في سوريا الجديدة.. سوريون يأملون بدولة بلا “واسطة”

نساء يحملن لافتات في احتفالية سقوط الأسد بحماة - 13 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

camera iconنساء يحملن لافتات في احتفالية سقوط الأسد بحماة - 13 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نوران السمان

بعد سنوات من الفساد والمحسوبيات التي هيمنت على مفاصل الحياة في سوريا، يطمح السوريون إلى بناء دولة جديدة قائمة على العدالة وتكافؤ الفرص، بعيدًا عن شبكات الفساد التي أقصت الكفاءات وأضعفت الثقة بالمؤسسات.

في عهد النظام السابق، كانت “الواسطة” والرشوة من الأدوات غير الرسمية لإنجاز المعاملات، وتحكمت العلاقات الشخصية في فرص العمل والتعليم، وحتى الخدمات الأساسية.

ومع سقوط رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، يتجدد الأمل في نظام قائم على النزاهة والشفافية، يمنح الفرصة لأصحاب الكفاءة بدلًا من أصحاب النفوذ.

محمد، موظف في شركة “تكامل” السورية، قال لعنب بلدي، إن “الواسطة” هي صاحبة الدور الأول والأكبر، مشيرًا إلى أن الشركات لا تبحث عن الكفاءات إلا عند عدم وجود متقدمين ذوي “واسطات”.

ويستشهد محمد بتجربة أحد أصدقائه، الذي يمتلك ثلاث سنوات من الخبرة، لكنه لم يُقبل لشاغر وظيفي كمشرف مكتب “كول سنتر” (مركز التواصل بين الشركة والعملاء)، بينما تم تعيين شخص آخر غير مؤهل بسبب “واسطة” والدته (تعمل لدى السورية للتجارة)، وهو مشرف لحد الآن بكفاءة “شبه معدومة”.

إلى جانب “الواسطة”، صارت الرشى وسيلة شبه رسمية لتسريع المعاملات أو تجاوز العقبات البيروقراطية.

يوضح الموظف في شركة “تكامل” أن “الرشى هي أداة تسيير رئيسة في بعض المؤسسات”، مشيرًا إلى أنه في مراكز إصدار “البطاقات الذكية”، يتقاضى الموظفون رواتب لا تتجاوز 500 ألف ليرة سورية (حوالي 44 دولارًا)، دون تأمين صحي أو عقود دائمة، ما يدفع بعضهم لاعتماد الرشى كمصدر دخل إضافي.

“الموظفون يعتمدون على الرشى ليستطيعوا تحصيل راتب شهري يمكنهم فيه العيش بكرامة”، بحسب الموظف.

وبات المجتمع السوري يعتمد على “المعارف” كقوة محركة للشركات، حيث يتم تعيين أشخاص بناء على المصالح المتبادلة، بعيدًا عن الكفاءة.

عقوبات غير رادعة

من جهتها، أكدت المحامية شام السمان، التي تمارس المهنة في دمشق، ضرورة التزام المحامين والمؤسسات القانونية والحكومية بالاستقامة والنزاهة في إدارة شؤون البلاد.

وشددت على أهمية فرض عقوبات وغرامات رادعة لمرتكبي الانتهاكات، معتبرة أن ذلك يمثل نهاية لعهد الرشوة والمحسوبيات.

كما أشارت إلى ضرورة إيجاد آليات فعالة لإثبات جرائم الرشوة قبل تطبيق العقوبات، مستندة إلى قانون العقوبات العام رقم “148” لعام 1949، ولا سيما المادة “341”، التي تنص على عقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات بحق مرتكبي الرشوة.

وتابعت، “هذه العقوبة غير كافية. لنضرب بيد من حديد وليرتدع المرتشي والراشي عن إفساد مؤسسات الدولة لتحقيق مكاسب شخصية”.

وعلى غرار المحامية شام، تؤمن حسناء علو، شابة من حلب، بأن الأمل في التغيير يبدأ بمواجهة المحسوبيات التي كرستها شبكات “الواسطة” داخل المؤسسات، مؤكدة أن تعيين الكفاءات وأصحاب الهمة الحقيقية هو الخطوة الأولى لقيادة المرحلة المقبلة من سوريا الجديدة.

وترى حسناء أن غياب الرقابة وتغليب “الواسطة” على الشهادات والخبرات، أسهما في تفشي الفساد الإداري بمختلف القطاعات، ما أضعف فرص أصحاب الكفاءة في الحصول على وظائف مستحقة.

ماذا يقول القانون السوري

بحسب تقرير صادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” عام 2022، يُعرِّف القانون السوري الرشوة بأنها اتفاق بين الراشي والمرتشي لإنجاز عمل مرتبط بوظيفة الأخير، ويعدّها من جرائم الإخلال بالوظيفة العامة إلى جانب الاختلاس وإعاقة تنفيذ القوانين.

وينص قانون العقوبات العام رقم “148” لعام 1949، وقانون العقوبات الاقتصادية رقم “3” لعام 2013، على تجريم الرشوة، معتبرًا إياها جنحة (يعاقب عليها بالحبس لمدة قصيرة أو الغرامة أو كلتيهما) إذا كان الغرض منها إنجاز عمل مشروع، وجناية (يعاقب عليها بعقوبات شديدة مثل الإعدام أو السجن لفترة طويلة) إذا كانت تتعلق بعمل غير مشروع.

ورغم توقيع سوريا على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام 2003، لم تصدّق عليها رسميًا، ما يعني عدم التزامها بتطبيق المعايير الدولية لمكافحة الفساد، وعدم اتخاذها خطوات جدية لضمان التشريعات اللازمة لمكافحته.

كيف تعاملت حكومة نظام الأسد

شهدت سوريا على مدار العقود الماضية قمعًا ممنهجًا لأي محاولات للكشف عن الفساد، إذ عملت السلطة على تقييد وسائل الإعلام وتهميش دور المجتمع المدني، وصولًا إلى تخوين كل من يتحدث عن تلقي المسؤولين الحكوميين للرشى.

ويشير تقرير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” إلى أن تفشي الفساد والمحسوبيات كان أحد العوامل التي فجّرت الثورة السورية عام 2011، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي مكّنت المواطنين من فضح الممارسات الفاسدة.

ورغم إطلاق بشار الأسد، في حزيران 2017، مشروع “الإصلاح الإداري”، الذي زُعم أنه يهدف إلى معالجة الفساد وتحسين كفاءة المؤسسات، استغل النظام السوري السابق القوانين لتحقيق أهدافه وأغراضه الخاصة، بحسب ما ذكرته المنظمة.

من جهتها، أشارت “المفوضية السامية لحقوق الإنسان” إلى أن الفساد يؤثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان، إذ يعوق توفير الخدمات الأساسية ويقوض شرعية المؤسسات، ما يؤدي إلى تفكيك ثقة المجتمع بالدولة وقدرتها على تحقيق العدالة والتنمية.

الأسد “شخصية العام” في الفساد العالمي

مع سقوط رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، أعلن مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) عن اختياره “شخصية العام 2024” في مجال الجريمة والفساد.

ووفقًا لتقرير صادر عن المنظمة، في كانون الأول 2024، فإن هذا التصنيف يُمنح منذ عام 2012 لمن يعتبر الأكثر مساهمة في نشر الفوضى عالميًا عبر الفساد والجريمة المنظمة، ويتم اختيار الفائز من قبل لجنة تضم خبراء من المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والصحافة.

إلى جانب تصدر الأسد قائمة الشخصيات الفاسدة، احتلت سوريا المركز الأول ضمن قائمة الدول الأكثر فسادًا، وفق تصنيف صادر عن منظمة “غلوبال ريسك” لعام 2023، وهي منظمة متخصصة في تقييم مخاطر الفساد.

وبحسب التقرير، جاءت سوريا في المرتبة الأخيرة (196) عالميًا، بعد دول مثل اليمن، جنوب السودان، الكونغو، وكوريا الشمالية، ما يعكس مدى تغلغل الفساد في مؤسسات الدولة.

ورغم أن الفساد في سوريا لم يكن ظاهرة جديدة، فإن المؤشرات الدولية أظهرت تفاقمه بشكل غير مسبوق خلال سنوات (2011-2024).

ففي عام 2010، كان ترتيب سوريا على مؤشر الفساد العالمي في المرتبة 124 من أصل 180 دولة، لكن سرعان ما تفاقمت الظاهرة بعد اندلاع الثورة، حيث انتشرت المحسوبيات، والرشى، وتضليل المعلومات، وفقًا لتحليل صادر عن مركز “الحوار السوري” عام 2024.

من جانبه، أشار الدكتور في جامعة “دمشق” نجم الأحمد، في كتابه “الفساد الإداري”، الصادر عن “الهيئة العامة السورية للكتاب”، إلى أن أحد أهم أسباب انتشار الفساد هو إسناد الرقابة الإدارية إلى أشخاص غير مؤهلين أو غير محايدين، ما جعل هذه الأجهزة عرضة للفساد ذاته.

وأضاف أن النظام السوري السابق وجه جهوده الرقابية إلى الفئات الضعيفة من الموظفين الصغار، بينما أبقى الفاعلين الرئيسين خارج دائرة المحاسبة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة