![تتوجه الحكومة المؤقتة في دمشق إلى خصخصة العديد من مؤسسات الدولة المتهالكة - 4 كانون الأول 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)](https://cdn.enabbaladi.net/arabic/wp-content/uploads/2025/02/syria-2-1.jpg)
تتوجه الحكومة المؤقتة في دمشق إلى خصخصة العديد من مؤسسات الدولة المتهالكة - 4 كانون الأول 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)
تتوجه الحكومة المؤقتة في دمشق إلى خصخصة العديد من مؤسسات الدولة المتهالكة - 4 كانون الأول 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)
عنب بلدي – جنى العيسى
يهدد توجه حكومة دمشق المؤقتة نحو خصخصة وبيع مؤسسات الدولة إيجاد حل للعديد من الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تعانيها البلاد والمواطنون، وسط عدم وجود توضيحات حول مدى ضمان عدم خسارة القطاع العام بشكل كامل.
توجه الحكومة نحو خصخصة القطاع العام وفق ما جاء على لسان عدة وزراء سيكون مصيرًا حتميًا للقطاع على اعتباره قطاعًا خاسرًا، إلا أن هذا التوجه وتوقيته يثير المخاوف المتعلقة بأثر هذه الخطوة على المواطنين، خاصة أن بعض الخبراء يرون أن التوقيت غير مناسب أساسًا لهذا التوجه.
التوجه نحو خصخصة القطاع العام، بدا واضحًا للمرة الأولى حين صرح وزير الخارجية في حكومة دمشق المؤقتة، أسعد الشيباني، أن الإدارة السورية الجديدة تخطط لخصخصة المواني والمصانع الحكومية، وتسعى لجلب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز التجارة الخارجية.
ووفق وزير الخارجية السوري، تبحث الحكومة السورية الجديدة عن شراكات بين القطاع العام والخاص لتشجيع الاستثمار في المطارات والسكك الحديدية والطرق، معتبرًا أن التحديات الحالية ستتمثل بإيجاد مشترين للمؤسسات التي كانت في حالة “تدهور” لسنوات في بلد “محطم ومعزول عن الاستثمار الأجنبي”.
وقبل أيام، قال وزير الاقتصاد، باسل عبد الحنان، إن الحكومة تسعى للتحول إلى “اقتصاد سوق حر تنافسي”، عبر خصخصة 107 شركات صناعية حكومية معظمها خاسرة، دون تسميتها على وجه الخصوص، مع الإبقاء على الأصول الاستراتيجية في قطاعي الطاقة والنقل تحت سيطرة الدولة.
وزير المالية، محمد أبازيد، قال بدوره، إن بعض الشركات المملوكة للدولة لم تكن سوى واجهات لإهدار المال العام، مضيفًا أن الحكومة تعتزم إغلاق تلك التي لا تقدم قيمة اقتصادية حقيقية.
كبيرة المتخصصين في الاستجابة للأزمات لدى منظمة العمل الدولية، مها قطاع، قالت إن الاقتصاد السوري ليس في وضع يسمح له بتوفير وظائف كافية في القطاع الخاص، معتبرة أن إعادة هيكلة القطاع العام “منطقية”، لكنها تساءلت عما إذا كان هذا يجب أن تكون أولوية للحكومة الانتقالية.
الباحث في مركز “سينشري إنترناشيونال” المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أرون لوند، انتقد بدوره توجه الحكومة بقوله إن “الحكومة تتحدث عن عملية انتقالية لكنها تتخذ قرارات كما لو كانت حكومة شرعية قائمة”.
الخصخصة هي عملية تحويل ملكية أو إدارة الأصول والخدمات التي تمتلكها الدولة (مثل الشركات الحكومية أو المواني) إلى القطاع الخاص بهدف تحسين الكفاءة وجذب الاستثمار وتقليل العبء المالي على الدولة.
تشمل الخصخصة بيع أصول الدولة إلى مستثمرين من القطاع الخاص أو إدخال شراكات بين القطاعين العام والخاص.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب” الدكتور محمد الغريب، قال لعنب بلدي، إنه لا شك في أن الاقتصاد السوري منهك بشكل كبير، حيث انخفض الناتج الإجمالي المحلي في سوريا إلى حوالي 23 مليار دولار في عام 2022، وفق أحدث إحصائية للبنك الدولي بعدما ما كان يقدّر بحوالي 67 مليار دولار في عام 2011.
بالإضافة إلى انخفاض قيمة الليرة السورية وتدني قيمة مختلف المؤشرات الاقتصادية وتدمير البنية التحتية في سوريا بنسبة كبيرة، فقد خلف نظام الأسد مؤسسات قطاع عام متهالكة وقائمة على الفساد والبيروقراطية ما جعلها مؤسسات خاسرة وعديمة الكفاءة، وهذا ما أثقل كاهل الحكومة السورية بالتركة التي خلفها النظام المخلوع.
وأضاف محمد الغريب، في حديث إلى عنب بلدي، أنه مع توجه الحكومة الانتقالية نحو “اقتصاد السوق الحر” فإن الاعتماد على الخصخصة يعد إحدى الأدوات الاقتصادية المفيدة والتي يمكن أن تنهض بالاقتصاد السوري ولكن بشرط.
واشترط الدكتور محمد الغريب أن تكون هذه الخصخصة مدروسة بعناية ودقة كبيرة مع دراسة التجارب الدولية في مجال الخصخصة ولا سيما الدول التي تتشابه مع سوريا من حيث عدد السكان والمساحة والمعطيات الاقتصادية، وإلا فستكون أضرار الخصخصة أكبر من فوائدها وستفتح بابًا للفساد والتدخلات الخارجية، ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الحكومة الانتقالية ليس من صلاحياتها اتخاذ قرارات استراتيجية مثل قرارات الخصخصة، بحسب رأيه.
يرى محمد الغريب، أنه يمكن الاعتماد على نوعين من الخصخصة بنفس الوقت بحيث يتم الاعتماد على الخصخصة الكلية لمؤسسات القطاع العام الصناعية، فعلى الصعيد العالمي، أثبت القطاع الخاص نجاحه في إدارة المؤسسات الصناعية أكثر من القطاع العام، ولا سيما أن مؤسسات القطاع العام الصناعية في سوريا متهالكة وتحتاج إلى كثير من التمويل لإعادة تفعليها وجعلها مؤسسات منتجة إذ يمكن بيع أصول هذه المؤسسات بشكل كامل.
في حين يتم الاعتماد على خصخصة عقود الإدارة في بعض مؤسسات الخدمة العامة، أي تبقى ملكية هذه المؤسسات للدولة السورية، ولكن إدارة هذه المؤسسات تتم من خلال شركات لديها خبرة كبيرة وقادرة على رفع الكفاءة التشغيلية لهذه المؤسسات وتستطيع تقديم خدمات بجودة عالية وتحقيق رضا المواطنين عن الخدمات، مثل مؤسسات الكهرباء والاتصالات والنقل والطرق.
برأيي يجب عدم إخضاع جميع قطاعات الخدمة العامة للخصخصة، على سبيل المثال مؤسسات التربية والتعليم العالي الحكومية يجب أن تبقى تحت إدارة الحكومة، لضمان توفير حق التعليم لجميع أفراد المجتمع وتخفيض تكاليف التعليم على المواطن، وضمان مساهمة التعليم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية وفق خطط الحكومة.
محمد الغريب
أستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حلب”
محمد الغريب أكد أن التوجه نحو الخصخصة سيسهم في زيادة الكفاءة التشغيلية لمؤسسات القطاع العام وتحسين مستوى الخدمات، وسيخفض من العبء على الموازنة العامة للدولة من خلال تخفيض الإنفاق الحكومي، وبنفس الوقت فإن الخصخصة ستجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في سوريا، حيث ستشكل فرص استثمارية كبيرة، وعلى صعيد مؤسسات القطاع العام ستتخلص الحكومة من المؤسسات الخاسرة وبنفس الوقت سيتحسن أداء المؤسسات الخدمية وتزيد معدلات النمو فيها.
حول رأس المال الذي سيرغب بهذا النوع من الاستثمارات، إذ يعتبر جزء جيد من هذه المؤسسات متوقفًا وخارجًا عن الخدمة بشكل جزئي أو كلي، قال الدكتور محمد الغريب، إن الخصخصة بشكل عام تجذب الشركات الكبيرة والتي لديها رأس مال ضخم، وهذه المؤسسات يمكنها تحمل مخاطر عالية، ولكن تتوقف هذه الاستثمارات على توفير المناخ الاستثماري الجاذب لها، وهذا يتطلب دراسة آليات الخصخصة بحيث تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني وبنفس الوقت تشكل فرصًا استثمارية كبيرة للشركات المحلية والعالمية.
الخصخصة أداة اقتصادية يمكن أن تكون فعالة لتحسين أداء الاقتصاد السوري، لكنها تحتاج إلى تنفيذ مدروس ومُحكم لضمان تحقيق الفوائد الاقتصادية دون تفاقم المشكلات الاجتماعية أو الاقتصادية، إذا لم يتم التعامل مع هذه العملية بشفافية وعدالة، فقد تسهم في زيادة الفقر وتفاقم الأزمات، بحسب الدكتور في الاقتصاد مخلص الناظر.
الباحث الاقتصادي مخلص الناظر أشار عبر “فيس بوك” إلى أن عملية الخصخصة تحتاج إلى دراسة دقيقة في السياق السوري نظرًا إلى التحديات الاقتصادية والسياسية القائمة.
حول الإيجابيات المحتملة من هذه العملية، أوضح الناظر أنها تتمثل بجذب الاستثمار الأجنبي، إذا تم تنفيذ الخصخصة بشفافية، وقد يؤدي ذلك إلى تدفق استثمارات خارجية كبيرة، فضلًا عن تحسين الكفاءة، إذ قد يكون القطاع الخاص أكثر قدرة على تحسين تشغيل المواني والشركات الحكومية، بالإضافة إلى تقليل الأعباء المالية، إذ قد يقلل بيع الشركات الخاسرة أو إدخال شركاء من الضغط المالي على الحكومة.
فيما يتعلق بالتحديات والسلبيات التي قد تواجه هذه الأداة، يمكن أن يقلل الوضع السياسي غير المستقر والعقوبات الدولية من جاذبية سوريا للاستثمار، وهناك تحدٍّ يتعلق بالفساد وعدم الشفافية، إذا لم تُدار الخصخصة بشكل شفاف، قد تستغل لتحقيق مكاسب شخصية بدلًا من خدمة الاقتصاد، بحسب الباحث.
وأشار الدكتور في الاقتصاد إلى أن الخصخصة قد تؤدي إلى فقدان العديد من العمال لوظائفهم إذا قرر المستثمرون خفض التكاليف، كما قد ينتهي الأمر ببيع الأصول لجهات محدودة محلية أو دولية، ما يمكن أن يؤدي إلى احتكار أو سوء استخدام الموارد.
شروط نجاح الخصخصة في سوريا
- إصلاح البيئة القانونية: توفير قوانين تضمن الشفافية والمنافسة العادلة.
- محاربة الفساد: ضمان أن تكون العمليات واضحة وتخدم المصلحة العامة.
- دراسة شاملة: تحديد القطاعات التي يمكن أن تستفيد من الخصخصة مع حماية القطاعات الاستراتيجية.
- حماية العمالة: وضع شروط تضمن حقوق العاملين ومنع تسريحهم بشكل عشوائي.
- تحفيز الاستثمار: تقديم تسهيلات للمستثمرين مع ضمان عدم التلاعب أو الاحتكار.
مخلص الناظر
دكتور في الاقتصاد
خصخصة أصول القطاع العام هي واحدة فقط من طيف من الأدوات المختلفة التي يمكن أن يلجأ لها المخطط الاقتصادي لتنفيذ خططه الاقتصادية التنموية والخدمية، ولا يمكن التهليل لأي من الأدوات الاقتصادية أو شيطنتها دون مناقشة الخطة الاقتصادية الواسعة وطبيعة أهدافها على المدى القصير والمتوسط والطويل، بحسب ما يرى المحلل الاقتصادي والسياسي في شؤون الشرق الأوسط، الأكاديمي محمد صالح الفتيح.
الفتيح أشار، عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك“، إلى أن الخطة الاقتصادية يجب أن تكون سليمة، ويجب أن يكون دور الخصخصة وهدفها واضحًا ومبررًا بشكل سليم، ولا بد من الحذر، فأمثلة الدول التي فشلت بوضع الخطط الاقتصادية السليمة وأساءت استخدام الخصخصة هي أكثر بكثير من الأمثلة الناجحة، وما يجب الحذر منه في حالة سوريا تحديدًا هو ألا يتم تبذير أصول القطاع العام لتغطية النفقات الجارية للحكومة، كما فعلت حكومة بوريس يلتسين في روسيا في 1995.
الخصخصة مجرد أداة من بين أدوات اقتصادية عدة، فأي مخطط اقتصادي سيواجه مهمة تحديد مصادر الدخل وأوجه الإنفاق الاستثماري والإداري. وفي سبيل تحقيق التوازن بين الدخل والإنفاق، قد يلجأ المخطط الاقتصادي للاقتراض الداخلي أو الخارجي، سواء من المؤسسات المالية، أو عبر إصدار سندات الدين.
المخطط الاقتصادي الحكومي قد يجد أن بعض مؤسسات القطاع العام الخدمية، خصوصًا الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل، بحاجة إلى تطوير باهظ التكلفة، والحكومة لا تمتلك مصادر التمويل، ولا ترغب في الاقتراض لخشيتها من الفشل بإدارة هذه المشاريع بشكل يحقق الكفاءة التشغيلية ويضمن الربحية، فيكون خيار المخطط الاقتصادي هو خصخصة هذه القطاعات سواء عبر بيعها بالكامل أو عبر منح القطاع الخاص حقوق تشغيلها مقابل قيام القطاع الخاص بتحديثها على نفقته وتشغيلها بشكل يرضي المستخدمين من المواطنين والتعهد بإعادة هذه القطاعات بحالة فنية سليمة عند انتهاء العقد.
وأضاف الفتيح أن المخطط الاقتصادي قد يلجأ تحديدًا لخطوة إشراك القطاع الخاص عندما تكون هناك حاجة إلى بناء جيل جديد من مشاريع البنى التحتية، كما قد يضطر المخطط الاقتصادي لخصخصة أصول الدولة لسد ثغرات مالية في الإنفاق الحكومي، خصوصًا الجاري منه، وهذا أسوأ أنواع الخصخصة، وذلك بحسب تجارب الدول المختلفة، فاضطرار الحكومة للخصخصة لتغطية الإنفاق الجاري يضعها في موقف ضعيف للغاية أمام المشترين المحتملين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى