ثلاثة ملفات ترسم العلاقة بين دمشق وموسكو
عنب بلدي – هاني كرزي
قبيل سقوط النظام السوري، تحدثت الإدارة السورية الجديدة أن روسيا يمكن أن تكون شريكًا محتملًا في المستقبل، الحديث عن تلك الشراكة قابلته موسكو بخطوة على أرض الواقع عبر إرسال مبعوثها إلى سوريا، في زيارة تركت خلفها تساؤلات عديدة حول ما يريده الجانبان، وما مستقبل الوجود الروسي على الأراضي السورية.
المبعوث الروسي الخاص للشرق الأوسط نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، زار سوريا والتقى الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية المنتخب من القيادة العامة، أحمد الشرع، وهذه الزيارة الأولى من نوعها لمسؤولين روس إلى دمشق بعد إسقاط نظام بشار الأسد، وهروبه إلى موسكو في 8 من كانون الأول 2024.
ملفات في حقيبة روسيا
تركزت النقاشات على قضايا رئيسة، بما في ذلك احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها، مع تأكيد الجانب الروسي دعمه للتغيرات الإيجابية الجارية حاليًا في سوريا.
كما سلط الحوار الضوء على دور روسيا في إعادة بناء الثقة مع الشعب السوري، من خلال تدابير ملموسة مثل التعويضات وإعادة الإعمار والتعافي.
وشارك الجانبان في مناقشات حول آليات العدالة الانتقالية التي تهدف إلى ضمان المساءلة، وتحقيق العدالة لضحايا الحرب التي شنها نظام الأسد.
ويرى الصحفي والخبير في الشأن الروسي رائد جبر، أن هناك ثلاثة ملفات رئيسة كانت جوهر اللقاء الروسي في دمشق، وهي مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا، والاستثمارات الاقتصادية الروسية، ومصير بشار الأسد وضباطه الذين ساعدتهم روسيا وملف الأموال المهرّبة.
وقال جبر لعنب بلدي، إن هناك تباينًا في أولويات الطرفين، فروسيا تحدثت عن سعيها لإعادة الإعمار، وضربت مثالًا أنها ساعدت سابقًا في مسألة بناء السدود ومحطات الطاقة، وركزت على احترام سيادة سوريا وتوازن العلاقات ومصالح شركاتها وقواعدها، بينما ركزت الإدارة السورية على العدالة الانتقالية بما يشمل تسليم الأسد وضباطه وأمواله المهرّبة، وفتح صفحة جديدة مع روسيا وفق شروط.
ويرى جبر أن الزيارة الروسية كانت مهمة لأنها كسرت الجليد بين الطرفين، وأصبح كل منهما يعرف ما يريده من الآخر، لذا فهناك جولات حوار مقبلة لحل تلك الملفات العالقة، علمًا أن مؤشرات هذه الزيارة كانت إيجابية ولم يحصل أي تشنجات.
عين روسيا على قواعدها
وكالة “تاس” الروسية، نقلت عن بوغدانوف أن مسألة الحفاظ على القواعد العسكرية الروسية في سوريا تتطلب مزيدًا من المشاورات، واتفق الجانبان على استمرارها.
وتعليقًا على مستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا، قال بوغدانوف، “لم يتغير شيء”، معتبرًا أن هذه المسألة تتطلب مفاوضات إضافية، مع الاتفاق على مواصلة المشاورات التفصيلية حول كل موضوع من مواضيع التعاون بين الطرفين.
وفي وقت سابق، قال وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، لوكالة “رويترز“، إن المفاوضات جارية مع روسيا لتحديد طبيعة العلاقة المستقبلية بين البلدين، وأضاف، “نحن كدولة ملتزمون بالاتفاقيات التي كانت موجودة في السابق، ولكن قد تكون هناك بعض التعديلات في التفاوضات من شأنها تحقيق مصلحة سوريا”.
وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية ذكرت أن روسيا تواجه صعوبات في الاحتفاظ بقاعدتين عسكريتين في سوريا مكنتاها من فرض نفوذها في الشرق الأوسط وإفريقيا.
ونقلت عن مصدر لم تسمِّه، أن المفاوضات مع الحكومة السورية الجديدة متوقفة، والأنشطة الروسية في قاعدة “حميميم” جرى تقليصها، وجرى الإبقاء على سفينتين للنقل في انتظار أسابيع قبل أن يسمح المسؤولون السوريون لهما بالرسو في قاعدة بحرية بطرطوس لإزالة المعدات العسكرية.
وبعد سقوط نظام الأسد انحسر الوجود الروسي في سوريا إلى حد كبير، ليقتصر حاليًا على قاعدة “حميميم” العسكرية في اللاذقية، بالإضافة إلى قاعدة في طرطوس.
ويرى رائد جبر أن هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل القواعد الروسية في سوريا، الأول تقليص مدة الوجود الروسي إلى فترة أقل تتراوح بين خمس وعشر سنوات بدلًا من 49 سنة، على أن يكون هناك انسحاب تدريجي للروس لاحقًا، وهذا السيناريو يرضي الطرفين.
السيناريو الثاني إلغاء الوجود الروسي في قاعدة “حميميم”، والعودة إلى اتفاقية 1972 التي تنظم وجودًا محدودًا لروسيا في طرطوس كمركز خدمات لوجستية، تعبر إليه السفن الروسية للتزود بالوقود والقيام بعمليات الصيانة.
أما السيناريو الثالث فيتمثل في الانسحاب الروسي الكامل من سوريا، مقابل إبرام اتفاقيات جديدة لاستخدام المواني البحرية والجوية، أسوة باتفاقيات روسية مماثلة مع دول أخرى منها مصر، وهذا السيناريو يضمن لموسكو حرية الحركة للحصول على الخدمات اللوجستية، دون أن يكون هناك وجود روسي دائم على الأراضي السورية.
ماذا تريد دمشق من موسكو؟
منذ بدء معركة “ردع العدوان” وصولًا إلى سقوط الأسد، وجهت الإدارة السورية الجديدة رسائل متوازنة إلى الأطراف الدولية، حرصت خلالها على إبراز القضايا التي تهم كل دولة، دون إظهار انحياز واضح أو محاولة التقرّب من طرف على حساب الآخر.
ووجهت الإدارة السورية الجديدة رسالة إلى روسيا، قالت فيها إن الشعب السوري يسعى لبناء علاقات إيجابية قائمة على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع كل دول العالم، بما في ذلك روسيا، التي اعتبرتها “شريكًا محتملًا” في بناء مستقبل مشرق لسوريا.
بدوره، قال أحمد الشرع، إن روسيا تُعدّ ثاني أقوى دولة في العالم، وإن العلاقات السورية- الروسية قائمة على مصالح استراتيجية تجعلها أولوية في السياسة الخارجية لدمشق، موضحًا أن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى إقصاء روسيا من سوريا بما يتعارض مع طبيعة العلاقة التاريخية بين البلدين.
وتمتلك روسيا أوراقًا يمكن أن تقدمها للإدارة الجديدة، تشمل إمكانية توفير الدعم الأمني الداخلي، والدعم السياسي في مجلس الأمن، وعرقلة أي قرارات قد تحاول الدول الغربية فرضها.
ويرى المحلل السياسي الروسي ديمتري بريجع، أن الإدارة السورية الجديدة تريد من روسيا تسليمها بشار الأسد، لكن موسكو لا تريد حاليًا القيام بذلك، لأن تلك الخطوة ستكون ضربة لمصالح روسيا، التي تعتبر رأس النظام المخلوع ورقة ضغط بيدها.
وأضاف بريجع، لعنب بلدي، أنه ليست هناك مؤشرات تدل على أن روسيا ستقوم بتسليم الأسد لسوريا، لكن ذلك قد يكون على المدى المتوسط والبعيد مقابل صفقة معينة، على رأسها ضمان الحفاظ على القواعد الروسية في سوريا.
وذكرت وكالة “رويترز” أن أحمد الشرع طلب من موسكو تسليم بشار الأسد، مشيرة إلى أن الإدارة الجديدة شددت على أن استعادة العلاقات بين سوريا وروسيا يجب أن تعالج أخطاء الماضي، وتحترم إرادة الشعب السوري وتخدم مصالحه.
من جانبه، رفض المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين)، ديمتري بيسكوف، التعليق على مسألة مطالبة الإدارة السورية الجديدة بالتعويضات لاستعادة الثقة، وتسليم بشار الأسد.
بدوره، استبعد المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي محمود الحمزة، تسليم روسيا بشار الأسد للمحكمة الجنائية الدولية، لأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مطلوب كذلك لذات المحكمة، وبالتالي فإن تسليم بشار سيضع بوتين في موقف محرج.
وأضاف الحمزة، لعنب بلدي، أن روسيا في حال تعرضت لضغط دولي كبير، قد تجبر الأسد على مغادرة أراضيها والسفر إلى وجهة أخرى كالإمارات مثلًا.
من جانبه، قال الصحفي رائد جبر، إن ما تريده موسكو الإبقاء على قواعدها العسكرية ومصالح شركاتها في سوريا، مقابل مساهمتها بما تريده دمشق، فروسيا لديها خبرة طويلة في عمليات تطوير وإصلاح الجيش، وربما المسح الجوي المخصص لمراقبة وملاحقة تنظيم “الدولة”، وهذا أمر تحتاج إليه سوريا بالفعل على الصعيد الأمني.
أما على الصعيد الاقتصادي، فيرى جبر أن روسيا لا تملك المال الكافي للمشاركة في إعادة إعمار سوريا، لكن لديها خبرة فنية، كإنشاء محطات لتوليد الطاقة، وما يشجع الإدارة السورية على بناء علاقات مع روسيا أن الأخيرة ذات فكر براغماتي وأكثر انفتاحًا في التعامل مع هذه الملفات، ولا تطرح شروطًا أيديولوجية مقابل تنفيذ مشاريعها كالغرب، الذي يضع شروطًا مسبقة (كالديمقراطية وحقوق المرأة)، مقابل تنفيذ المشاريع أو تقديم الدعم المالي لسوريا.
لكن في المقابل، تدرك الإدارة السورية الجديدة أن الانحياز الكامل إلى روسيا قد يؤدي إلى استمرار العقوبات الغربية وتعثر مشاريع إعادة الإعمار، إضافة إلى العزلة الدولية في ظل تراجع النفوذ الروسي عالميًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :