فرح.. بكاء.. نشاط.. انطواء.. الاضطراب ثنائي القطب

د. أكرم خولاني

يصاب بعض الأشخاص بتذبذبات شديدة بالمزاج تتدرج من الفرح والنشاط والطاقة العالية إلى الحزن والبكاء والانطواء على النفس، وتعتبر هذه التقلبات المزاجية غير سوية، وتعرف هذه الحالة المرضية بـ”الاضطراب ثنائي القطب”.

ما المقصود بالاضطراب ثنائي القطب

الاضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder)، المعروف سابقًا باسم الاكتئاب الهوسي، هو حالة صحية تُسبب تقلبات مزاجية حادة تنطوي على ارتفاعات بالمزاج (الهوس أو الهوس الخفيف) وانخفاضات بالمزاج (الاكتئاب).

ربما تحدث نوبات من التقلبات المزاجية بين الاكتئاب والهوس بصورة نادرة، أو تتكرر عدة مرات في العام، وعادة ما تستمر هذه النوبات عدة أيام، وينعم بعض المرضى بين النوبات بفترات طويلة من الاستقرار العاطفي.

يمكن أن تحدث الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب في أي عمر، لكن عادة ما يجري تشخيص الإصابة بها في أثناء سنوات المراهقة أو أوائل العشرينيات، كما قد تظهر الأعراض عند النساء لأول مرة خلال فترة الحمل أو بعد الولادة.

ولاضطراب ثنائي القطب ثلاثة أنواع:

• الاضطراب ثنائي القطب من النوع الأول: يشير إلى الإصابة بنوبة هوس واحدة على الأقل قد تسبقها أو تليها نوبات هوس خفيف أو نوبات اكتئاب شديدة.
• الاضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني: يشير إلى الإصابة بنوبة اكتئاب شديدة واحدة على الأقل ونوبة هوس خفيف واحدة على الأقل، ولكن لا تحدث فيه الإصابة بنوبات هوس على الإطلاق.

أي أنه يمكن لنوبات الهوس في النوع الأول أن تكون حادة وخطيرة، بينما يمكن للأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني أن يصابوا بالاكتئاب لفترات أطول.

• اضطراب دورية المزاج: يشير إلى الإصابة بنوبات عديدة من أعراض الهوس الخفيف أو نوبات من أعراض الاكتئاب على مدار عامين على الأقل أو عام واحد في الأطفال والمراهقين، إلا أن هذه الأعراض تكون أقل حدة من أعراض الاكتئاب الشديد.

ما أسباب الإصابة باضطراب ثنائي القطب

لا يزال سبب الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب غير معروف، إلا أنها قد تُعزى إلى العوامل التالية:

• تغيرات بيولوجية: يبدو أن الأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب يصابون بتغيرات عضوية في الدماغ.
• خصائص وراثية: فقد تبين أن الاضطراب ثنائي القطب أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين لديهم أقارب من الدرجة الأولى مصابون بهذه الحالة، مثل أحد الأشقاء أو الوالدين.

كما أن هناك بعض العوامل التي تؤدي إلى ظهور الأعراض، وأهمها:

• الإجهاد النفسي الشديد.
• المشكلات الشديدة في الحياة اليومية كالمشكلات المالية، أو الإيقاف عن العمل، أو انتهاء العلاقات.
• الأحداث المؤثرة في الحياة مثل وفاة أحد المقربين.
• قلة النوم.
• شرب الكحول والمخدرات.

ما أعراض اضطراب ثنائي القطب

يمر المريض المصاب بالاضطراب ثنائي القطب بنوبات من الاكتئاب ونوبات من الهوس أو الهوس الخفيف، وقد يمر أحيانًا بفترات من المزاج الطبيعي، كما قد يعاني المصاب من أعراض الاكتئاب والهوس معا (الحالة المختلطة) فيلاحظ عليه فرط النشاط مع مزاج مكتئب.

علمًا أن هناك فرقًا بين الهوس والهوس الخفيف:

الهوس (نوبة الهوس): تكون الأعراض شديدة وتؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأداء الاجتماعي والمهني، وقد تتضمن أعراضًا نفاسية، وتستمر لمدة لا تقل عن أسبوع.

الهوس الخفيف (تحت الهوس): تكون الأعراض خفيفة أو متوسطة دون أن تسبب عجزًا كبيرًا في الأداء الاجتماعي أو المهني، وتستمر لفترة لا تقل عن 4 أيام.

وتشمل نوبات الهوس والهوس الخفيف ثلاثة أو أكثر من الأعراض التالية:

• أكثر نشاطًا أو طاقة أو انفعالًا من المعتاد.
• الشعور بإحساس مشوه بالرفاه أو الثقة بالنفس بشكل مفرط.
• انخفاض الحاجة إلى النوم عن المعتاد.
• التحدث كثيرًا وبسرعة على غير المعتاد.
• الأفكار المتسارعة أو الانتقال بسرعة من موضوع إلى آخر.
• سهولة تشتيت الانتباه.
• اتخاذ قرارات غير سليمة، كالإسراف في الشراء بشكل مستمر، أو المخاطرة جنسيًا، أو القيام باستثمارات حمقاء.

أما نوبة الاكتئاب فتتضمن خمسة أعراض أو أكثر مما يأتي:

• انخفاض المزاج، الشعور بالحزن أو الفراغ أو اليأس أو البكاء، وقد يبدو الأطفال والمراهقون المصابون بالاكتئاب سريعي الاستثارة أو غاضبين أو عدائيين.
• فقدان الاهتمام بشكل ملحوظ أو عدم الشعور بالسعادة في جميع الأنشطة أو معظمها.
• فقدان كثير من الوزن بسبب قلة الأكل، أو الإفراط في الأكل وزيادة الوزن.
• النوم لفترات محدودة للغاية أو طويلة للغاية.
• الشعور بالقلق أو التصرف بشكل أبطأ من المعتاد.
• الشعور بالتعب الشديد أو فقدان الطاقة.
• الشعور بعدم القيمة أو الشعور بالذنب الشديد أو الشعور بالذنب عندما لا يكون ذلك ضروريًا.
• صعوبة التفكير أو التركيز، أو عدم القدرة على اتخاذ القرارات.
• التفكير في الانتحار أو التخطيط له أو محاولة الانتحار.

قد تتضمن العلامات الأكثر ظهورًا للاضطراب ثنائي القطب لدى الأطفال والمراهقين التقلبات المزاجية الشديدة المختلفة عن تقلباتهم المزاجية المعتادة، ولكن قد يكون من الصعب تحديد أعراض اضطراب ثنائي القطب لدى هؤلاء، وغالبًا ما يكون من الصعب معرفة ما إذا كانت هذه الأعراض هي التقلبات المعتادة أو بسبب التوتر أو الصدمة النفسية، أو ما إذا كانت مؤشرات على وجود مشكلة في الصحة العقلية غير اضطراب ثنائي القطب.

كيف يمكن تشخيص الحالة

يكون الاعتماد الأساسي في التشخيص على العلامات والأعراض التي تم ذكرها سابقًا، إذ يقوم الطبيب بإجراء لقاء مفصل مع المريض ومن حوله لأخذ التاريخ المرضي.

وعادة ما يتم تشخيص مرض ثنائي القطب من النوع الأول إن مر المريض بنوبة هوس واحدة على الأقل، أو بنوبات مختلطة، وقد يتضمن ذلك وجود نوبات اكتئابية أو لا.

بينما يتم تشخيص مرض ثنائي القطب من النوع الثاني في حال مر المريض بنوبتي اكتئاب شديد على الأقل، ونوبة هوس خفيف واحدة على الأقل.

ماذا عن العلاج

يعد أفضل علاج لمرض ثنائي القطب مزيجًا من الأدوية والعلاج النفسي، ويجب أن يتلقى المريض علاجًا طوال حياته، لذلك فإنه لا يمكن تحديد مدة علاج مرض ثنائي القطب.

الأدوية

يلجأ الأطباء في كثير من الأحيان لعلاج أعراض الهوس المرتبطة بالاضطراب الثنائي القطب باستخدام مجموعة واحدة من الأدوية، واستخدام أدوية أخرى لعلاج الاكتئاب، وتستخدم بعض الأدوية أيضا للمحافظة على مزاج ثابت، وتشمل هذه الأدوية:

الأدوية المثبتة للمزاج: تساعد مثبتات المزاج على السيطرة على نوبات الهوس أو الهوس الخفيف، وقد تساعد على علاج نوبات الاكتئاب، ومن أمثلتها الليثيوم (Lithobid) وحمض الڤالپرويك وثنائي فالوبروكس الصوديوم (Depakote) وكاربامازيبين (Tegretol) ولاموترجين  (Lamictal).

الأدوية المضادة للذهان: تتميز الأدوية المضادة للذهان بخصائص تساعد على تثبيت الحالة المزاجية، لذا تستخدم لعلاج نوبات الهوس أو الهوس الخفيف أو علاج المداومة، يمكن استخدام مضادات الذهان وحدها أو مع مثبتات المزاج، ومن أمثلتها أولانزابين (Zyprexa) وريسبيريدون (Risperdal) .

مضادات الاكتئاب: تستخدم بحذر للمساعدة على علاج الاكتئاب، إذ قد يؤدي مضاد الاكتئاب في بعض الأحيان إلى حدوث نوبة هوس أو هوس خفيف، لذلك يجب وصف مثبتات المزاج أو الأدوية المضادة للذهان مع مضادات الاكتئاب.

الجمع بين مضادات الاكتئاب ومضادات الذهان: يجمع الدواء سيمبيكاس بين عقار فلوكسيتين المضاد للاكتئاب والأُولانزابين المضاد للذهان، وقد اُعتمِد هذا الدواء لعلاج اكتئاب الاضطراب ثنائي القطب.

الأدوية المضادة للقلق: قد تخفف أدوية البنزوديازيبينات من القلق أو تحسن النوم، لكن عادة ما تستخدم لفترة قصيرة.

العلاج النفسي

هناك العديد من أنواع العلاج قد تحقق فائدة، ومنها:

العلاج الإيقاعي الشخصي الاجتماعي: يُركز هذا النوع من العلاج على تثبيت إيقاعات الأنشطة اليومية، مثل مواعيد النوم والاستيقاظ وتناول الوجبات، لأن الحفاظ على روتين يومي ثابت يساعد على السيطرة على الحالة المزاجية.

العلاج السلوكي المعرفي: يركز على التعرف إلى المعتقدات والسلوكيات غير الصحية والسلبية واستبدال أخرى صحية وإيجابية بها.

التثقيف النفسي: التعرف إلى الاضطراب ثنائي القطب، فهذا يساعد للحصول على أفضل دعم، وتحديد المشكلات، ووضع خطة لمنع عودة الأعراض والالتزام بالعلاج.

العلاج المرتكز على دعم العائلة: يمكن للدعم والتواصل العائلي أن يساعدا على الالتزام بالخطة العلاجية.

علاجات أخرى

المعالجة بالصدمات الكهربائية (ECT): تُمرَّر تيارات كهربائية عبر الدماغ، ما يؤدي إلى حدوث نوبة صرع قصيرة، وهذا يغير كيمياء الدماغ، ما قد يؤدي إلى عكس أعراض بعض الأمراض العقلية.

قد تكون المعالجة بالصدمات الكهربائية خيارًا لعلاج الاضطراب ثنائي القطب إذا لم تنجح المعالجة بالأدوية أو لا يمكن تناول مضادات الاكتئاب لأسباب صحية مثل الحمل أو كان هناك خطر مرتفع لمحاولة الانتحار.

التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة (rTMS): تُحفز الموجات المغناطيسية الدماغ لتقليل الاكتئاب، وتعتبر خيارًا للأشخاص المصابين بالاضطراب ثنائي القطب والذين لم يستجيبوا للعلاج بمضادات الاكتئاب، لكنها ليست بفعالية المعالجة بالصدمات الكهربائية.