tag icon ع ع ع

حسن إبراهيم | خالد الجرعتلي | علي درويش

على ركام منزله المدمر في حي جوبر الدمشقي، سجد محمد فرحًا بعودته إلى سوريا بعد 11 عامًا من الانتظار، بمشاعر مختلطة متناقضة بين شوق لـ”تراب الوطن بعد سقوط الأسد”، وحزن على أحياء بلا أحياء، بدت موحشة دون سكانها، ومتهالكة تلفظ أنفاسها الأخيرة.

“جوبر بحاجة عشر سنوات حتى تعمر”، بعد أنفاس حرّة وتنهيدة يائسة وجولة في أزقة متعَبة غائبة المعالم، قال الشاب إن الوضع العمراني كارثي، فالدمار و”التعفيش” طال كل شيء من منازل ودور عبادة وقبور، وحتى الأبنية الصامدة تبدو كألغام ستنفجر في أي لحظة، لأن شبكات الأنفاق تخترق أرضيتها وتقطع أوصالها.

بقي محمد 17 يومًا في سوريا، قضى ليلها في فندق بالعاصمة، ونهارها بجولات لبعض المحافظات، وربط عودته من ألمانيا إلى الاستقرار في سوريا بإعادة الإعمار في الحي، وتوفر الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وإنترنت، وتحسن الوضع الاقتصادي، وضبط التجاوزات الأمنية، واستقرار حالة التعليم من أجل أطفاله.

محمد، واحد من مئات آلاف السوريين الذين حرّك سقوط النظام السوري، وهروب بشار الأسد، رغبتهم بالعودة إلى بلادهم للزيارة أو الاستقرار، وسط تردد وحيرة بشأن البقاء في بلد أنهكته الحرب، وتركه النظام وقواته متهالكًا متصدعًا في جميع القطاعات، ما حوّل سوريا إلى أكثر الدول تصديرًا للاجئين في العالم، إذ تشير الأرقام الأممية إلى أن 6.3 مليون سوري فروا خارج البلاد منذ 2011 حتى منتصف عام 2024.

لسنوات، شغل ملف تدفق السوريين إلى الخارج أروقة ودوائر صنع القرار في سياسات الدول، وكان اللاجئ السوري ورقة على طاولة المفاوضات، فطالبت بعض الدول بعودة السوريين، وبعضها حث على اعتماد مناطق آمنة في سوريا بظل حكم بشار الأسد المخلوع، ومنها أوقف طلبات اللجوء واستقبل العمال فقط، وبعضها رحّل السوريين قسرًا، بعدما اعتبرت أن وجودهم على أراضيها صار يشكل عبئًا سياسيًا.

في هذا الملف، تستطلع عنب بلدي آراء لاجئين ومغتربين سوريين حول رغبتهم بالعودة إلى سوريا، ودوافع وموانع البقاء فيها، وتسلط الضوء على ملف العودة، وتحركات الدول لإعادة اللاجئين، والظروف المتاحة لعودة “آمنة كريمة” لا تأتي بانعكاسات سلبية وتفاقم أزمات أخرى، وتناقش مع خبراء وباحثين إمكانية العودة ومآلاتها.

توقعات بعودة 1.5 مليون لاجئ..

ما رأي السوريين؟

سقوط نظام الأسد دفع لاجئين في دول الجوار للإسراع في العودة إلى سوريا من المعابر البرية الرسمية، مع عودة عائلات من لبنان عبر الطرق غير الرسمية من منطقتي عرسال ووادي خالد، تبعها التوافد عبر مطار “دمشق الدولي”.

وعاد نحو 500 ألف سوري إلى بلدهم منذ 27 من تشرين الثاني 2024 (منذ بدء معركة درع العدوان) حتى شباط الحالي، مع توقعات بعودة ما يصل إلى 1.5 مليون لاجئ سوري من الدول المجاورة، ومليوني نازح إلى مناطقهم داخل سوريا، خلال عام 2025.

ولم تمضِ ساعات على إعلان هروب بشار الأسد باتجاه موسكو، حتى بدأت التغييرات تطرأ على آليات التعاطي مع اللاجئين السوريين خصوصًا في الدول الأوروبية، إذ قررت المملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية تعليق دراسة ملفات طالبي اللجوء السوريين، ريثما يتضح شكل سوريا الجديد، وتعيد تلك الدول تقييمها حول الوضع.

من جانبها، وصفت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الوضع الحالي في سوريا بأنه “غير مؤكد ومتغير للغاية”، لكنها اعتبرت في الوقت نفسه أن “تعليق معالجة طلبات اللجوء المقدّمة من السوريين أمر مقبول طالما أن هؤلاء الأشخاص يستطيعون التقدم بطلبات اللجوء”.

وشددت المفوضية عبر بيان، على أهمية تسلّم ملفات طالبي اللجوء السوريين، واستمرار منح طالبي اللجوء السوريين الذين ينتظرون استئناف البت بشأن طلباتهم نفس الحقوق التي يتمتع بها جميع طالبي اللجوء الآخرين، بما في ذلك فيما يتعلق بشروط الاستقبال.

وأضافت، “لا ينبغي إعادة أي طالب لجوء قسرًا، لأن هذا من شأنه أن ينتهك التزام الدول بمبدأ عدم الإعادة القسرية”.

بينما لا يزال ملايين اللاجئين السوريين يحاولون تقييم الوضع المتغير بسرعة، ويفكرون بمستوى الأمان في سوريا وبمدى احترام حقوقهم قبل أن يتمكنوا من اتخاذ قرار طوعي مستنير بالعودة إلى ديارهم.

ولا يزال الوضع الإنساني والاقتصادي قاتمًا ومعقدًا في سوريا، إذ يحتاج 16.7 مليون شخص إلى المساعدات الإنسانية، ويحتاج نحو 15 مليون سوري إلى خدمات صحية، ويواجه 13 مليونًا انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، في حين وصل عدد النازحين في سوريا إلى 7.4 مليون شخص.

رئيس وزراء حكومة دمشق المؤقتة، محمد البشير، قال في بداية تسلمه زمام الحكومة بعد سقوط النظام، إنه تسلم الخزينة السورية فارغة من النقد الأجنبي، ولا يوجد سوى الليرة السورية التي “لا تساوي شيئًا”.

عودة لاجئين سوريين من تركيا إلى سوريا بعد سقوط النظام السوري السابق - 29 كانون الأول 2024 (معبر باب الهوى)

عودة لاجئين سوريين من تركيا إلى سوريا بعد سقوط النظام السوري السابق – 29 كانون الأول 2024 (معبر باب الهوى)

ماذا يقول السوريون؟

الرغبة ليست كافية للعودة والاستقرار بشكل نهائي في سوريا، فالواقع الهش اقتصاديًا وأمنيًا وخدميًا بدد هذه الرغبات، وهذا ما عكسه استطلاع لآراء الجمهور من المغتربين واللاجئين السوريين، أجرته عنب بلدي، وشمل 56 شخصًا في بلدان مختلفة، هي ألمانيا وتركيا والنمسا ولبنان والكويت والسعودية.

وفق الاستطلاع، كان 66.1% من المشاركين بالاستبيان راغبين بالعودة، و19.6 لا يرغبون، و14.3 لا يعلمون أو لا يفكرون حاليًا.

أما الموافقة على العودة التي بلغت نسبتها 66.1%، فانقسمت بين استقرار في سوريا، وزيارة فقط، وزيارة حاليًا مع رغبة في الاستقرار مستقبلًا، وزيارة حسب استقرار الأوضاع الاقتصادية والأمنية، وكانت الإجابات على النحو التالي:

استطلاع لآراء الجمهور من المغتربين واللاجئين السوريين

الدول تضغط لعودة اللاجئين

بعد يوم من سقوط النظام السابق، علّقت ألمانيا طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، حتى تتضح التطورات السياسية في سوريا، ويسري قرار التجميد على نحو 46 ألفًا و270 طلب لجوء قيد الدراسة.

وقالت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، في 5 من كانون الثاني الماضي، إن الوزارة وضعت خطة للتعامل مع اللاجئين في البلاد، وإنه بموجب القانون الألماني سيقوم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بفحص وإلغاء الحماية الممنوحة، إذا لم يعد اللاجئون في ألمانيا بحاجة إلى هذه الحماية.

ووضعت الوزيرة الألمانية خطة من أربع خطوات للتعامل مع ملف اللاجئين، تتجلى بأن أي شخص مندمج جيدًا ويعمل وتعلم اللغة الألمانية ووجد منزلًا جديدًا، يمكن السماح له بالبقاء في ألمانيا.

تعد ألمانيا من أكبر الدول الأوروبية التي تستقبل لاجئين سوريين، إذ بلغ عددهم 974 ألفًا و136 شخصًا، حتى تشرين الأول من عام 2024، ويطلب أكثر من ثلثي الأشخاص الحماية.

كما علقت كل من النمسا واليونان وفرنسا والنرويج البت بطلبات اللجوء للسوريين.

واتخذت تركيا والأردن عددًا من الإجراءات لتسهيل عودة اللاجئين، كما تدرس الحكومة الألمانية السماح للاجئين السوريين بالقيام برحلة واحدة إلى وطنهم، دون أن يؤثر ذلك على وضعهم كلاجئين في ألمانيا.

السلطات الأردنية سمحت للسوريين بمغادرة البلاد باستخدام البطاقة الأمنية أو جوازات السفر المنتهية الصلاحية، لتسهيل عودتهم دون أي تعقيدات.

أما الإجراءات التي اتخذتها تركيا لتسهيل عودة اللاجئين السوريين فتشمل:

  • السماح لأحد أفراد العائلة بزيارة سوريا ثلاث مرات تمهيدًا لعودتهم خلال الأشهر الستة الأولى من 2025.
  • السماح للسوريين الذين يستخدمون سياراتهم في تركيا بمغادرة البلاد بسهولة بعد إجراء عملية التسجيل لدى الكاتب العدل، إلى جانب نقل أثاثهم.
  • إعفاء السوريين العائدين إلى بلادهم من شرط المعاملات البنكية لتحويل الأموال، ما يسهل عليهم نقل الأموال عبر المعابر التركية دون الحاجة إلى إجراء أي معاملات مصرفية.
  • تعديل بعض الإجراءات المتعلقة بحمل الأموال والمجوهرات عند المغادرة، حيث يسمح للأفراد بحمل مبالغ تصل إلى 10 آلاف يورو أو 25 ألف ليرة تركية، بينما يتم إجراء المعاملات البنكية على المبالغ التي تتجاوز هذه الحدود.
  • رفع القيود على المجوهرات الشخصية التي تزيد قيمتها على 15 ألف دولار أمريكي.
  • تسهيل حركة السوريين عبر المعابر وعمل المعابر على مدار الـ24 ساعة.

للزيارة لا أكثر

يرى الحقوقي السوري ومدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، محمد العبد الله، أن آلاف السوريين سيعودون إلى بلادهم، لكن لغرض الزيارة لا أكثر، مشيرًا إلى أن العودة النهائية للاستقرار داخل سوريا هي “سؤال كبير”، لأن سبع محافظات رئيسة في سوريا مدمرة، ما يعني أن نواحي الحياة اليومية مدمرة في كثير من المدن حتى بمحيط محافظة دمشق.

وقال العبد الله، لعنب بلدي، إن سوريا تفتقر إلى مقومات حيّة يعود إليها السوريون للاستقرار، إذ لا تقتصر الأضرار على دمار الأبنية، بل المدارس، والمؤسسات الخدمية، والبنى التحتية، والمستشفيات.

ولفت إلى أن من يرغب بالعودة للاستقرار اليوم هم إما أفراد لا تخوّلهم أوراقهم الثبوتية البقاء في أماكن لجوئهم، أو تعرضوا لمضايقات قانونية، مثلما يحدث بدوائر الهجرة في تركيا.

سباق أوروبي

ملف اللجوء وعودة اللاجئين معقد جدًا لدى الدوائر القانونية الأوروبية، وهو ما أظهرته تحركات الدول الأعضاء في الاتحاد لإعداد لوائح جديدة تنظّم حالات اللجوء الإنساني منذ أكثر من عامين، وستكون سارية المفعول بدءًا من آذار المقبل، وفق ما يراه الباحث في شؤون الحوكمة الدكتور باسم حتاحت.

الباحث قال، لعنب بلدي، إنه منذ الإطاحة بنظام الأسد، سارعت مجموعة من الدول لتعليق طلبات اللجوء الجديدة وتأخرت بالبت بطلبات أخرى لا تزال عالقة، في وقت بدأت فيه بالتأخر في تجديد إقامات السوريين الذين دخلوا البلدات الأوروبية عن طريق معاملات لم الشمل، وخاصة ممن لم يلتزموا بقوانين العمل وتعلم اللغة والاندماج.

وأضاف أن أول خطوة عملية اتخذتها الدول الأوروبية نحو سوريا دون الأسد، كانت المبادرة بتعليق العقوبات على دمشق لسببين أساسيين، الأول إعادة رسم معالم إعادة الإعمار والتعافي المبكر، والثاني إنهاء تصنيف سوريا كبلد غير آمن، وترتيب إعادة اللاجئين الذيم لم يحصلوا على الإقامات الدائمة أو الجنسية.

ولعب الأوروبيون، وفق حتاحت، خلال 60 يومًا بعد إسقاط النظام، أدوارًا مختلفة لتسريع وتيرة التعاون القانوني والدعم المادي واللوجستي، وكذلك دفعت مجموعة من الدول العربية للإسراع بالعمل داخل الأراضي السورية لإعادة تأهيل جزء من البنية التحتية أهمها الكهرباء، والتداول المالي، والانفتاح الاقتصادي.

منازل وأبنية مدمرة على يد قوات النظام السوري السابق في حي الوعر بمدينة حمص - 29 كانون الثاني 2025 (الدفاع المدني السوري)

منازل وأبنية مدمرة على يد قوات النظام السوري السابق في حي الوعر بمدينة حمص – 29 كانون الثاني 2025 (الدفاع المدني السوري)

أربع خطوات لضمان عودة آمنة

جملة الأسباب التي تمنع السوري من العودة هي قلة فرص العمل في سوريا، وتردي الواقع الاقتصادي والمعيشي والخدمي، واضطراب الوضع الأمني، وعدم الوضوح السياسي، وجزء آخر من السوريين لا يرغبون بالعودة حاليًا بسبب أوضاعهم القانونية غير المكتملة، وعدم حصولهم على إقامات تمكنهم من التنقل بحرّية، ورغبتهم بعدم فقدان حقهم في اللجوء.

ويبقى الأهم بالنسبة للاجئين هو العودة الآمنة والكريمة لبلداتهم، فحجم الدمار والأوضاع الاقتصادية والإنسانية هي عوائق أساسية لعودتهم.

مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، كرم شعار، ذكّر بالاستطلاعات التي كانت تجريها الأمم المتحدة للاجئين السوريين في دول الجوار لاستكشاف العوائق الأساسية أمام عودتهم، وكان ترتيبها يبدأ من سوء الأوضاع المعيشية وعدم توفر فرص العمل، إلى جانب انخفاض الأمن، وغياب الخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء، وغياب المسكن، ووجود خدمة عسكرية إلزامية على الذكور.

وقال شعّار، لعنب بلدي، إن الأولويات التي رصدتها الأمم المتحدة مرارًا التي تمنع السوريين من العودة لم تتغير، ولا يمكن حصول تغيير جذري فيما يتعلق بعودة السوريين إلا بزوال هذه العوامل مجتمعة.

وأضاف أن التعافي في سوريا الذي قد يمهّد لعودة السوريين يحتاج إلى إزالة العوائق التي سبق ورصدتها الأمم المتحدة من آراء السوريين أنفسهم، إلى جانب العقوبات المفروضة على الاقتصاد السوري حتى اليوم.

وفي ظل موانع لعودة واسعة النطاق، لفت شعّار إلى وجود دوافع أيضًا، إذ قال إن تصاعد الخطاب العنصري، والعدوانية ضد اللاجئين، ومعاملتهم على أنهم أقليات غير مرغوب فيها، يدفع ببعضهم إلى العودة دون النظر إلى الواقع القائم في سوريا.

مسؤولة التواصل في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، نور الخطيب، قالت لعنب بلدي، إن العودة الآمنة تعني ضمان أن اللاجئ العائد لن يتعرض للاعتقال أو الانتقام أو الاضطهاد وأي انتهاكات أخرى قد تشكل خطرًا عليه، وأن تتوفر له مقومات الحياة الكريمة من أمن وسكن وخدمات أساسية، إضافة إلى تهيئة البيئة القانونية وإلغاء أي قرارات تعسفية تعرض لها، من سلب ممتلكات ومصادرتها وأحكام صدرت ضده، وتسهيل منحه الوثائق القانونية الخاصة به وغيرها.

وحتى تتحقق هذه الشروط، وفق نور الخطيب، هناك عدة خطوات يجب اتخاذها:

  • وفر بيئة آمنة: وما يتضمنه ذلك من استقرار أمني ووقف الاشتباكات والتفجيرات والعمليات العسكرية، وكذلك ضمان عدم تعريضهم للملاحقات والاعتقالات بسبب آرائهم أو انتماءاتهم.
  • ضمانات قانونية دولية: عبر إصدار ضمانات واضحة من الأمم المتحدة والدول الفاعلة بأن العائدين لن يتعرضوا لأي انتهاكات، وإنشاء آلية رقابة دولية تتابع أوضاع العائدين، وتضمن محاسبة أي جهة تنتهك حقوقهم.
  • حلول للأوضاع المعيشية: أي توفير البنية التحتية الأساسية، مثل الكهرباء والمياه والتعليم والصحة، وضمان حق العائدين في استعادة ممتلكاتهم، أو الحصول على تعويض عادل إن لم يكن ذلك ممكنًا، وتوفير فرص العمل، وإعادة دمج اللاجئين في المجتمع بشكل يحفظ كرامتهم.
  • ضمانات من الدولة المضيفة: بإعطاء اللاجئين حرية الاختيار وعدم إجبارهم على العودة القسرية، وتوفير معلومات شفافة حول أوضاع المناطق التي يرغبون في العودة إليها، وتقديم دعم قانوني لمن يحتاجون إلى استعادة وثائقهم الرسمية.

وأشارت نور الخطيب إلى أن تحقيق كامل هذه الشروط حتى الآن غير متوفر في سوريا، ونلاحظ أن هناك سعيًا من الحكومة الانتقالية لتهيئة العودة، ولكنها تعتقد أن الوضع ما زال مبكرًا.

وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، قال لوكالة الأنباء الألمانية، الشهر الماضي، إنه لا توجد حاجة لعودة اللاجئين السوريين من ألمانيا بشكل سريع، مضيفًا “إنهم بأمان هناك”.

وبحسب المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فيليبو غراندي، فإن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم ستستغرق وقتًا طويلًا.

في 30 من كانون الثاني، قال غراندي لقناة “المملكة” الأردنية، إن العديد من اللاجئين ينتظرون ما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا خلال الفترة المقبلة لاتخاذ قرار العودة.

وسبق ذلك بثلاثة أيام دعوة غراندي إلى تحرك دولي لدعم السوريين العائدين، مشيرًا إلى ضرورة توفير الدعم لإعادة بناء المنازل والبنية التحتية واستعادة الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والكهرباء والمياه النظيفة، فالأسر “تواجه صعوبات هائلة” في العودة.

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، حذر بعد ثلاثة أسابيع من سقوط النظام من أن سوريا لا تزال تواجه “تهديدًا ثلاثي الأبعاد”، يتمثل في انعدام الأمن وأزمتين اقتصادية وإنسانية.

مغادرة سوريين إلى تركيا عبر معبر "باب الهوى" شمالي إدلب - 29 كانون الأول 2024 (معبر باب الهوى)

مغادرة سوريين إلى تركيا عبر معبر “باب الهوى” شمالي إدلب – 29 كانون الأول 2024 (معبر باب الهوى)

الضغط يولد الانفجار

مسؤولون وخبراء: تريثوا

يتوقع الحقوقي السوري محمد العبد الله، أن تجبر بعض الدول السوريين على العودة “قسرًا”، والأمر ليس مرتبطًا فقط بلبنان والأردن وتركيا (من الدول التي لديها سوابق في هذا الإطار) إنما بدول غربية وأعضاء بالاتحاد الأوروبي، إذ تعمل الدول الأوروبية على تقديم حوافز، لحث للاجئين السوريين على العودة عبر دفع مبالغ لمرة واحدة تتراوح بين 800 و4000 يورو.

واعتبر العبد الله، في حديثه لعنب بلدي، أن الحوافز المالية لن تسهم بدفع اللاجئين للعودة، وهي نوع من التهديد بإعادة اللاجئين التي لا تزال تصطدم بالواقع في سوريا، مضيفًا أن سوريا لا تزال مدمرة، ولا مقومات للحياة فيها، كما أنها ليست آمنة، خصوصًا مع استمرار “الانتهاكات الشديدة”، وتحديدًا في محافظة حمص ومناطق الساحل السوري.

القانوني السوري قال أيضًا إن إعادة السوريين “قسرًا” في ظل الظروف الراهنة هي غير قانونية، لافتًا إلى ضرورة أن تكون العودة طوعية وكريمة وآمنة.

رئيسة المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، إيمي بوب، قالت إن عودة اللاجئين السوريين بشكل واسع يؤدي إلى تأجيج الصراع في سوريا، وتمثل عبئًا ثقيلًا على البلاد، مؤكدة أنها لا تشجع العودة، فـ”المجتمعات ليست جاهزة لاستيعاب اللاجئين”.

وحثت بوب على التريث في خطط إعادة اللاجئين، مشيرة إلى أن بعض المجتمعات تضطر للنزوح مرة أخرى بسبب عدم وضوح الحياة تحت السلطات الجديدة، في حين أكد المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أن الوضع الإنساني لا يزال حرجًا.

مسؤولة التواصل في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، نور الخطيب، قالت إن معظم الدول الأوروبية لا تعتبر سوريا بلدًا آمنًا للعودة حتى الآن، ولا تجبر اللاجئين على العودة القسرية، باستثناء بعض الدول مثل الدنمارك التي بدأت بتقييد إقامات بعض اللاجئين السوريين وتشديد سياسات اللجوء.

التعجيل بعودة ملايين السوريين من شأنه أن يفرض المزيد من الضغوط على سوريا في لحظة هشة للغاية، ومن شأنه أن يقوض احتمالات نجاح عملية الانتقال، وفق تقرير أعده ويل تودمان، وهو زميل أول في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).

وذكر تودمان أن هذا التعجيل يؤدي إلى نتائج عكسية بطرق تزعزع استقرار منطقة بلاد الشام على نطاق أوسع، وتحبط توقعات المجتمعات المضيفة، وتؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية، وتؤدي إلى تجدد تدفقات النزوح.

واعتبر تودمان أن إعادة اللاجئين قبل الأوان سوف تأتي بنتائج عكسية، فإذا عاد اللاجئون الأوائل فقط لمواجهة المشكلات، فإن قصصهم سوف تردع آخرين عن اللحاق بهم. ولكن الأهم من ذلك أن تدفق السوريين العائدين يجعل فرص نجاح الانتقال في سوريا أطول.

وفي حال عاد عدد كبير للغاية من اللاجئين في وقت واحد، فإن هذا من شأنه أن يزيد الضغوط على الخدمات العامة المجهدة، ويفاقم التوترات الاجتماعية، ويقوض احتمالات نجاح الانتقال التي هي بالفعل ضئيلة، ولن تقتصر العواقب على سوريا، فالانهيار الكامل للدولة في سوريا من شأنه أن يجبر السوريين على الفرار مرة أخرى ويزيد من الضغوط على الدول المجاورة، التي من المرجح أن تسمح للاجئين بالسفر إلى أوروبا، وفق تودمان.

ولتجنب أزمة أوسع نطاقًا، ينبغي للحكومات المانحة أن تخفف من توقعات العودة السريعة، وأن تصوغ استراتيجية شاملة للعودة الآمنة للاجئين، وأن توفر التمويل الكافي لتسهيل عملية منظمة، وهذا يتطلب الوقت، وليس المراسيم السريعة لإعادتهم، وفق تودمان.

سوريون يعودون من تركيا إلى بلادهم عقب سقوط النظام السابق - 16 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

سوريون يعودون من تركيا إلى بلادهم عقب سقوط النظام السابق – 16 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

فرصة أمام المجتمع الدولي

للمجتمع الدولي، بما في ذلك الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين بشكل أساسي، فرصة حاسمة حاليًا لدعم ظهور سوريا آمنة وقابلة للحياة وقادرة على تيسير عودة جميع السوريين الراغبين في العودة، وفق تقرير لمعهد “سياسة الهجرة” (أمريكي غير حكومي).

وفي مجال الهجرة، يشمل هذا اتخاذ قرارات سياسية مدروسة جيدًا تعمل على تحقيق التوازن بين رغبة السوريين في البقاء والعودة، ويجب اتخاذ عدة خطوات.

أولًا، يتعين على البلدان المضيفة أن تدرك أن رحيل السوريين من المرجح أن يكون ظاهرة طويلة الأمد، فمثلًا استغرق الأمر ما يقرب من عشر سنوات منذ نهاية الصراع في البلقان حتى عاد نصف مليون لاجئ ونازح من البوسنة والهرسك إلى ديارهم.

ثانيًا، تحتاج الحكومات المضيفة إلى طمأنة السوريين على أراضيها إلى وجود استقرار في وضعهم على المدى القصير، وتوضيح ما هو غامض في قرارات إعادة النظر في وضع اللاجئين، وعدم إثارة الذعر غير الضروري لديهم.

ثالثًا، عندما تحدث عودة اللاجئ، سوف تحتاج بلدان اللجوء إلى ضمان القيام بها (العودة) بطريقة تمكن العائدين من إعادة الاندماج بطريقة مستدامة، منها أن ترغب الدول بالسماح للأفراد العائدين بإجراء رحلات تحضيرية إلى سوريا للتحقق من الظروف الأمنية، أو تأمين السكن، أو العثور على عمل، وهذا يدحض خوفه من العودة.

رابعًا، تتعزز العودة المستدامة من خلال توفير الدعم لإعادة الإدماج، وينبغي للدول المانحة أن تفكر في تقديم هذه المساعدة ليس فقط للسوريين الذين تستضيفهم ولكن أيضًا لأولئك الذين يعيشون في دول الجوار السوري، فمكافأة العودة التي تبلغ 1000 يورو لمرة واحدة لن تساعد السوريين كثيرًا في إعادة الاندماج.

خامسًا، إذا كانت البلدان المضيفة تريد أن تكون العودة مستدامة، فسوف تحتاج إلى الاستثمار في استقرار سوريا، بما في ذلك من خلال الاستمرار في دعمها التنموي لسوريا وجيرانها (كما بدأ الاتحاد الأوروبي القيام بذلك).

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

مقالات متعلقة