لباس المرأة السورية.. جدل يعكس تحولات المجتمع

سوريون يحتفلون بسقوط النظام- 9 كانون الأول 2024 (وكالة الأناضول)

camera iconسوريون يحتفلون بسقوط النظام- 9 كانون الأول 2024 (وكالة الأناضول)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نوران السمان

لم تُترك للمرأة السورية هوامش واسعة في قضية اختيار نمط لباسها، بل كانت المسألة ولا تزال ساحة نقاش وجذب تعكس تحولات المجتمع السوري عبر العقود.

فمن قرارات رسمية تحظر النقاب في الجامعات، إلى أخرى تعيد السماح به في عهد النظام السابق، استمر الجدل الذي أكملته ملصقات متضادة حول “الحجاب الشرعي” و”لباس المرأة الحرة”، بعد سقوط الأسد.

الملصقات المتضادة.. شرارة الجدل

قبل حوالي الأسبوعين، غزت وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلات مصوّرة تُظهر ملصقات علّقت على جدران بعض شوارع سوريا، تروج لأشكال متباينة من اللباس النسائي.

حملت الأولى عنوان “الحجاب الشرعي”، مظهرة امرأة مغطاة بالكامل تنادي بوجوب الحجاب وفق الشريعة، بينما جاءت الثانية بعنوان “لباس المرأة الحرة”، حيث ظهرت امرأة ترتدي “تي شيرت أبيض” يحمل علم الثورة، مشيرة إلى ارتباط حرية المرأة بحرية سوريا الجديدة.

ولاحقًا، انتشرت ملصقات بحملة مضادة عنوانها “لقد حصلنا على الحرية من أجل الجميع، اختاري عزيزتي ما تشائين من الملابس في سوريا الحرة”، لتفتح باب النقاش مجددًا حول مفهوم اللباس النسائي ودلالاته في سوريا.

وترى الباحثة الاجتماعية في مركز “عمران للدراسات” حلا حاج علي، أن محاولات فرض الحجاب تأتي أساسًا من القاعدة الشعبية وليس من الحكومة الانتقالية، ما يعكس ديناميات اجتماعية أكثر من كونها سياسة رسمية.

و”رغم الطابع الإقصائي لهذه الظاهرة، فإن التعبير عنها عبر الملصقات بدلًا من الصراعات العنيفة يعدّ شكلًا من أشكال حرية التعبير السلمية التي لا تهدد السلم الأهلي”، قالت الباحثة.

تنوع يعكس المجتمع

في مسألة لباس المرأة السورية، يتجلى تنوع واضح نشهده عند تجولنا في شوارع سوريا، وتتراوح الأزياء بين الملابس التقليدية المحتشمة والأنماط الحديثة، مع اختلافات ملحوظة بين المناطق الحضرية والريفية، فبين من ترتدي “المانطو” أو العباءة، ومن تختار الملابس العصرية بلا غطاء رأس.

ويتأثر نمط لباس المرأة السورية كثيرًا بالمحيط الاجتماعي أو الجغرافي، ما يسهل فرضه أولًا ثم تعميم الصور النمطية انطلاقًا من شكل اللباس.

الباحثة الاجتماعية، قالت لعنب بلدي، إنه “في المجتمعات السلطوية، تكون المرأة غالبًا الفئة الأكثر عرضة لفرض أنماط لباس معينة من قبل القوى المسيطرة، ما يعكس شكلًا من أشكال العنف الرمزي الذي تمارسه فئة على أخرى لتعزيز الهيمنة”.

وترى أن فرض أو رفض النقاب يعكس نزعة إقصائية تجاه طيف واسع من المجتمع، يمتد من غير المحجبات إلى المنقبات، مرورًا بأنماط لباس متعددة مثل الجلباب، والحجاب التقليدي، والعباءة البدوية، واللباس العصري المحتشم، مشيرة إلى أن لباس النساء في سوريا يتنوع تبعًا للثقافات المحلية لكل مدينة.

“يبقى الأجدى العمل على توعية المجتمع بمفهوم الحريات العامة، التي تشمل حرية اللباس والاعتقاد، باعتبارها حقوقًا أساسية تضمنها الدساتير في الدول الساعية للخروج من الأنظمة السلطوية”، بحسب حاج علي.

جدل مبالغ به؟

سارة الشوا، شابة مقيمة في دمشق، ترى أن الجدل حول لباس المرأة غير واقعي، إذ لم يتم التضييق على أي امرأة أو إجبارها على ارتداء ما لا تريد، وبرأيها، فإن نشر الملصقات قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار الاجتماعي.

أما راما الأمير، وهي شابة مغتربة، فأكدت لعنب بلدي أن الجدل مبالغ فيه، ولا ترى ضغوطًا اجتماعية واضحة فيما يتعلق بلباس المرأة، إذ يعود الأمر إلى طبيعة كل مجتمع وبيئة.

عبر التاريخ، عكست أزياء النساء في سوريا التحولات الاجتماعية والسياسية، فبعد استقلال سوريا عن فرنسا عام 1946، بدأ تأثير الأزياء الأوروبية يظهر في الأحياء الميسورة من العاصمة دمشق مثل أبو رمانة وعين الكرش، بينما ظلّت الأحياء الشعبية أو التقليدية مثل الميدان والشاغور وساروجة والقيمرية محافظة على اللباس العثماني، المتمثل بـ”الملاية” السوداء و”المانطو”، وفق تقرير صادر عن  مركز “حرمون للدراسات الاستراتيجية”.

أما النقلة الحقيقية، فجاءت مع انتشار التعليم، إذ بدأت النساء بالتخلي عن “الملاية” لمصلحة “المانطو” وغطاء الرأس.

كما أن موجات الهجرة من الريف إلى المدن أسهمت في ظهور “الحجاب المتمدّن”، حيث تخلّت النساء الريفيات عن لباسهن التقليدي لمصلحة زي مدني، لا يختلف كثيرًا عن الريف.

المرأة السورية.. جدال مستمر

لم تكن قضية لباس المرأة السورية جديدة، ففي عام 2010، أصدرت السلطات السورية قرارًا بحظر ارتداء النقاب في الجامعات، مبررة ذلك بأنه “يتعارض مع القيم والتقاليد الجامعية”، وبحجة “عدم ترك الطلاب عرضة لأفكار وعادات متطرفة”.

ولم يقتصر الأمر على الجامعات، إذ نقلت وزارة التربية السورية نحو 1200 منقبة من سلك التعليم إلى وزارات أخرى، منها الزراعة والإدارة المحلية والخدمات، بحجة أن النقاب يعوق قيامهن بدورهن التعليمي.

ومع اندلاع الثورة السورية في 2011، اتخذ النظام السوري خطوة معاكسة، حيث تم رفع الحظر عن النقاب في الجامعات والمدارس، ما أتاح للمدرّسات اللواتي فقدن وظائفهن سابقًا العودة إلى التدريس.

اعتُبرت هذه الخطوة محاولة لإرضاء شريحة من المحتجين ذوي الميول الدينية، وفق ما ذكرته وسائل الإعلام حينها، في وقت كانت فيه المظاهرات السورية ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى، مطالبة بالحرية وإسقاط النظام، وليس ذات طابع ديني كما زعمت سلطات النظام السوري المخلوع.

في عام 2019، عادت جامعة “دمشق” لفرض قيود على اللباس، إذ أصدرت تعميمًا يمنع دخول الطلاب الذين يرتدون “ملابس لا تليق بالحرم الجامعي”، شمل ذلك النقاب، مبررة أن القرار جاء بهدف منع حالات انتحال الشخصية خلال الامتحانات، بعد ضبط عدد من الحالات التي استُخدم فيها النقاب لهذا الغرض.

إثارة قضية الحجاب لم تكن الأولى، فقد سبقتها قرارات مشابهة خلال حكم حافظ الأسد، وفي عام 1981، أرسل رفعت الأسد شقيق حافظ مجندات “سرايا الدفاع”، التي تعرف باسم “دورية تشرين”، إلى دمشق لنزع حجاب عدد من النساء في الشوارع، غير أن الموقف الشعبي الرافض لتلك الممارسة دفعت حافظ إلى إدانة ذلك علنًا، دون أن يتغير واقع التضييق على الحجاب في المدارس.

وظل الحجاب محظورًا في المؤسسات التعليمية منذ عام 1983 حتى ألغى بشار الأسد هذا القرار في نهاية عام 2000، ما سمح للطالبات بارتدائه داخل المدارس والفصول الدراسية.

لم تقتصر القيود على النظام السوري وحده، فخلال فترة سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على أجزاء من سوريا، فرض التنظيم على النساء تغطية وجوههن وارتداء ملابس محددة، مع قيود صارمة على حركتهن ونشاطاتهن.

كما  فرضت قيود على لباس النساء وحركتهن في عدة مناطق، منها شمال غربي سوريا، حيث شهدت تقييدًا لحرية المرأة في اللباس والتنقل وتسلّم المناصب القيادية، وفق تقرير صادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في كانون الثاني 2024.

في ظل النزاع المستمر، تعرّضت النساء السوريات لانتهاكات متعددة، من اعتقال تعسفي واختفاء قسري إلى العنف القائم على النوع الاجتماعي.

وفي سوريا اليوم، يعكس لباس المرأة السورية تنوعًا ثقافيًا واجتماعيًا، متأثرًا بالعوامل الدينية والسياسية، وبينما يبقى الجدل حول اللباس النسائي قائمًا، يعكس هذا النقاش صراعًا أعمق حول الهوية والحرية في سوريا، إذ يبقى التحدي الأكبر هو ضمان حق المرأة في الاختيار بعيدًا عن أي ضغوط أو إقصاء.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة