بعد سقوط النظام السوري، في 8 من كانون الأول 2024، راقبت مصر تطور الأحداث في سوريا بحذر، وتأخرت باتخاذ خطوات دبلوماسية تجاه الإدارة السورية الجديدة التي يقودها أحمد الشرع.
وفي وقت أرسلت فيه العديد من الدول العربية ممثلين زاروا سوريا، اكتفت مصر بالتواصل مع حكومة دمشق من خلال اتصال هاتفي بين وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، ونظيره السوري، أسعد الشيباني، في 31 من كانون الأول 2024.
كما وجه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، تهنئة لأحمد الشرع بتولي منصب رئاسة الجمهورية للمرحلة المؤقتة.
وبعد وقت قصير من الإطاحة ببشار الأسد في سوريا، اكتسب هاشتاج “الدور عليك يا دكتاتور” زخمًا على وسائل التواصل الاجتماعي في مصر، في إشارة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي.
ارتدادات الأحداث في سوريا على مصر لم تقف عند هذا الحد، بل تشكلت في سوريا حركة سياسية تدعو للثورة ضد النظام المصري.
وبعد أيام من سقوط النظام السوري، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على ما لا يقل عن 30 لاجئًا سوريًا يعيشون في القاهرة كانوا يحتفلون بسقوطه، وفقًا لـ”المبادرة المصرية للحقوق الشخصية“، وهي جماعة حقوقية مصرية.
وسبق أن تحدث وزير الخارجية المصري عن ضرورة “عدم إيواء عناصر إرهابية” على الأراضي السورية، داعيًا إلى تكاتف الجهود الدولية للحيلولة دون أن تصبح سوريا “مصدرًا لتهديد الاستقرار في المنطقة أو مركزًا للجماعات الإرهابية”.
تهديد من سوريا
لم تستقر الأوضاع الأمنية في سوريا بعد هروب الأسد، حتى خرج تهديد يستهدف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، على لسان جهادي مصري كان ضمن فصائل المعارضة السورية يدعى أحمد المنصور.
وبعد تردد أصداء الحديث عن “حركة ثوار 25 يناير” المصرية التي تأسست في سوريا، تحركت السلطات السورية الجديدة، واعتقلت قائد “الحركة” ومؤسسها أحمد المنصور.
نقلت وكالة “رويترز” عن مصدر بوزارة الداخلية السورية ومصدر أمني عربي أن الإدارة الجديدة اعتقلت المواطن المصري أحمد المنصور بسبب “تهديدات وجهها للحكومة في القاهرة”.
وأضافت الوكالة، في 15 من كانون الثاني الماضي، أن هذه الخطوة قد تساعد في تخفيف مخاوف القاهرة بشأن الإدارة الجديدة في دمشق، “في ضوء حملة الحكومة المصرية على جماعة (الإخوان المسلمين) في الداخل”.
وبحسب مصادر “رويترز”، فإن مصر لم تطلب مباشرة اعتقال أحمد المنصور، لكنها أعربت عن غضبها بسبب “عودة ظهور المعارضين المتشددين في سوريا من خلال اتصالات استخباراتية مع دول ثالثة”، وتشعر مصر بأن “الاضطرابات” في سوريا قد تساعد هذه الفصائل على إعادة تنظيم صفوفها.
حساب “المتحدث الرسمي” على “إكس” نشر، في 14 من كانون الثاني، بيانًا لـ”حركة ثوار 25 يناير” المصرية، قال فيه إن “أحمد حماد المنصور تم توقيفه أو اختفى في دمشق إلى جانب عدد من رفاقه”.
وذكر الحساب التابع لـ”الحركة” أن المنصور قبل اختفائه دعي لمقابلة وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة.
وطالبت “الحركة” في البيان قيادة الحكومة السورية الحالية بسرعة الإفراج عن قائد الحركة أحمد المنصور.
وذكرت أنها “لا تريد بأي شكل من الأشكال، أن تسبب للإخوة السوريين بأي حرج في علاقاتهم الدولية والإقليمية (…) ونود أن يعلم الجميع بأن وجود الشعب المصري في الداخل والخارج، قادر على أن يدير حقوقه، بغض النظر عن موقع قادته الجغرافي، وقادر على القيام بواجباته في مواجهة الانتهاكات التي يرتكبها السيسي، كما واجه الشعب السوري القاتل بشار الأسد”.
أحمد المنصور هو أحد المقاتلين غير السوريين الذين شاركوا في العمليات العسكرية ضد نظام بشار الأسد، وعمل تحت قيادة وزير الدفاع الحالي مرهف أبو قصرة سابقًا.
تحديات تواجه العلاقة
يرتبط تطور العلاقة بين سوريا الجديدة ومصر، بمجموعة من التحديات والمحاذير التي تقف مصر أمامها، رغم أن دمشق حاولت مرارًا إرسال رسائل طمأنة للقاهرة بأن الثورة السورية انتهت، ولا يوجد أي فكر يدعو لتصدير الثورة إلى أي بلد آخر.
ويعتقد الباحث المصري في مركز “الأهرام للدراسات” كرم سعيد، أن هناك جملة من التحديات لا تزال تدفع مصر إلى التعامل بقدر من “الدبلوماسية الشديدة” مع ما يحدث في سوريا حتى اليوم، منها وجود عدد من المقاتلين الأجانب ومنهم مصريون، التحقوا بالثورة السورية المسلحة، ومنهم من هو مطلوب قضائيًا في مصر.
وأضاف لعنب بلدي أنه لا بد من تسليم هؤلاء العناصر أيضًا لدولهم، لافتًا إلى أن هذه ليست رؤية مصر وحدها، إنما رؤية قطاعات أوسع من القوى الإقليمية والدولية.
وأضاف أن قوى كثيرة حول العالم تنتظر ما ستؤول إليه الأمور في الداخل السوري خلال المرحلة المقبلة، باعتبار أن التوجهات الجديدة التي ستكشف عنها الإدارة الجديدة ستحدد طبيعة وتوجهات ما سيقرر لاحقًا حول المشهد السوري.
ماذا تريد مصر
كانت مصر حاضرة في المشهد السوري منذ بدايته، رغم أن موقف القاهرة تغيّر مع تغير حكم البلاد بين الرئيس السابق محمد مرسي الذي كان داعمًا للثورة السورية، وعبد الفتاح السيسي الرئيس الحالي، الذي فضل اتخاذ موقف محايد، ثم اتخذ خطوات لاحقة للانفتاح على النظام المخلوع.
وعقب زلزال شباط 2023، زار وزير الخارجية المصري سوريا، والتقى مسؤولين سوريين، في بادرة كانت الأولى من نوعها منذ انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الأسد المخلوع، والقاهرة عام 2011.
الباحث كرم سعيد قال إن القاهرة لديها بدورها حرص على تعزيز العلاقة مع الطرف السوري، لكن بشرط ضمان الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وبناء نظام سياسي قادر على استيعاب كافة الطاقف السورية.
ولفت إلى أن مصر تعي وتدرك حالة الانفتاح الإقليمي والدولي على الإدارة السورية الجديدة، وبالتالي لا يمكن للقاهرة الاستمرار في التعامل أو تبني سياسة حذرة طوال الوقت، خصوصًا في ظل حالة الانفتاح الدولي، وتحديدًا الانفتاح على الوسط العربي خاصة السعودية والأردن وغيرهما من دول المنطقة.
ويرى سعيد أن أحمد الشرع يريد توسيع تحالفاته في المنطقة وتوسيع انفتاح الإدارة الجديدة على محطة العرب والإقليم، وهو ما دفعه لاتخاذ خطوة زيارة السعودية كأول محطة زيارة خارجية، وقبلها تواصلات مع الإمارات والأردن وقطر.
وكما هو الحال بالنسبة للبلدات العربية التي تواصلت معها دمشق، هناك حرص أيضًا من الإدارة السورية الجديدة على تعزيز الانفتاح مع القاهرة، باعتبارها “الدولة الوازنة في الإقليم” بما تملكه من رصيد واسع وقدرات تمكنها التأثير بشكل واضح في التفاعلات الإقليمية، وفق سعيد.