احتواء خليجي لسوريا.. ملفات على الطاولة
منذ سقوط نظام الأسد، بدأت الوفود الدولية تتهافت إلى دمشق بشكل شبه يومي، في محاولة لإعادة احتواء سوريا بعد سنوات من حربٍ عصفت بها وحوّلتها إلى مسرح لحربٍ بالوكالة بين الدول.
على رأس هذه الوفود، كانت الخليجية، في وقت تسعى فيه دول الخليج العربي إلى تعزيز العلاقات مع سوريا، واحتوائها كخطوة تهدف إلى إعادة سوريا إلى محيطها العربي.
التحركات الخليجية تجاه سوريا بعد سقوط الأسد مردّها أسباب كثيرة، تتعلق بنفوذ القوى الإقليمية في البلاد، وبتغيرات إقليمية ودولية، فضلًا عن رغبة هذه الدول بإيجاد حلول للأزمة السورية وتحقيق الاستقرار في المنطقة.
مشهد سوري جديد
التغيرات الكبيرة المفاجئة التي طرأت على المشهد السوري فرضت مسارًا سياسيًا جديدًا على الدول انتهاجه، وخاصة دول الخليج العربي.
واتجه الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى المملكة العربية السعودية، في 2 من شباط الحالي، في أول زيارة رسمية خارجية له بعد توليه منصب الرئاسة قبل أيام.
وقبيل التوجه إلى السعودية، زار أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، العاصمة دمشق، في 30 من كانون الثاني الماضي، وبحثت الزيارة العلاقات بين البلدين وسبل دعمها وتطويرها في مختلف القطاعات والمجالات، وبناء شراكة مستقبلية تعود بالنفع على البلدين وشعبيهما.
باهتمام كبير
الأكاديمي الإماراتي وأستاذ العلوم السياسية الدكتور عبد الخالق عبدالله، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن “دول الخليج العربي تراقب المشهد السوري الجديد عن كثب وباهتمام كبير، فسوريا مهمة واستقرارها أولوية عربية وخليجية وابتعادها عن المحور الإيراني مكسب سياسي واستراتيجي ضخم”.
لذلك كانت دول الخليج العربي سباقة لزيارة دمشق واستقبال وفود سورية، بحسب عبد الله، بما فيها زيارة الرئيس احمد الشرع إلى الرياض كأول زيارة خارجية له بعد اختياره رئيسًا انتقاليًا لسوريا.
وتوقع الدكتور المزيد من التقارب الخليجي السوري والكثير من الدعم الخليجي بكل أشكاله كي تستعيد سوريا عافيتها.
يشاطره الرأي المحلل السياسي والعسكري السوري العقيد أحمد حمادة، الذي أكد لعنب بلدي أن “العلاقات السورية الخليجية علاقات متينة وقوية وخاصة بعد انتصار الثورة السورية، بالتوازي مع وقوف معظم الدول الخليجية مع القضية السورية”.
ويعتقد حمادة أن “زيارة الشرع إلى السعودية جاءت من أجل ضمان العلاقات السعودية السورية وبث الطمأنينة في الداخل السوري وخارجه، لما لديها من قوة اقتصادية وسياسية، وهي دولة كبرى في الإقليم والوطن العربي”.
ضمان العلاقات
من جانبه، يرى الخبير السياسي والأمني الأردني الدكتور عامر سبايلة أن “هناك رغبة حقيقية من سوريا ومن بعض الأطراف الخليجية لبدء علاقات جيدة مع سوريا، وهذا ينعكس بوضوح على سر السباق القطري والسعودي تجاه محور سوريا.
وتنعكس أهمية زيارة الشرع للسعودية بأنها أول محطة له خارج سوريا، وهي برمزيتها تأخذ بعدًا كبيرًا في فكرة اختياره السعودية، التي تحدث عنها في عدة لقاءات بشكل إيجابي جدًا، واعتباره لها نموذج يحتذى به، وفق الدكتور سبايلة.
وتحدث الشرع عن السعودية بأنها دولة إقليمية هامة جدًا، ولها تأثير كبير على الدول الكبرى، والشراكة بينها وبين سوريا الحديثة سيكون له أثرًا كبيرًا، وأبدى إعجابه برؤية المملكة السعودية لـ2030، معتبرًا أنها انقذت المملكة من خطأ استراتيجي في البنية الاقتصادية.
واختار الشرع أن يكون ظهوره الإعلامي الأول عربيًا عبر قناة “العربية” السعودية، ومع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية كأول حوار مع صحيفة عربية.
إعطاء المساحة العربية فرصة واضحة
وفي حديث إلى عنب بلدي، فسر الدكتور عامر سبايلة توجه الشرع نحو السعودية بسياستها الواضحة، فـ”الرياض تريد أن تحتوي المنطقة، إذ أن هناك فرصة للدبلوماسية العربية الممثلة بالسعودية وملء الفراغ الإيراني الذي تشكل في سوريا ولبنان، وبالتالي نتحدث عن توجه سوري لاستيعاب الأمر، وإعطاء المساحة العربية فرصة واضحة بعد التحرير”.
ويمكن قراءة زيارة أمير قطر وفق زاوية خليجية، بحسب سبايلة، ولكن “هناك بعد أكبر بالنسبة لقطر، باعتبارها الدولة الوحيدة التي أصرت على مشروع عدم الاعتراف ببشار الأسد والإبقاء على دعمها المعلن للثورة السورية”.
وأوضح، “وأيضًا من ناحية تحالفها مع تركيا وعلاقتها الجيدة مع إيران، وهذا كله يشير لمحاولة قطر بإعلانها أنها اللاعب الأبرز في سوريا حاليًا”.
وبدوره، يعتقد العقيد أحمد حمادة أن “هناك قواسم مشتركة بين الدول العربية ككل وبين سوريا، كونها استطاعت طرد القوات الإيرانية من سوريا وهذا كان مطلبًا خليجيًا وعربيًا”.
وكانت طهران صاحبة النفوذ الأكبر في سوريا، إلى جانب موسكو، منذ عام 2011، لكن حضورها بات معدومًا تقريبًا مع سقوط النظام السابق، في 8 من كانون الأول، وتولّي إدارة الشرع مسؤولية المرحلة الانتقالية.
الأمن ثم الاقتصاد.. ملفات تنتظر الحل
ترتقب الأوساط السياسية الملفات التي ستفتح ويتم التركيز عليها بين سوريا ودول الخليج العربي، متسائلة: هل سيكون التركيز أولًا على الشأن السياسي السوري بما فيه الملف الأمني أم على الدعم الاقتصادي في محاولة إسعافية لدول الخليج العربي لإنعاش الاقتصاد السوري؟
وهنا، أشار الأكاديمي الإماراتي الدكتور عبد الخالق عبد الله إلى أن “هناك ملفات عديدة تستحق الحوار بين دمشق والعواصم الخليجية، ربما في المقدمة محاربة الإرهاب واحتواء ما تبقى من (داعش) على الأرض السورية، ثم هناك ملف إنهاء صناعة المخدرات والتأكيد على عدم استئنافه من جديد”.
وأضاف أن “دول الخليج العربي ستسهم في عودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم، ثم هناك مهمة إعادة إعمار سوريا، ولدى دول الخليج العربي القدرة والرغبة في تحديث البنية التحتية التي تضررت كثيرًا خلال السنوات الـ15 الأخيرة”.
تضاف هذه الملفات إلى “المساعدة في بناء جيش سوري على أسس جديدة وإعادة تأهيل الإدارة السورية وفق معايير عالمية، وهنا سيكون للإمارات السبق في هذا المجال”، بحسب عبد الله.
في حين يعتقد الدكتور عامر سبايلة أن “سوريا يمكن أن تبدأ بالتركيز على إعادة بناء سياساتها بدءًا من الإقليم، فالبعد العربي مهم جدًا، واختيار السعودية عنوان مهم في رسم سياستها، والملفات المهمة التي يتم التركيز عليها عنوانها الأساسي ينبغي أن يكون الملف الأمني والاستقرار ومحاربة المخدرات”.
ورجح أن “هذه الأوراق بيد الإدارة السورية اليوم بشكل كبير، والجزء الثاني يتبلور في المصالح الاقتصادية التي يمكن أن تبنى بمصالح طويلة الأمد، عبر مشاريع كبرى وهذا يكون أحد أهم العناوين التي يمكن أن تجعل من سوريا قادرة على إعادة بناء علاقاتها مع الإقليم بطريقة متزنة”.
فيما يرى العقيد أحمد حمادة أن “الدول الخليجية قوى اقتصادية وسياسية كبرى لديها علاقات مع الدول العربية وأمريكا، والسعودية وبعض الدول الخليجية لعبت دورًا في الرفع الجزئي لمدة عام من العقوبات الدولية على سوريا”.
واعتبر أن “العلاقات الخليجية ستقوي العلاقات السورية العالمية، وستكون الدول العربية والخليجية عاملًا إيجابيًا من أجل الثقة في هذه الحكومة والقيادة الجديدة بسوريا، وبالتالي بعض الدول ستحذو حذو الدول الخليجية نحو سوريا”.
تخوف من النفوذ التركي
ونتيجة الدعم التركي لـ”قوى المعارضة” منذ بداية تشكلها، والتي أنتجت هيئات تسلمت الحكم اليوم في سوريا، تكمن بعض المخاوف العربية من استبدال النفوذ الإيراني بالنفوذ التركي.
وخاصة أن لتركيا مصالح سياسية وعسكرية في سوريا، أهمها القضاء على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال وشرقي سوريا، لمنع إقامة هذه القوات “إقليمًا انفصاليًا” حسب ما تسميه تركيا، الذي يشكل خطرًا على أمنها الحدودي.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن القيادة السورية الجديدة عاقدة العزم على اجتثاث من وصفهم بـ”الانفصاليين” هناك.
وأضاف أن “الإدارة الجديدة في سوريا تظهر موقفًا حازمًا للغاية في الحفاظ على وحدة أراضي البلاد وهيكلها الموحد”.
وعلق الدكتور عبد الخالق عبدالله أن “تركيا دولة مهمة بالنسبة لسوريا بحكم قربها الجغرافي وعلاقاتها الأمنية والعسكرية الواسعة مع قادة (هيئة تحرير الشام)، لذلك من المهم التنسيق مع تركيا مع التأكيد على ألا تصبح سوريا الجديدة ولاية تركية”.
يمكن القول، بحسب عبد الله، أن بعد مرور نحو شهرين على سقوط نظام البعث في سوريا، هناك جوانب مشرقة في المشهد السوري الجديد وهو ما يجب البناء عليه وتعزيزه مستقبلًا.
فيما يعتقد الدكتور عامر سبايلة أننا لا نتحدث عن حالة المنافسة مع تركيا بالنسبة للسعودية بقدر عدم رغبة السعودية بترك الفراغ الذي تشكل في سوريا، آخذًا بعين بالاعتبار محاولات التقارب بين السعودية وتركيا بعد الأزمة الخليجية.
ورجح أن “الأمر أقرب إلى صيغة التفاهمات على المصالح، فيمكن اعتبار أن السعودية تقوم بدورها ولا تظهر أي رغبة بأي اصطدام أو منافسة أو إخراج أي طرف من سوريا”.
وتبقى التوقعات بعودة سوريا لمكانتها السياسية وخصوصيتها العربية رهن سير الأحداث المرتبطة بالتغيرات الإقليمية والدولية، وخاصة قرارات الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، وكيفية تعاطيه مع الملف العربي عامة والسوري خاصة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :