بسطات صرف الدولار في دمشق.. مصدر رزق أم مافيا؟

لوحةُ مكتوب عليها (صراف كل العملات) في منطقة البرامكة بدمشق ( 9 شباط، 2025، عنب بلدي، عمر علاء الدين)

camera icon"بسطات" في منطقة البرامكة بدمشق - 9 شباط 2025 (عنب بلدي/عمر علاء الدين)

tag icon ع ع ع

تنتشر في شوارع دمشق، بسطات تعمل على تصريف الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، وتقدم كل بسطة سعرًا مختلفًا للدولار، بحسب مزاج البائع وغايته من التصريف، وسط تجاهل رسمي تجاه هذه الفوضى في مهنة الصرافة.

ويلجأ معظم الناس لهذه البسطات في ظل إحجام من المصارف العامة والخاصة عن شراء أو بيع الدولار للمواطنين.

وبدأت الليرة السورية تتحسن أمام الدولار، منذ 26 من كانون الثاني، حين سجّل الدولار لأول مرة 11600 ليرة، بعد أن ثبتت لفترة عند 11650 ليرة.

واستمر تحسن الليرة حتى وصل إلى 7900 ليرة لقاء الدولار الواحد، في 4 من شباط، لتعاود التراجع وتستقر عند حدود 10 آلاف مقابل الدولار، وفقًا موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الصرف.

جولة على الصرَّافين

أجرت عنب بلدي جولة على عدد من الصرافين في منطقة البرامكة بدمشق، وسألتهم عن أسعار صرف الدولار، التي كانت بين صراف وآخر في المنطقة ذاتها تتراوح بين 9500 و10000 ليرة سورية.

“أبو علي”، بائع سجائر أمام مدخل كلية الحقوق في البرامكة بدمشق، أوضح أن معظم من يمتهنون تصريف الدولار في هذه المنطقة، إلى جانب ما يبيعونه في محلاتهم أو بسطاتهم، يشترون الدولار من الناس بثمن أقل من المعلن، ويشترون به بضاعة جديدة، مما يزيد أرباحهم أكثر مما لو اشتروا تلك البضائع بالليرة السورية.

ويلجأ “أبو علي”، في أثناء تصريف الدولار  إلى”نشرة” صادرة عن عدد من التجار الموجودين بالمرجة، والذي وصفهم بـ “كبار التجار”.

وقال، أنا أعمل بهذه المهنة منذ 2011 ومانراه اليوم مزعج جدًا، إذ أنّ معظم مدخرات الناس تتبخر بسبب هذا التخبط في سعر الصرف، وفي الأيام الأخيرة ابتعد معظم الناس عن تصريف الدولار، خوفًا من أن تفقد أموالهم قيمتها”.

أحد الصرافين أمام كلية الحقوق في منطقة البرامكة بدمشق ( 9 شباط، 2025، عنب بلدي، عمر علاء الدين)

بائع على بسطة غذائيات ومنظفات في منطقة البرامكة بدمشق بمتهن تصريف الدولار – 9 شباط 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

في ساحة الحجاز بدمشق، وعلى بعد أمتار من المصرف التجاري السوري التقت عنب بلدي، بشاب يبيع على بسطة صغيرة السجائر وبعض المعلبات، إضافة لتصريف الدولار.

الشاب أوضح أنه يتقاضى لقاء تصريف كل 100 دولار 10 آلاف ليرة سورية فقط، ويقوم بتصريف من 1000 إلى 1200 دولار يوميًا، ثم يبيعها لأحد الصرافيين المعتمدين لدى المصرف المركزي.

وحسب معلوماته فإن “الصرافين الكبار”، يصرِّفون مبالغ تصل إلى 400 ألف دولار يوميًا، في البنك المركزي، وهو لا يتعامل إلا معهم، على حد قوله.

وحاولت عنب بلدي التواصل مع مصرف سوريا المركزي، للاستفسار عن وضع الدولار في السوق السورية، وسبب امتناع بعض المصارف الحكومية عن تصريف الدولار، إلا أن الرد لم يصل حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

في المحلات التجارية أيضًا

وفي أثناء جولة عنب بلدي في دمشق، رصدت انتشار مهنة التصريف لدى الكثير من المتاجر، وخصوصًا في “برج دمشق”، المشهور ببيع الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية.

وليد الأحمد، مالك محل بيع هواتف محمولة، قال إن ما دفعه للعمل بالصرافة هو أنه يشتري البضاعة بالدولار، ولا أحد من التجار المتعاملين معه يقبل التعامل بالليرة السورية بسبب عدم استقرارها، بينما الدولار يعتبر بمثابة “قيمة ثابتة”.

متجر لبيع الأجهزة المحمولة في "برج دمشق"، يعمل في تصريف الدولار 9 شباط 2025 (عنب بلدي ـ عمر علاء الدين)

متجر لبيع الأجهزة المحمولة في “برج دمشق” يمتهن تصريف الدولار – 9 شباط 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

سوق “موازية” فوضوية

الدكتور في كلية الاقتصاد بجامعة حلب حسن حزوري، يرى أن ما يجري حاليًا في البسطات والشوارع هو فوضى تمثل “السوق الموازية”.

ولفت حزوري، في حديث إلى عنب بلدي، إلى أن بسطات التصريف مهنة لا تتطلب شهادة أو خبرة وأرباحها كبيرة، لأنها تعتمد على “المضاربة”.

وأضاف الدكتور في كلية الاقتصاد، أنّ هناك “مافيا” تملك سيولة نقدية كبيرة، وهي من تضارب يوميًا على الليرة السورية صعودًا وهبوطًا.

ولا تحمل كلمة “مضاربة” تعريفًا دقيقًا لكنها تشير عامة إلى شراء الأصول قصيرة العمر وتحقيق ربح سريع منها، وتنطوي المضاربة على مستوى عال من المخاطرة وعدم اليقين بشأن العائدات، فهي عبارة عن لعبة احتمالات، بحسب مركز “أصول للدراسات والاستشارات المالية”.

وتكمن خطورة هذه البسطات، وفقًا للدكتور حسن حزوري، في ترويج العملات المزورة وما ينتج عنها من آثار سلبية على الاقتصاد والمواطنين.

وأضاف الدكتور في كلية الاقتصاد إن هناك فئة ممن يملك سيولة يلجأ لبيع البنوك المرخصة عملة الدولار بالسعر الرسمي، ثم يعاود ويشتري دولارات من السوق الموازية، مستفيدًا من فرق السعر بين السوقين الرسمي والموازي، وذلك بالتعاون مع بعض موظفي البنوك، والهدف تحقيق أرباح ومنفعة مادية.

تاجر عملات في سوق بمدينة منبج في محافظة حلب شمالي سوريا - 4 كانون الثاني 2025 (AFP)

تاجر عملات في سوق بمدينة منبج في محافظة حلب شمالي سوريا – 4 كانون الثاني 2025 (AFP)

أما لجوء السوريين للتصريف من البسطات، سببه امتناع المصارف الرسمية عن تصريف الدولار، وسياسة حبس السيولة التي انتهجها المركزي والتي أدت بطبيعة الحال إلى سرقة مدخراتهم، بحسب حزّوري.

عضو جمعية العلوم الاقتصادية، الدكتور هاني خوري، طالب بأن يكون التصريف لدى جهات وأشخاص مرخصّين وقابلين للمتابعة والمحاسبة، وأن لا تكون الصرافة مهمة بلا ضوابط في المتاجر المختلفة.

ووفقًا لخوري، فمن حق التاجر أحيانًا الحصول على ثمن بضاعته بعملة غير سورية ولكن ليس من حقه العمل بمهنة الصرافة، ولا التخلي عن العملة الوطنية في تعاملاته.

وأكد عضو جمعية العلوم الاقتصادية أنه في كل الأحوال تبقى ظاهرة التصريف المتفلت خطرة وسلبية وتعبر عن فوضى التعاملات وخروجها عن إطار متابعة المعلومات ودراسة حجم التداول للصرافة والعملات.

ما حل الظاهرة

اقترح الدكتور في كلية الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري السماح بترخيص شركات الصرافة ومكاتب الصرافة، بشروط وضمانات مالية مقبولة وقيود مخففة، وذلك من خلال تنظيم مهنة الصرافة على غرار ما كان مطبق في إدلب سابقًا.

وفي أيار 2017، أسست “هيئة تحرير الشام” (التي قادت المعارك المؤدية إلى إسقاط النظام السوري) “المؤسسة العامة لإدارة النقد وحماية المستهلك”، لمراقبة سوق الصرافة والحوالات المالية.

وبررت “تحرير الشام”، تأسيس الهيئة آنذاك بتنظيم عمليات الصرافة ومنع الاحتكار والتلاعب بأسعار العملات.

وقانونيًا، أوضح حسن حزوري أنّ “قانون “منع التعامل بغير الليرة السورية” وتجريم التعامل بالدولار لايزال ساري المفعول نظريًا، والمفترض أن يصدر قرار رسمي بتجميده.

وأضاف أن السلطات تسطيع إيقاف المتاجرين بالعملات في الشوارع متى أرادت ذلك، لكن هناك نوعًا من “غض البصر”.

وفي 18 من كانون الثاني 2020، أصدر الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، المرسوم رقم “3”، الذي يقضي بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة السورية.

وينص المرسوم رقم “3” على معاقبة كل شخص يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، “بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات”.

كما يعاقب بـ”الغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامَل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة”، إضافة إلى مصادرة المدفوعات أو المبالغ المتعامَل بها أو المعادن الثمينة لمصلحة مصرف سوريا المركزي.

ويحافظ مصرف سوريا المركزي على سعر صرف يتراوح بين 13000 و13056 ليرة، للمبيع والشراء، وهو سعر ثابت تقريبًا منذ سقوط نظام بشار الأسد المخلوع، في 8 من كانون الأول 2024.

لكن المركزي يمتنع عن التصريف، بينما أغلقت شركات الصرافة بسبب تذبذب السوق، في سياسة قال خبراء إنها تهدف لـ”حبس الليرة”.

البنك المركزي السوري في العاصمة دمشق- 12 كانون الثاني 2025(رويترز)

البنك المركزي السوري في العاصمة دمشق- 12 كانون الثاني 2025 (رويترز)

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة