة والحسكة، اللتين تعدان نقطتي عبور رئيستين للعائدين إلى مناطقهم.

نحو 25 شخصًا يوميًا

أحد المهربين بين رأس العين والحسكة والرقة، قال لعنب بلدي، إن الطلب على رحلات “التهريب” إلى الداخل السوري ارتفع بنسبة 300% مقارنة بالفترات السابقة.

وأوضح أن العدد اليومي للعابرين لم يكن يتجاوز 6 أشخاص قبل سقوط النظام السوري السابق، وكانوا يسافرون بهدف العلاج أو التعليم إلى الحسكة أو الرقة.

وأضاف “المهرب” أن العدد اليومي للعابرين قد وصل إلى 20 و25 شخصًا، وذلك بسبب رغبة الأهالي في العودة إلى قراهم ومنازلهم في الداخل السوري.

وأشار إلى أن الوضع الحالي للطرق أصبح خطرًا للغاية، خاصة في ظل قيام “قسد” باعتقال أي شخص يثبت ارتباطه بـ”الجيش الوطني”، حيث يتم اقتياده إلى وجهة غير معلومة.

وذكر أن الطريق الأكثر أمانًا حاليًا هو عبر الرقة، نظرًا لما تشهده الحسكة من تشديد أمني أكبر من قبل “قسد”، ويتم التنقل عبر سيارات أو دراجات نارية على طرق ترابية، ما يساعد على تجنب الحواجز العسكرية وينقل العابرين إلى المناطق المتفق عليها.

أما بالنسبة للتكلفة، فهي تتراوح بين 200 و700 دولار أمريكي على الشخص، حسب الطريق وآلية النقل، وما إذا كان الشخص مطلوبًا من قبل “قسد”.

يتقاضى عمال المياومة في رأس العين بين 80 و100 ألف ليرة سورية - 8 شباط 2025 (عنب بلدي)

يتقاضى عمال المياومة في رأس العين بين 80 و100 ألف ليرة سورية – 8 شباط 2025 (عنب بلدي)

وتقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، ويسيطر عليهما “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا (يتبع للحكومة السورية المؤقتة)، وتحيط بهما جبهات القتال مع “قسد”، وتعتبر الحدود التركية منفذهما الوحيد نحو الخارج.

ودفع الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي الأهالي في رأس العين إلى سلك طرق خطيرة، منها عمليات الدخول إلى تركيا بشكل غير نظامي (تهريب)، سواء للعمل على أراضيها أو للعبور إلى دول أخرى.

وتعد رحلات “التهريب” إلى تركيا محفوفة بالمخاطر، وتبدأ بالتعرض للاحتيال، وقد تصل إلى مواجهة خطر الموت، إلى جانب تكاليف باهظة ترهق الراغبين في العبور، إذ يلجأ العديد من السكان إلى “المهربين” للفرار من الظروف الصعبة.

وبحسب رصد مراسل عنب بلدي، فإن تكلفة “التهريب” من رأس العين إلى تركيا تتراوح بين 2000 و5000 دولار أمريكي، حسب الطرق التي يسلكها “المهربون” ومدى خطورة المناطق التي يعبرونها.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة