الحنان والتفهم والرعاية… والمنع أحياناً
جريدة عنب بلدي – العدد 56 – الأحد – 17-3-2013
بات العنف الغذاء اليومي لأطفال العالم، سواء كان عالمًا أول أو ثان أو ثالث.. يفتحون أعينهم عليه، يتغذون به وينمون معه ليحصنهم ضد مفهوم الألم والشعور مع الغير، يصيب الآلاف منهم قتلاً وتشويهًا ورعبًا واختلالًا في الشخصية والأعصاب، فيحصد في سنة واحدة ضحايا قتل وتدمير في الشخصية بين الأطفال والمراهقين يفوق عددهم ضحايا السرطان والأنفلونزا والإيدز.
كيف نحمي أطفالنا من العنف دون الوقوع في التطرف الإعلامي الذي يجعل البعض من الأهل يعزل أولاده عن العالم، ويمنع عنهم الشاشة الصغيرة وأفلام الفيديو والكمبيوتر في عصر التكنولوجيا والإعلام السريع؟
يترسخ مفهوم العنف في المجتمعات العصرية بعدما بات سلوكًا عاديًا ينشأ عليه الأولاد، ويعونه بشكل طبيعي ويجعلهم يدرجونه في عاداتهم اليومية من دون أي تردد، فهم قد يكتشفونه داخل المنزل حيث يؤدي نمط الحياة العصرية إلى جعل العنف يسود العلاقات بين أفراد العائلة، خصوصًا في المجتمعات الشرقية التي تستبيح مبدأ الضرب والعنف الكلامي متى اقتضى الأمر من الأفراد الذكور في العائلة خصوصًا.
ينشأ الطفل الذكر منذ صغره على عبارة «الدموع للنساء فقط» واللعب الخشن للصبيان، والمسدس والبندقية هما رفيقا الرجل… ويأتي المحيط الإعلامي من تلفزيون وألعاب فيديو، ليكمل الدرس قتلًا وضربًا ولكمًا، خصوصًا أن الأولاد الذكور يحبون الحركة دومًا في ألعابهم.
والمهم هو كشف الفارق الشاسع بين الحركة والعنف لأنهما مفهومان بعيدان جدًا عن بعضهما البعض. وعلى عكس كل الاعتقادات السائدة في هذا الشأن، فإن الخشونة لا تشكل أبدًا أساس تربية الصبي، فالعنف لا يواجه بالعنف إنما بالحب والحنان والشعور بالأمان، وهي عناصر تؤمنها العائلة وحدها ولا سيما الوالدان منها؛ لذا من المهم المحافظة على ميزة التواصل العائلي التي تتسم بها المجتمعات الشرقية والتي غالبًا ما فقدتها المجتمعات الغربية المفككة بعلاقاتها الاجتماعية.
العنف ينمو ويترعرع بين الأولاد الذين يشاهدونه منذ صغرهم داخل المنزل، فماهي ردة الفعل المتوقعة عندما يرى الطفل والده –الذي يعتبره مثله الأعلى– يتعدى بالضرب على أمه، غير الإيمان أن تصرف والده صحيح وأن العنف ضروري للحياة المستقبلية، وما الانطباع النفسي الذي يتركه مثل هذا العنف تجاه أمه أو تجاه والده؟ فالعنف هو تصرف يتعلّمه الأولاد في عمر مبكر في المنزل، سواء كان عنفًا كلاميًا أو عبر التصرفات.
لذا وجب أولًا على الوالدين إعطاء المثل الصالح للولد كي يرى أن الكلام يطابق التصرفات حقًا، فالمطلوب إذن هو تحويل المنزل إلى مساحة من الحنان، ينمو فيها الطفل في أمان من دون خوف وضمن قواعد ثابتة في هذا الشأن، وإبقاء التواصل مفتوحًا دائمًا مع الطفل ليشعر بأنه يستطيع الكلام مع الأهل ساعة ما يشاء وعن أي موضوع يريد دونما خوف.
ومن هنا تأتي أهمية إرساء جو من الثقة المتبادلة بين الأهل والأولاد الذين يشعرون بالتحسن الفوري فور الكلام عما يخيفهم أو يقلق بالهم، خصوصًا متى عرفوا أن الجواب سيكون دومًا صريحًا ومباشرًا من دون أي مواربة أو توبيخ أو تهرب من تحمل المسؤولية، أو أي من أشكال العنف الحاصل عادة .
ويقول علماء النفس في هذا الإطار أن معاقبة الولد على تصرف خاطئ يجب أن تكون معتدلة ولفترة محدودة وقصيرة لأن كثرة العقاب لن تؤدي إلى أي نتيجة . ويشيرون إلى وجوب تعليم الأولاد كيفية التعلّم من أخطائهم وأتباع قوانين البيت لأن خرقها مرة واحدة من دون محاسبة سيؤدي إلى تكرار العملية لمعرفة «حدود الخرق» المسموحة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :