شروط لتطبيق اقتصاد السوق الحر في سوريا

يتطلب التوجه إلى اقتصاد السوق الحر بنية اقتصادية وقانونية (تعديل عنب بلدي)

camera iconيتطلب التوجه إلى اقتصاد السوق الحر بنية اقتصادية وقانونية (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أمير حقوق

يتزايد الحديث الرسمي عن التوجه إلى اقتصاد السوق الحر في سوريا، ولكن رغم الحديث العلني عن هذا التوجه، فإن خطوات قانونية واقتصادية لم تكتمل بعد، بينما تتجه الأنظار إلى كسر احتكار السوق سابقًا وحماية المنافسة.

وقال وزير الاقتصاد في حكومة دمشق المؤقتة، باسل عبد العزيز عبد الحنان، لـ”الجزيرة نت“، إن إعادة هيكلة الاقتصاد ستجري لتحويل الاقتصاد، الذي كان أساسه اشتراكيًا ثم تحول إلى شمولي دكتاتوري، إلى اقتصاد السوق الحر المفتوح.

وفي مقابلة مع وكالة “رويترز“، أوضح رئيس غرفة تجارة دمشق، باسل الحموي، أن الحكومة السورية الجديدة أبلغت رجال الأعمال بأنها ستتبنى نموذج اقتصاد السوق الحر.

وكشف أن الهدف هو دمج البلاد في الاقتصاد العالمي، في تحول كبير عن سيطرة الدولة على الاقتصاد لعقود، شارحًا أنه نظام تجاري حر مبني على التنافسية.

ويعرف اقتصاد السوق الحر بأنه النظام القائم على حرية الأفراد بأي نشاط اقتصادي، ويبنى على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.

وأهم أركانه العرض والطلب، وهذا الركن يتحكم بالأسعار ويولد المنافسة الحرة دون أي نفوذ للدولة، ويكمن دور الدولة في هذا النظام الاقتصادي بتنظيم المنحى الاقتصادي وعجلة دورانه.

بدورها، رحبت أوساط اقتصادية في سوريا بقرار الحكومة باتباع نظام اقتصاد السوق الحر المفتوح، معتبرة أنه خطوة إسعافية للنهوض بواقع الاقتصاد السوري، وبهذه الخطوة يتم تحديد هوية الاقتصاد الغائبة منذ سنوات.

وفي حديث إلى عنب بلدي، أوضح نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة “حماة”، الدكتور عبد الرحمن محمد، أن اقتصاد السوق الحر المفتوح يعني الاقتصاد القائم على تفاعل العرض والطلب، أي حرية الفرد، بما يعني أن له الحق بالقيام بأي نشاط اقتصادي يريده، ويقوم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والمبادرة الفردية.

وتلعب المنافسة الحرة في اقتصاد السوق الحر دورًا مهمًا في التحكم بالأسعار، وتحررها من أي قيود يمكن للدولة أن تستخدمها.

لا يقاس بالتصريحات

من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي محمد السلوم أن أي تحول اقتصادي حقيقي لا يقاس بالتصريحات السياسية أو الخطوات الجزئية، بل يتطلب بنية تشريعية واستقرارًا ماليًا، ومؤسسات قادرة على تطبيق سياسات اقتصادية رشيدة.

وقال السلوم، لعنب بلدي، إن الحديث عن تبني اقتصاد السوق الحر خطوة إيجابية نظريًا، لكن دون قوانين واضحة تضمن المنافسة العادلة وحماية المستثمرين، فإننا قد نكون أمام إعادة توزيع لمراكز النفوذ الاقتصادية لا أكثر.

الحديث عن اقتصاد السوق الحر في سوريا ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة فرضتها طبيعة التحولات السياسية والاقتصادية، فمن جهة تحتاج البلاد إلى تحفيز الإنتاج، وجذب الاستثمارات، وخلق فرص عمل، بحسب السلوم، ومن جهة أخرى، لا بد من إدارة الانفتاح الاقتصادي بحذر، لتجنب الوقوع في فخ الفوضى الاقتصادية أو هيمنة رؤوس الأموال الاحتكارية.

اقتصاد إسعافي

وبوصف الدكتور عبد الرحمن محمد، فإن اقتصاد السوق الحر يعتبر حلًا إسعافيًا للاقتصاد الوطني الذي بات منهارًا تمامًا، بسبب الفساد الذي طال كل مجالات الاقتصاد الوطني في فترة النظام السابق، ومن الآثار التي تنجم عن تطبيقه، تعزيز المنافسة في السوق، مع القليل من السيطرة أو مشاركة حكومية مركزية.

يعتمد هذا النظام الاقتصادي بشكل أساسي على العرض والطلب، ويتسم النظام والسلطة في السوق الحر باللامركزية، حيث يتخذ الأفراد جميع خياراتهم الاقتصادية الطوعية، لكن مع مراعاة عدم تحول سياساته إلى مطلقة، وهذا ما تضمنه تلك السياسة الاقتصادية وضوابط العمل بها، ويشكل ضمانًا لحرية المنافسة، وتشجيع الاستثمارات على الدخول والإنتاج، والعمل في الأسواق السورية.

وأوضح الباحث محمد السلوم أن اقتصاد السوق الحر سيحد من الممارسات الاحتكارية من كبار التجار والموردين لبعض السلع الأساسية والاستراتيجية، التي صارت تهدد الأمن الغذائي السوري الذي يعد أحد مكونات الأمن القومي السوري.

بيئة متكاملة لحماية المنافسة

التوجه إلى اقتصاد السوق الحر لا يتطلب إزالة القيود الحكومية فقط، بل بيئة متكاملة تحمي المنافسة، فإذا لم تُلغَ الاحتكارات القديمة وتُفتح الأسواق أمام جميع المستثمرين، فإننا سنشهد انتقال السيطرة من مجموعة نافذة إلى أخرى دون تحقيق تحرر اقتصادي فعلي.

وطالب السلوم بأن تكون هناك إجراءات رقابية تمنع تكرار التجربة السابقة التي استأثرت فيها قلة من رجال الأعمال بمعظم الموارد.

وأوضح أن التوجه نحو تحرير الأسواق وإزالة القيود على التجارة يمكن أن يسهم في زيادة التنافسية، وتحسين بيئة الأعمال، واستقطاب المستثمرين المحليين والأجانب.

في المقابل، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن التحول نحو اقتصاد السوق لا يعني التخلي عن دور الدولة، بل يتطلب إصلاحًا مؤسسيًا يعزز مناخ الاستثمار، ويحمي المستهلكين، ويضمن عدالة المنافسة.

ماذا عن المنتجات الأجنبية؟

غزت البضائع والمنتجات الأجنبية، كالتركية والإيرانية وغيرها مجهولة المصدر، الشوارع السورية، كالغذائيات والألبسة والأدوات الكهربائية والزجاجية، وهنا يرجح الاقتصاديون أنها إجراء روتيني ضمن آلية اقتصاد السوق الحر.

في حين تعالت أصوات التجار والصناعيين بضرورة ضبط دخولها، لأنها تعتبر منافسة شرسة للمنتج السوري، وبالتالي ستكون محاربة له، وستعوق عملية الإنتاج السوري.

وفي هذا السياق، يعتبر الدكتور عبد الرحمن محمد دخول هذه المنتجات ضمن اقتصاد السوق، حيث الحرية الكاملة للبيع والشراء.

وآثار هذه البضائع على الاقتصاد السوري عديدة، منها ما هو إيجابي، إذا تم استيراد مواد تدخل في عملياتنا الإنتاجية أو استيراد المعدات والآلات، أما الجانب السلبي فيكمن في حال استيراد مواد استهلاكية بكثرة منافسة للمنتج الوطني.

غياب خطة الضرائب

يعتقد الباحث محمد السلوم أن الإعفاءات الضريبية للإنتاج المحلي قد تساعد على تحريك الأسواق، لكنها في غياب خطة واضحة قد تتحول إلى عبء مالي على الدولة، فدون مصادر بديلة لتعويض الإيرادات، قد تتجه الحكومة نحو زيادة الضرائب غير المباشرة.

وأوضح أن الأمر قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وإضعاف القوة الشرائية للمواطنين، كما أن تخفيض الجمارك قد يشجع على إغراق الأسواق بالسلع المستوردة على حساب الإنتاج المحلي.

وبهذا الخصوص، تباينت آراء الأكاديميين والخبراء والباحثين الاقتصاديين حول آلية تطبيق اقتصاد السوق الحر، إذ يعارض تيار فكرة تطبيق الاقتصاد بشكل كلي، ما سينتج عنه كارثة اقتصادية للعجلة الإنتاجية في سوريا.

أما التيار الآخر فاعتبر أن تطبيق اقتصاد السوق الحر كليًا سيفرض المنافسة الحرة، وبالتالي ستلعب دورًا مفصليًا في التحكم بالأسعار.

تطبيق اقتصاد موجه

في ظل الوضع الحالي الذي تعيشه سوريا وخروجها من حرب دمرت معظمها، فالأولى في البداية تطبيق اقتصاد موجه ولو بشكل بسيط من قبل الحكومة، برأي الدكتور عبد الرحمن محمد، وخصوصًا في ظل انخفاض الدخول الحالية.

ورجح أنه في البداية سيتم منح تسهيلات للإنتاج من خلال الإعفاءات الضريبية والمساهمة في عودة الاستثمارات التي خرجت سابقًا من سوريا، وفي البداية ستتم الاستفادة من المساعدات من المنظمات الدولية.

ويعتقد أن رفع الرسوم الجمركية على البضائع الأجنبية سيؤثر على اقتصاد السوق الحر، فيجب تحديد الرسوم الجمركية على المستوردات بما يضمن استمرار المنافسة بالجودة والسعر بين المنتج الوطني والمستوردات الأجنبية وبشكل دقيق ومدروس.

وبذلك، تكون الرسوم الجمركية على المستوردات في حدود تجعل تكلفة استيرادها تساوي تكاليف المنتج الوطني البديل، ما يدفع الأخير لرفع مستوى الجودة، دون إلحاق الأضرار بالصناعة الوطنية.

وفي حال كانت الرسوم الجمركية منخفضة، فالنتيجة الحتمية تتجلى بعدم دخول الاستثمارات الصناعية وتراجع الإنتاج وانهيار الصناعة والزراعة وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة أرباح التجار على حساب تراجع أعداد المصانع.

وفي ختام حديثه، يعتقد الباحث محمد السلوم أن الاقتصاد السوري يقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، فإما أن يكون هناك إصلاح حقيقي قائم على العدالة الاقتصادية والشفافية، وإما أن تكون التغييرات مجرد إعادة تدوير للأزمات تحت شعارات جديدة، فالاقتصاد بحاجة إلى:

حماية الاستثمار المحلي وضمان استقرار الأسواق.
محاربة الاحتكار وفتح المجال أمام جميع المستثمرين.
إصلاح البنية التشريعية لجذب رؤوس الأموال الأجنبية.
إعادة هيكلة النظام المالي لوقف تدهور العملة المحلية.

الخبراء والأكاديميون الاقتصاديون في سوريا طالبوا في العديد من المناسبات بتحديد هوية الاقتصاد السوري خلال فترة النظام السابق، لمعرفة أي سياسة اقتصادية تطبق على الاقتصاد السوري.

ودعوا لتطبيق اقتصاد السوق الحر المفتوح منذ سنوات، لإسعاف الواقع الاقتصادي التي عانت منه سوريا، وللتخلص من سياسة الاحتكار التي أثرت بشكل كبير على ركائز الاقتصاد.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة