التشبيح الإلكتروني السوري

tag icon ع ع ع

لمى قنوت | رهام قنوت رفاعي

التشبيح، هو مصطلح سوري بحت، بدأ تداوله منذ التسعينيات لوصف عصابات لها صلة أو قرابة مع نظام الأسد البائد، محمية من قبل الأجهزة الأمنية، عاثت فسادًا في الساحل السوري وأرهبت المواطنين والمواطنات، وعملت كقطاع طرق ومهربي سلع وآثار، ومع تطور المشهد السوري عقب اندلاع الثورة السورية، أُطلقت تسمية الشبيحة على نوعين من المجموعات، الأولى كانت مسلحة مؤيدة للأسد ظهرت إلى جانب أجهزة الأمن والجيش، وشاركت في قمع وقتل الثائرين، رجالًا ونساء، وخطف الأفراد، والثانية ظهرت في العالم الافتراضي، تجيّش إلكترونيًا مستخدمي وسائل تواصل اجتماعي وصفحات لمصلحة النظام، أُطلق على بعض أفرادها صفة الجيش الإلكتروني، وتضمن نشاطهم التنمر الإلكتروني، والتصيد (trolling)، والتهديد والابتزاز، وهجمات القرصنة الإلكترونية.

وبعيدًا عن الحالة الصحية للنقد والاختلاف والخلاف السياسي، ظهر في المقابل المعارض للأسد أيضًا نموذج للتنمر أو التشبيح الإلكتروني على المُختلف عنهم فكريًا وأيديولوجيًا حتى ولو كان المُستهدف معارضًا للنظام، والآن وبعد إسقاط النظام، يعيد بعض السوريين تدوير وإعادة إنتاج التشبيح الإلكتروني عبر الهجوم على كل من يقدم فكرًا نقديًا في هذه المرحلة الانتقالية والتاريخية، ويمكن تصنيف خطابات التشبيح الإلكتروني السوري اليوم إلى عدة أصناف هي:

·       تشبيح الأسطرة، والأسطرة تعني جعل الفرد أو مجموعة أو حدث ما بمثابة أسطورة، وينضوي تحت هذا التصنيف المحتوى الإلكتروني والسرديات التي ترمسن أو تبجل الرئيس أو أي شخصية اعتبارية وتعتبرها منزهة عن الخطأ وعصية على النقد، وتتعامل معها كظاهرة أسطورية لا تمتثل للطبيعة البشرية، ويأتي تشبيح صانعي هذا الخطاب على أي نقد سياسي بنفس حمية ووتيرة الدفاع عن مقدساتهم.

·       تشبيح الشخصنة (ad hominem)، وهو صنف شائع وقديم من المغالطات السجالية، وله عدة أساليب هجومية كابتكار أو استغلال عيوب في شخص الخصم السياسي المُتَخيل، رجلًا كان أم امرأة، بدلًا من محاججة طروحاته السياسية، ويشمل أيضًا تشبيح الشخصنة تقنية “ماذا عن؟” (Whataboutism) وهي تعليقات إسكاتية إفحامية، المراد بها حرف الحوار إلى سياق أو موضوع آخر بحجة أن الخصم المُتخيل لم يتطرق لها، أو يتجاهلها عمدًا.

·       شبيحة أحقية الكلام، وهم أُناس يفكرون بالثنائيات القطبية فقط، فإما أبيض أو أسود، أي إما أن الشخص كان معارضًا حقيقيًا للنظام البائد، وحماسته اليوم تدفعه للتهليل للإدارة الحالية وبالتالي يحق له الكلام، أو أنه كان مواليًا للأسد فأصبح الآن ناقدًا للسلطة الجديدة بغاية التآمر أو الارتهان أو العمالة أو إثارة الفتن، وهي رباعية اتهامات أرساها حافظ الأسد ضد المعارضة، فتربى ونشأ عليها ذوو وذوات الخطاب والسلوك السياسي التشبيحي، مصرين على إعادة إنتاجها اليوم ضد أي خطاب نقدي تحليلي الغاية منه العبور بسوريا نحو بناء الدولة، والقطيعة مع الممارسات الاستبدادية. يتخندق هذا الخطاب التشبيحي خلف أسئلة “من أنتم؟ أين كنتم؟ الآن ظهرتم!” دون البحث في تاريخية ودور الخصم السياسي المتخيل، امرأة كانت أم رجلًا، باعتباره شبحًا ظهر رأيه فجأة، أو تجرأ على الكلام ضد ما يعتقدون أنه الرأي الواحد الأوحد الصائب، وهذه الآلية في الهجوم تشجع آخرين على شن هجمات متلاحقة مكثفة على هذا الخصم للتحريض عليه وتهديده والإساءة له، وترويج معلومات مضللة عنه ليتأدب في حضرة المتخندقين ضد حرية الرأي والتعبير والتفكير النقدي.

·       التشبيح الذكوري، وهو عنف مبني على كراهية النساء (Misogyny) كأداة شُرَطِية للنظام الأبوي هدفه تقويض أدوارهن وإرهابهن عن أي مشاركة في الشأن العام، وضبطهن بقوالب جندرية رعائية نمطية بعبارات تأمرهن بالعودة إلى المطبخ وترك السياسة، وهو التشبيح الأكثر يسرًا وسهولة وشعبية من بين أنواع التشبيح، ويستخدم أساليب مختلفة من الشخصنة ونزع الصفة الإنسانية، والتركيز على الشكل والعمر والحالة الاجتماعية، والتشكيك بقدرات النساء، بتنوعاتهن وتنوع سياقتهن، العقلية والمعرفية لمجرد أنهن عيّنوا إناثًا عند الولادة، والنيل من مكانتهن الاجتماعية، واستباحتهن والتشهير بهن وإلحاق أكبر قدر من الأذى المعنوي والنفسي بهدف إسكاتهن وإقصائهن من المساحة العامة فيزيائيًا وافتراضيًا. وللتشبيح الذكوري فوائد أيضًا تعود على أصحابه من المؤثرين والمؤثرات، فالمحتوى الكاره للنساء يلقى رواجًا في واقعنا الأبوي، وبالتالي يحقق تفاعلًا إلكترونيًا أوسع، ويمكن أن يدر عليهم أرباحًا مادية على منصات مثل “تيك توك” و”يوتيوب”.

·       تشبيح التهديد والوعيد والتكفير، وهو تصعيد في الأدوات التشبيحية بهدف نقل العنف من العالم الافتراضي إلى أرض الواقع، ويبدأ من صِيَغ منمقة تتوعد الخصم السياسي المُتَخيل بجره إلى المحاكم والقضاء، ويصل إلى حد التهديد المباشر بالإيذاء والضرب وحتى القتل، وقد شهدنا في تجارب دول أخرى، كالعراق وليبيا ومصر، كيف أن اغتيالات سياسية كان هدفها اغتيال الكلمة، بعد تعاظم جوقة التشبيح والتحريض الجمعي ضد من يعتبرونه خطرًا على انتشار فكرهم واستقرار سلطة مرؤوسيهم.

ينمو الاستبداد والطغيان في كنف مهللين ومتملقين وملمعين وممجدين ومُأَسطِرين للسلطة، أولئك الذين يأخذون على عاتقهم أن يكونوا “مَلكيّين أكثر من الملك”، فينهالون نحو تقديم فروض الطاعة للسلطة حتى وإن لم تُطلب منهم، أما في كنف إعلام حر ومجتمع مدني، حيوي بمجموعاته وأفراده، يراقب السلطة ويشتبك معها سياسيًا ويصوب سياساتها، فتتعزز الأدوات الديمقراطية والحلول التشاركية البناءة، وتحيا مجتمعات قادرة على إحداث قطيعة مع الاستبداد بكل أشكاله وإحقاق عدالة اجتماعية قائمة على الحريات الفردية والجماعية وشرعة حقوق الإنسان.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة