قواعد تركية في سوريا.. رسائل من ميدان غير مستقر

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستقبل الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، خلال زيارته إلى العاصمة التركية أنقرة- 4 من شباط 2025 (الأناضول)

camera iconالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستقبل الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، خلال زيارته إلى العاصمة التركية أنقرة- 4 من شباط 2025 (الأناضول)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسام المحمود

منذ سقوط نظام بشار الأسد، في 8 من كانون الأول 2024، تعزز تركيا علاقاتها مع الإدارة السورية الجديدة باستمرار، وعلى أكثر من صعيد.

وإلى جانب الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين الطرفين، وأحدثها زيارة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى أنقرة، ولقاؤه الرئيس رجب طيب أردوغان، في 4 من شباط الحالي، هناك زيارات لوفود اقتصادية أيضًا.

وإلى جانب السياسة والاقتصاد، يعبر التعاون العسكري بين الجانبين عن نفسه بوضوح وعمق من خلال التوجه التركي لإقامة قواعد عسكرية في سوريا، في ظل تحديات أمنية وسياسية لا تزال تفرض نفسها بقوة في الميدان السوري.

في 4 من شباط، ذكرت وكالة “رويترز” أن من الملفات موضع النقاش بين الرئيس السوري أحمد الشرع، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، محادثات حول اتفاقية دفاع مشترك، تتضمن إنشاء قواعد جوية تركية في وسط سوريا وتدريب الجيش السوري الجديد.

وبحسب الوكالة، فإن الاتفاقية ستتيح لتركيا إقامة قواعد جوية جديدة في سوريا، واستخدام المجال الجوي السوري لأغراض عسكرية، إلى جانب دورها في تدريب القوات السورية الجديدة.

وقال مسؤول استخباراتي إقليمي، ومسؤول أمني سوري، ومصدر أمني أجنبي مقيم في دمشق، إن المحادثات تشمل إنشاء قاعدتين تركيتين في البادية السورية.

وقال مسؤول في الرئاسة السورية لـ”رويترز”، قبل لقاء الرئيسين، إن الشرع سيناقش مع أردوغان “تدريب الجيش السوري الجديد، بالإضافة إلى مناطق انتشار جديدة والتعاون”، دون تحديد مواقع الانتشار.

وبعد اللقاء، أطلق الرئيسان، التركي والسوري، تصريحات خلال مؤتمر صحفي مشترك، أعرب خلالها أردوغان عن دعم أنقرة لدمشق، لمواجهة ما أسماه “مكافحة كل أشكال الإرهاب”، المتمثل بتنظيم “الدولة الإسلامية” و”حزب العمال الكردستاني”، في إشارة إلى “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وذكر أنه من خلال التضامن بين سوريا وتركيا سيضمن البلدان جوًا “خاليًا من الإرهاب” في الجغرافيا المشتركة، مع تشديده على الحفاظ على سلامة أراضي سوريا ووحدتها.

كما أعلن أردوغان عزم بلاده رفع العلاقات التركية- السورية إلى المستوى الاستراتيجي، وتكثيف اللقاءات والزيارات بين الجانبين، في حين أكد الشرع تحويل ما وصفه بالعلاقات الأخوية إلى شراكات استراتيجية عميقة في المجالات كافة.

هذه التطورات والحديث عن إقامة قواعد عسكرية على الأراضي السورية لم يتوقف عند هذا الحد، وتبع أيضًا الزيارة الرسمية الأولى لرئيس سوري إلى تركيا منذ أكثر من 14 عامًا، إذ كشفت وزارة الدفاع التركية، في 6 من شباط، عن وضع خارطة طريق لتحسين قدرات الجيش السوري.

ونقلت وكالة “الأناضول” التركية، عن الوزارة، أن خارطة الطريق المشتركة مع الحكومة السورية الجديدة جاءت تماشيًا مع مطالب الأخيرة وسيتم اتخاذ خطوات ملموسة.

هذا الحديث لم يقابل بتأكيد أو نفي سوري رسمي في حينه، لكن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، قال في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، إن الحكومة في دمشق تتفاوض أيضًا بشأن وضع القواعد العسكرية الأمريكية والتركية في سوريا، وإن الاتفاقيات العسكرية الجديدة مع أنقرة قد تشمل تقليص أو “إعادة توزيع” القوات التركية في البلاد.

واقع ميداني معقد ومهدد

القواعد التركية المتوقعة ستقام على ميدان عسكري وأمني معقد ومحفوف بالتحديات التي ورثتها الإدارة الجديدة عن النظام المخلوع، كواحدة من قضايا معقدة كثيرة راكمها على مدار 14 عامًا قبل إسقاطه، ففي شمال شرقي سوريا توجد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تشكل ذراعًا عسكرية لـ”الإدارة الذاتية”، ولا تزال الإدارة السورية الجديدة تفاوض هذا الكيان العسكري لضمه إلى الجيش السوري الجديد.

في الوقت نفسه، تشدد أنقرة على رفضها تهديدات “حزب العمال الكردستاني” و”وحدات حماية الشعب”، مع التلويح بعمليات عسكرية محتملة ضد “وحدات حماية الشعب”، وهو ما أكده وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في 10 من كانون الثاني الماضي.

وقال فيدان إن شروط تركيا واضحة لتجنب عمل عسكري، وهي انسحاب قيادة وكوادر تنظيم “PKK”  بالكامل من سوريا، “ومع ذلك، لا نرى أي نيات أو استعدادات لتحقيق هذا الأمر”، مضيفًا أن “الإرهابيين القادمين من دول أخرى يجب أن يغادروا سوريا أيضًا”، لافتًا إلى أن بلاده تراقب الوضع عن كثب.

وفي شمال شرقي سوريا أيضًا، لا تزال الولايات المتحدة تحافظ على وجود عسكري يجري الحديث عن إنهاء محتمل له في غضون أشهر، بعد سنوات الحضور العسكري الأمريكي، لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” وفق ما هو معلن، ضمن إطار عمل قوات “التحالف الدولي”.

وكان التنظيم وجه رسائل تهديد لحكومة دمشق، في كانون الثاني الماضي، في حال تطبيقها قوانين ومواثيق الأمم المتحدة في السلم والحرب، في إشارة إلى خطر لم ينفِه وزير الدفاع السوري في مقابلة سابقة مع تلفزيون “العربي” حين تحدث عن مساعي تقويضه دون خوض في التفاصيل.

أما في الجنوب السوري، فتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي توغلًا بريًا بما ينقض اتفاق فض الاشتباك المبرم عام 1974، ما يجعل الأراضي السورية مسرحًا لقوات أجنبية يشكل حضورهًا تهديدًا لسلامة ووحدة الأراضي السورية.

رسائل تركية ودور مهم

المحلل العسكري الرائد طارق حاج بكري، أوضح لعنب بلدي أنه لا يمكن المساس بسيادة الأراضي السورية، وهذا مبدأ سيادي، مبينًا أن كل الدول التي تعتمد جيشًا من المتطوعين تسمح بإقامة قواعد عسكرية لدول أخرى على أراضيها، على ألا يكون هذا الوجود تدخلًا بالسيادة أو الشؤون الداخلية للدولة المستضيفة للقواعد.

واستبعد حاج بكري إقامة قواعد تركية عسكرية جديدة في سوريا، مرجحًا إعادة توزيع وانتشار القواعد التركية المقامة شمال غربي سوريا، وحصرها في مواقع محددة، مبينًا أن إقامة القواعد يتطلب اتفاقًا يتيح للدولة صاحبة القواعد إثبات وجودها بما يحمي أمنها القومي ومصالحها السياسية والاقتصادية.

ويمكن أن تكون هناك مصلحة للدولة المستضيفة للقواعد بوجود قوى أجنبية غير متدخلة، على أراضيها، تستمد منها قوة وحماية في وجه تهديدات دولية، على اعتبار أن سوريا ساحة صراع وأرض مهمة جغرافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، ما يجعلها بحاجة لدولة قوية تحميها من الأطماع الأجنبية، في ظل وجود قوى روسية وأمريكية.

واعتبر المحلل العسكري أن وجود قوات تركية في سوريا موجه بالدرجة الأولى ضد “العمال الكردستاني” و”قسد”، التي تحاول الوصول إلى وضع خاص في سوريا، وهي مسألة تتعارض مع مصالح أنقرة ودمشق، فمن مصلحة تركيا عدم وجود كيان ذي طابع عنصري قومي، إذ ترى في ذلك تهديدًا لأمنها القومي.

ويمكن أن تكون هذه الرسائل موجهة للروس والإسرائيليين والأمريكيين، ومفادها أن أنقرة لن تسمح بتدخل آخر في سوريا، في إطار دعم معنوي وعسكري للحكومة الجديدة في دمشق.

وبعد زيارة نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إلى دمشق، نهاية كانون الثاني الماضي، ولقائه بالمسؤولين السوريين، لنقاش مجموعة ملفات منها القاعدتان الروسيتان على الأراضي السورية، قال مكتب الرئاسة الروسية (الكرملين)، في 3 من شباط، إن روسيا ستواصل الحوار مع السلطات السورية الجديدة بشأن جميع القضايا، بما في ذلك الاتفاقات حول قواعدها العسكرية في سوريا.

من جانبه، أبدى وزير الدفاع السوري قبل أيام، استعدادًا للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها الجوية والبحرية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ​​طالما أن أي اتفاق مع الكرملين يخدم مصالح دمشق، لافتًا إلى أن مسألة احتفاظ أمريكا بوجودها العسكري في شمال شرقي سوريا “قيد التفاوض”.

الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش، أوضح لعنب بلدي، أن التعاون الدفاعي مع تركيا يكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للإدارة السورية الجديدة على عدة مستويات، فتركيا دولة ضامنة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، إلى جانب تقاطع مصالح مع دمشق في مسألة تقويض مشروع “وحدات حماية الشعب”، بالإضافة إلى دور مهم محتمل في تأهيل وتدريب وربما تسليح الجيش السوري الجديد.

وبحسب علوش، فإن القواعد التركية يمكن أن تساعد سوريا في الدفاع عن نفسها خصوصًا في مواجهة تحديات خارجية كبيرة، لا سيما في هذه الفترة، لأن القدرات العسكرية للدولة السورية منهارة، وهناك أطراف، ومنها إسرائيل، تحاول استغلال هذا الوضع لتحقيق أهدافها وسياستها التوسعية في سوريا.

الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وسوريا نتيجة طبيعية للجغرافيا السياسية وعلاقة تركيا بالثورة السورية خلال السنوات الماضية، كما أن هذه الشراكة ليست خيارًا لدمشق مقدار ما هي حاجة، فتركيا تمتلك مقومات ضرورية لسوريا في هذه الفترة، والعلاقة بين تركيا وسوريا لا تضع ضغطًا على دمشق في علاقاتها بخياراتها الجيوسياسية والعلاقات الداخلية، وفق الباحث.

وقال علوش، إن الشرع يريد إظهار أن العلاقة مع تركيا تحظى بأهمية كبيرة بالنسبة لسوريا الجديدة، مع محاولة إيجاد نوع من التوازن في الشراكات الخارجية، وتحديدًا بين السعودية وتركيا، إثر زيارتين متتابعتين أجراهما إلى هذين البلدين، ما يعكس اهتمامًا بهاتين القوتين والحصول على احتضان إقليمي للإدارة الجديدة، وتحقيق توازن في الشراكة مع الرياض وأنقرة.

وكان الرئيس السوري زار الأسبوع الماضي السعودية على رأس وفد رفيع المستوى، واستمرت الزيارة ليومين، وهي نفس المدة التي قضاها في أنقرة حين زارها بعد الرياض مباشرة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة