يُنذر بانخفاض مقبل.. سعر “وهمي” لليرة السورية

عملة سورية معروضة للصرافة مقابل عملات أجنبية في حلب - كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ وليد الإدلبي)

camera iconعملة سورية معروضة للصرافة مقابل عملات أجنبية في حلب - كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ وليد الإدلبي)

tag icon ع ع ع

تصدرت أخبار الليرة السورية أحاديث المواطنين داخل وخارج سوريا في الشأن الاقتصادي، إذ شهدت قيمتها أمام العملات الأجنبية تذبذبًا خلال الأيام الماضية.

وصلت أعلى قيمة لليرة خلال الأيام الماضية إلى 8000 ليرة للدولار الواحد، وبقيت لساعات عند هذا الحد، وهو رقم لم تشهده منذ أعوام، وذلك بعد أن استقرت عند حوالي 11500 ليرة  للدولار الواحد، منذ سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024 وحتى نهاية كانون الثاني الماضي.

بالمقابل، لم توازِ قيمة الليرة في النشرات الرسمية لمصرف سوريا المركزي قيمتها في السوق السوداء، رغم أنه لا يبيع العملات الأجنبية للمواطنين، ما جعله موضع انتقاد، إذ يساهم ذلك بعدم استقرار قيمة الليرة.

يتفق الخبراء الاقتصاديون على أن تحسن الليرة “وهمي”، ويرتبط بالعديد من العوامل، منها نفسية تتعلق بزيارة أمير قطر إلى سوريا، أو زيارة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى كل من السعودية وتركيا، وهي أحداث جرت في غضون أسبوع، ومنها أسباب نقدية واقتصادية أبرزها إجراءات حبس السيولة التي يقوم مصرف سوريا المركزي.

تذبذب قيمة الليرة و”وهمية” تحسنها ترك العديد من الآثار السلبية في قطاع الإنتاج مثلًا، كما زاد من الضغوط على السوريين خارج سوريا ممن يرسلون الحوالات لذويهم، إذ هبطت قيمة الحوالة إذا ما قيست بالليرة السورية.

يحمل السوريون العملة بالحقائب مع تدني قيمتها أمام الدولار بينما يحاول المركزي تقييدها (رويترز/ عمار عوض)

يحمل السوريون العملة بالحقائب مع تدني قيمتها أمام الدولار بينما يحاول المركزي تقييدها (رويترز/ عمار عوض)

الحكومة تعد بالضبط

وزير الاقتصاد بحكومة دمشق المؤقتة، باسل عبد الحنان، قال إن التذبذب الحاصل بسعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية هو نتيجة مضاربات التجار، مؤكدًا أن السعر “وهمي”.

الوزير قال إن مصرف سوريا المركزي والجهات المعنية ستتدخل لتثبيت سعر الصرف.

ردًا على تعليق الوزير حول تذبذب قيمة الليرة، قال الأكاديمي محمد صالح الفتيح، إن من الضروري في ظل هذه المعطيات إلزام شركات الحوالات بتسليم الحوالات إما بالدولار (وهذا هو الحل المثالي وإن كان صعبًا) أو في الحد الأدنى تسليم الحوالات بالسعر الرسمي وليس بسعر السوق الموازي.

كما يجب على الحكومة تسهيل عملية استصدار التراخيص لشركات الحوالات والصرافة وإنهاء الفوضى الحالية في الأسواق.

أوراق نقدية من العملة السورية (عنب بلدي)

أوراق نقدية من العملة السورية (عنب بلدي)

تحرير السيولة عامل مضر

يُعتبر حبس السيولة الذي يقوم به المصرف المركزي السوري لتحقيق ارتفاع “وهمي” في قيمة الليرة أحد العوامل الرئيسة التي تؤدي إلى الركود الاقتصادي، حيث تؤدي قلة توفر النقد في الأسواق إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، وانخفاض الاستثمارات، وتراجع القدرة الشرائية للأفراد والشركات، بحسب ما أوضح الباحث الاقتصادي الدكتور مخلص الناظر.

‏حبس السيولة يشير إلى نقص النقد المتاح في الأسواق سواء كان في أيدي الأفراد أو الشركات أو حتى البنوك، ويحدث ذلك في عدة حالات هي:

تقييد البنوك للإقراض بسبب سياسات نقدية مشددة.

‏عندما يفضل الأفراد والشركات الاحتفاظ بالنقد بدلًا من إنفاقه أو استثماره.

انخفاض سرعة تداول المال في الاقتصاد بسبب المخاوف الاقتصادية.

الدكتور مخلص الناظر، اعتبر أن سياسة حبس السيولة تؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة، مما يسبب الركود الاقتصادي في البلاد.

واعتبر الباحث أن الحل يكمن في السياسات النقدية التوسعية، وتحفيز الطلب، ودعم المشاريع الصغيرة، واستعادة ثقة المستثمرين، فضلًا عن أن التحرك السريع من قبل الحكومات والبنوك المركزية يمكن أن يمنع تفاقم الأوضاع ويحمي الاقتصاد من الدخول في دورة ركود طويل.

وأوضح الناظر أنه عندما تقل السيولة فلأن القدرة على الإنفاق والاستثمار تتراجع، ما يؤدي إلى تراجع انخفاض الطلب على السلع والخدمات وتراجع المبيعات، فضلًا عن تباطؤ الإنتاج بسبب ضعف الطلب وبالتالي انخفاض الأرباح.

كما قد يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات البطالة نتيجة تسريح العمال أو تقليل التوظيف، فضلًا عن انخفاض الثقة في الاقتصاد، مما يزيد من سلوك الادخار بدلًا من الإنفاق، بالإضافة إلى انكماش الاسواق المالية بسبب قلة الاستثمار في الأسهم والأصول المالية.

هبوط مرتقب

ارتفاع قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية نتيجة عدة أسباب منها المضاربة، ينذر بعودة هبوط قيمتها بشكل مؤكد خلال الأسابيع والأشهر المقبلة خاصة في ظل متابعة عملية تحرير السيولة وانطلاق الاستيراد، بحسب ما يرى الخبير الاقتصادي محمد صالح الفتيح.

وأوضح الفتيح في منشور له عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك“، أن الارتفاع “الوهمي” الأخير لليرة السورية ضار بالاقتصاد والأفراد في سوريا، مشيرًا إلى أنه من الضروري أن تقوم الحكومة السورية بدورها في عملية تنظيم الحوالات (وتسليمها بالدولار أو بالسعر الرسمي) وكذلك تنظيم أنشطة الصرافة، إذ لم يفد السعر “الوهمي” سوى المضاربين.

سيضمن الحفاظ على عملية تحويل وصرافة مستقرة عدة أمور، وفق الفتيح، منها حماية مدخرات السوريين من النقد الأجنبي، وتشجيع السوريين في الخارج على زيادة حوالاتهم إلى الداخل السوري، إذ لن يقوم سوى المضطر للغاية حاليًا بإرسال حوالات يعلم أن متلقيها سيخسر 25% من قيمتها الفعلية.

كما سيضمن تدخل الحكومة تشجيع المستثمرين على تحويل رؤوس الأموال إلى سوريا، فالمستثمر الجاد إنما يبحث عن هامش ربح 1% هنا و2% هناك، وسيؤجل أي قرار استثماري في سوريا إن كان هناك احتمال خسارة 10 أو 20 أو 30% من قيمة تحويلاته المالية، بحسب الخبير.

فئات من العملة السورية- 10 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي)

فئات من العملة السورية- 10 كانون الأول 2024 (عنب بلدي)

استمرار التقلبات متوقع

تفتقد الليرة السورية حدود المقاومة اللازمة للدفاع عن استقرارها، ومن الصعب أن تصمد أمام أي هزة مهما كانت صغيرة، ما يؤكد أنها عُرضة للانخفاض السريع، بحسب ما ذكر تقرير صادر عن مركز “جسور للدراسات” عام 2021.

وأضاف التقرير أنه غالبًا ما يكون أثر التحولات السياسية والاقتصادية في سعر صرف الليرة على شكل موجات ارتفاع واضحة، أي بانخفاض قيمة الليرة، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد المستويات التي يُمكن أن تحققها.

الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل، قال في مقال له، إن مستقبل الليرة السورية يعتمد بشكل أساسي على مدى قدرة الحكومة الجديدة على تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية، واستعادة ثقة المستثمرين، وتحقيق الاستقرار السياسي، وهي عوامل تشكل الركائز الأساسية لاستعادة مكانة الليرة كعملة مستقرة يمكن الاعتماد عليها في المعاملات اليومية والتجارية، كما أن أي تأخير في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة قد يؤدي إلى مزيد من التذبذب في قيمة الليرة، ما يعوق جهود التعافي الاقتصادي.

وأضاف المغربل أن من المتوقع استمرار التقلبات بسعر الصرف على المدى القريب نتيجة عدم اتضاح الصورة الكاملة للسياسات الاقتصادية التي ستتبناها الحكومة الانتقالية، لكن مع تحسن المؤشرات الاقتصادية تدريجيًا، وتزايد الدعم الدولي، يمكن أن تستعيد الليرة جزءًا من قيمتها، لا سيما إذا نجحت الحكومة في جذب الاستثمارات الخارجية وضمان تدفق مستدام للعملة الصعبة.

أما على المدى البعيد، فقد يكون إصدار عملة جديدة هو الحل الأمثل لضمان استقرار النظام النقدي، خصوصًا إذا ترافق ذلك مع إصلاحات اقتصادية حقيقية تشمل تعزيز الإنتاج المحلي وزيادة الصادرات، بحسب الباحث.

البنك المركزي السوري في العاصمة دمشق- 12 كانون الثاني 2025(رويترز)

البنك المركزي السوري في العاصمة دمشق- 12 كانون الثاني 2025(رويترز)

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة