تفاهمات دولية تتحكم بالقرار
“قسد” أمام جبهتين.. دمشق تفاوض وأنقرة تريد الحرب
عنب بلدي – موفق الخوجة
تواجه “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا طرفين، الأول عسكري ويقوده “الجيش الوطني السوري” الذي تدعمه تركيا، والثاني يحمل بعدًا تفاوضيًا ترأسه حكومة دمشق، بعد أن جمدت “إدارة العمليات العسكرية” معاركها، وسط تفاهمات ثلاثية بين دمشق وأنقرة وواشنطن، تتحكم بقرار السلم والحرب.
وتستمر المواجهات العسكرية منذ أيام بين “قسد” و”الجيش الوطني”، ويحرز الأخير تقدمًا بطيئًا وغير ملحوظ على خرائط السيطرة، بينما تعلن دمشق من جهتها عن استمرار المفاوضات، ووصولها إلى مراحلها الأخيرة.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصادر لم تسمِّها، أن مفاوضات بين دمشق و”قسد”، قد تمهد الطريق لاتفاق في الأشهر المقبلة، من شأنه أن يدفع ببعض المقاتلين الكرد لمغادرة شمال شرقي سوريا، ويضع آخرين تحت سلطة وزارة الدفاع الجديدة.
وبحسب ما رشح من المفاوضات، تريد “قسد” الانضمام كتلة واحدة إلى الجيش الجديد، بينما تصر حكومة دمشق على انضمامها كأفراد، ودمجها بوزارة الدفاع.
بعد “ردع العدوان”
بعد عملية “ردع العدوان “، التي أطاحت بحكم الأسد، أطلقت فصائل “الجيش الوطني” عملية “فجر الحرية”، في 30 من تشرين الثاني 2024، ضد “قسد”.
بدأت المعارك من ريف حلب الشمالي والشرقي، وكانت باكورة المعارك في تادف، ثم امتدت حتى وصلت إلى مشارف سد “تشرين” لتتراجع وتيرة التقدم بعدها، وتبقى بشكل أبطأ من أيام العملية الأولى.
وتنشر “قسد” إحاطات يومية على معرفاتها عن المعارك، وتتحدث عن اشتباكات واستهدافات متبادلة، وتنعى قتلاها، ما يشير إلى وجود حرب ما زالت قائمة بين الجانبين.
وتشهد الجبهات مع “قسد” أمام “الجيش الوطني” نوعًا من “ضبط التصعيد” غير المعلَن، تتخلله حالات محدودة من التصعيد عسكري، بدأ بعد سيطرة الفصائل المدعومة من تركيا على منبج شرقي حلب، في 8 من كانون الأول 2024، بحسب حديث الباحث في مركز “جسور للدراسات” أنس شواخ، لعنب بلدي.
تفاهمات دولية
يرى الباحث أنس شواخ أن الحالة العسكرية شمال شرقي سوريا متعلقة بتوازنات وتفاهمات دولية بين أمريكا وتركيا، وجزء منها بيد الإدارة السورية، ومرتبط بنتائج مفاوضات الأخيرة مع “قسد”.
ويرتبط مستقبل وجود “قسد” بالوجود الأمريكي وقرار إدارة دونالد ترامب بالبقاء أو انسحاب قواته من سوريا، وموقفه من حكومة دمشق، وكيف ستترجم العلاقات الأمريكية- التركية على الأرض السورية، كما يعتقد الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا سامر الأحمد.
وأشار الأحمد، في حديث لعنب بلدي، إلى أن إدارة واشنطن تنوي التفاهم مع أنقرة لفتح علاقة مع الإدارة الجديدة في دمشق و”شرعنة” وجودها في الشرق الأوسط برضا الحكومة، كحال القواعد الأمريكية في العراق ودول الخليج العربي.
وتعلل أمريكا وجودها في سوريا، بوقف تمدد تنظيم “الدولة الإسلامية” والقضاء عليه، وتدعم شريكتها في المنطقة “قسد” في هذا الإطار.
ويرى الباحث سامر الأحمد أن مهمة دعم واشنطن لـ”قسد” تنتهي بوجود إدارة جديدة لدمشق، يمكنها القضاء على تنظيم “الدولة” وتسلم السجون التي تحوي عناصره، لافتًا إلى أن حكومة دمشق المؤقتة أبدت رغبتها بذلك.
ولا يزال موقف ترامب ضبابيًا حيال وجود قواته في سوريا، ولم يتخذ قرارًا بذلك، رغم إشارات سبقت دخوله البيت الأبيض إلى نيته بسحب الجيش الأمريكي.
دمشق تجمّد الجبهات
من جانبها، أوقفت “إدارة العمليات العسكرية” معاركها ضد “قسد” عند دير الزور ليقسم نهر الفرات طرفي السيطرة، ويبقي “قسد” شرق النهر، بينما تسيطر حكومة دمشق على القسم الغربي، إضافة إلى جنوبي الرقة.
وبعد انتشار أنباء عن عمليات عسكرية بين الطرفين منذ نحو أسبوع، سارعت “قسد” لنفيها وقالت إن قنوات التواصل مع دمشق مفتوحة وفاعلة “بشكل مكثف”.
قائد “قسد”، مظلوم عبدي، قال لوكالة “هاوار”، في 28 من كانون الثاني الماضي، إن هناك “جهة ثالثة” وأطرافًا محلية، وبعض الدول، تحاول خلق صدام عسكري بينه وبين “إدارة العمليات العسكرية”.
ويشير حديث عبدي إلى دور تركي لإبقاء حالة الحرب، وهو ما تسعى إليه أنقرة منذ سنوات، لإنهاء أي وجود لفصائل ذات طابع قومي كردي على حدودها الجنوبية، وهو ما تعتبره تهديدًا لأمنها القومي.
يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات” أسامة شيخ علي، أن تأثير أنقرة على فصائل “الجيش الوطني” سيبقى موجودًا وترغب بشن عملية عسكرية على “قسد”، وهذا ما يعرقل المفاوضات بين الأخيرة ودمشق.
ماذا تريد “قسد”؟
تحاول “قسد” الإبقاء على حالة السكون في الجبهات، ومواصلة المفاوضات بينها وبين إدارة دمشق، بحسب ما تشير إليه تصريحات قائدها عبدي، في أكثر من مناسبة.
وتطرح “قسد” حلولًا في مفاوضاتها، تتضمن دمجها ككتلة واحدة في الجيش الجديد، مع الاحتفاظ بإقليم تحكمه شرقي سوريا، سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا، وفق ما أشار إليه الباحث سامر الأحمد.
وتعول “قسد” في قرارها على تجربتها في الحكم شمال شرقي سوريا، التي استمرت نحو 10 سنوات، إضافة إلى موقف أمريكي وغربي داعم لها.
وقال الأحمد، إن تصور “قسد” للحكم في سوريا يعتمد على التفكك السوري الداخلي الذي يعطي مميزات لها، مشابهة لتلك التي في الساحل السوري والسويداء، ومناطق أخرى، وبالتالي بناء دولة فيدرالية تتبع لعاصمة سلطتها “هشة”.
من جانبها، تقول الإدارة السورية إنه لا خصوصية لمنطقة دون أخرى، والكل يجب أن يخضع للمركز وسلطة الدولة.
اتفاقية “أضنة”
تعول الإدارة الجديدة في دمشق على المفاوضات، وتسعى لأن تأخذ وقتها، على أمل أن تأتي بنتائج أفضل من الدخول في معارك جديدة والعودة إلى دائرة العنف، وفق ما ذكره الباحث أسامة شيخ علي لعنب بلدي.
ولفت شيخ علي إلى أن تركيا كانت تطالب منذ عهد النظام السابق بتعديل اتفاقية “أضنة”، لتسمح لها بالدخول إلى الأراضي السورية بعمق 30 كيلومترًا، أو طرح اتفاقية جديدة، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
ويتوقع شيخ علي أن تحاول تركيا مع الإدارة الجديدة البحث في هذه المطالب، بالرغم من أنها إدارة انتقالية، وليس من صلاحيتها القيام بهذه الخطوات، وتحتاج إلى المزيد من الوقت.
ما اتفاقية “أضنة”؟
يعود توقيع اتفاقية “أضنة” بين النظام السوري السابق وتركيا إلى عام 1998، عندما توترت العلاقة بينهما على خلفية دعم حافظ الأسد لزعيم حزب “العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، المعتقل حاليًا في تركيا.
ونصت الاتفاقية على أربعة بنود:
-
تعاون البلدين في مكافحة الإرهاب عبر الحدود، وإنهاء دمشق جميع أشكال دعمها لحزب “العمال” وإخراج زعيمه أوجلان وإغلاق معسكراته في سوريا ولبنان ومنع تسلل مقاتليه إلى تركيا.
-
احتفاظ تركيا بحقها في الدفاع عن نفسها، والمطالبة بتعويض عن الخسائر في الأرواح والممتلكات في حال لم توقف دمشق دعمها فورًا للحزب.
-
لتركيا الحق في ملاحقة من تصفهم بـ”الإرهابيين” داخل الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات، إذا تعرض أمنها القومي للخطر ولم يستطع النظام مكافحة عمليات الحزب.
-
اعتبار الخلافات الحدودية بين البلدين منتهية منذ توقيع الاتفاقية، وعدم مطالبة الطرفين بأراضي الطرف الآخر، وهو السبب الذي أدى إلى تخلي النظام السوري عن لواء اسكندرون.
تبرر تركيا عملياتها داخل سوريا بذريعة حماية حدودها وحفاظها على أمنها القومي من الجهات التي تصنفها أنقرة كـ“جماعات إرهابية”، حيث تستند إلى اتفاقية “أضنة” من جهة، إضافة إلى الاستناد إلى المادة “51” من ميثاق الأمم المتحدة، القاضي بحق الدفاع عن النفس.
ونفذت تركيا ثلاث عمليات عسكرية داخل سوريا بالاشتراك مع فصائل محلية، الأولى كانت في 2016 وشملت مناطق في ريف حلب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” وحملت اسم “درع الفرات”، في حين شنت مطلع 2018 عملية عسكرية ضد “الوحدات” في عفرين تحت مسمى “غصن الزيتون”، والثالثة كانت شمالي الرقة واستحوذت على منطقتي تل أبيض ورأس العين، بموجب عملية “نبع السلام” التي أطلقتها عام 2019.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :