د. أكرم خولاني
قد يصاب بعض الأشخاص باضطرابات في المزاج، ولعل الشائع هو انخفاض المزاج الذي يعرف بـ”الاكتئاب”، إلا أن بعضهم يصابون باضطراب معاكس يسمى “الهوس”، ويحدث فيه ارتفاع في المزاج، وعلى الرغم من أن ارتفاع المزاج يبدو، نوعًا ما، مرغوبًا وممتعًا، فإن تجربة الهوس غالبًا ما تكون غير سارة ومزعجة، ويمكن أن تؤدي إلى سلوك اندفاعي قد يندم عليه في وقت لاحق.
ما اضطراب الهوس
يعرف الهوس (Mania) بأنه ارتفاع حاد مبالغ فيه في المزاج، مع مشاركة من البهجة والسعادة وفرط الثقة والتقدير.
غالبًا ما تظهر النوبة الأولى في سن 20-40 سنة بشكل حاد أو تحت الحاد، وتستهل النوبة بفظاظة غير معهودة، وأعمال غير مناسبة، وسلوك أو أفكار وقحة، ورسائل غرامية، وهواتف ليلية متكررة، وزيارات غير متوقعة.
الآلية البيولوجية التي يحدث من خلالها الهوس ليست معروفة بعد، ولكن يفترض أن كمية من مادة السيروتونين الناقل العصبي في الفص الصدغي قد تكون مفرطة للغاية، ويعتقد أن الدوبامين والنورأدرينالين والغلوتامات والغاما أمينو بيوتيريك أسيد كلها تلعب أدوارًا مهمة أيضًا.
يرتبط الهوس عادة بالاضطراب ثنائي القطب (تناوب الاكتئاب والهوس) فهو أحد اتجاهيه، ولكن الأشخاص الذين لا يعانون من هذه الاضطراب يمكن أن يعانوا أيضًا من الهوس.
ما أعراض اضطراب الهوس
يقسم الهوس حسب شدة الأعراض واستمراريتها إلى قسمين:
تحت الهوس أو الهوس الخفيف:
اضطراب في المزاج والسلوك بشدة واستمرارية متوسطة تتجاوز الحدود السوية، من دون أهلاس أو توهمات، ومن دون انقطاع كامل عن العمل، فهي لا تسبب عجزًا كبيرًا في الأداء الاجتماعي أو المهني.
تستمر الأعراض لعدة أيام متواصلة، وتشمل:
- ملاحظة الأهل أن المريض أصبح أكثر سرورًا وفرحًا ونشاطًا.
- سرعة التفكير.
- الثقة الزائدة بالنفس، التباهي بأعماله، الزهو بذكائه وقواه الفيزيائية والعقلية، الغرور والعنجهية الحديثة الظهور، التدخل في أعمال الآخرين.
- زيادة النشاط الجنسي، دون الإخلال بالأعراف والعادات العامة.
- البدء بأعمال ومغامرات ومشاريع ليست في استطاعته.
- صرف النقود بسخاء زائد.
- زيادة الكلام والغناء.
- قلة الحاجة إلى الراحة، وقلة الحاجة إلى النوم.
- تشوش في العمل والنشاطات الاجتماعية، من دون انقطاع عنهما.
تشاهد بشكل منفصل وحدها أو في بداية نوبة الهوس أو في مرحلة الشفاء منه.
الطور الهوسي:
عندما يعاني المريض من الأعراض التالية ولمدة لا تقل عن أسبوع فإنه يعاني من نوبة هوس، وتشمل الأعراض ما يلي:
- المظهر العام غير مناسب.
- احتداد المزاج وارتفاعه.
- فرط فعالية.
- صعوبة الجلوس.
- هياج نفسي حركي.
- إزعاج الآخرين.
- زيارات واتصالات آخر الليل.
- مصاريف كبيرة من دون رصيد مسببة ديونًا، ونشاطات مالية متهورة.
- نشاط جنسي مفرط أو شاذ.
- اضطراب الأكل.
- ثر الكلام (سرعة في الكلام، صوت عالٍ، يصعب المقاطعة، الشرود وقلة الانتباه بسبب ضغط الأفكار وتطايرها).
- الاعتداد بالذات والإحساس بالعظمة والاقتدار الذاتي الكامل وحب السيادة والسيطرة، وأحيانًا سلوك لا أخلاقي، وقد يعتقد البعض أنهم خبراء في كل الأمور كالطب والسياسة والفن.
- نقص الرغبة في النوم.
- أعراض نفاسية (التوهمات، الأهلاس سمعية بصرية عادة منسجمة مع المزاج).
- اضطراب البصيرة أو فقدانها.
في الكثير من الحالات لا نجد كل الأعراض السابقة بل بعضها.
ما أسباب الإصابة بالهوس
لم يتأكد العلماء تمامًا من أسباب الهوس، ولكن يُعتقد أن العوامل الجينية تأتي في المقام الأول، فغالبًا ما تكون القصة العائلية إيجابية، ومع ذلك قد لا تصاب بالهوس أبدًا حتى لو كان أفراد الأسرة الآخرون مصابين.
ولكن هناك عوامل تساهم بتحفيز حدوث الهوس وتختلف من شخص لآخر، وأهم المحفزات النموذجية:
- لحرمان من النوم.
- التغيرات الحياتية الكبيرة السلبية: الطلاق، والزواج، وفقدان الوظيفة، ووفاة أحد الأحباء، والانتقال من المنزل.
- مواقف الحياة الصعبة: مثل الصدمة أو سوء المعاملة أو مشكلات في السكن أو المال أو الوحدة.
- الوجود في مكان مثير للاهتمام مع حشد من الناس والكثير من الضوضاء والأضواء الساطعة.
- كأثر جانبي لمشكلات الصحة العقلية بما في ذلك الاضطراب العاطفي الموسمي أو ذهان ما بعد الولادة أو أي حالة جسدية أو عصبية أخرى، مثل إصابة الدماغ أو أورام الدماغ أو السكتة الدماغية أو الخرف أو الذئبة أو التهاب الدماغ.
قد تسبب بعض الأدوية أعراضًا تحاكي الهوس، بما في ذلك المنشطات والمخدرات والكحول والكافيئين ومشروبات الطاقة ومثبطات السيروتونين وناهضات الدوبامين والستيروئيدات والمركبات ثلاثية الحلقة، ولكن تختلف كثيرًا في المدة والكثافة مقارنة مع هوس الحوادث الحقيقية.
كيف يتم تشخيص اضطراب الهوس
يتم التشخيص عن طريق القصة السريرية والأعراض بعد نفي وجود أسباب عضوية لهذه الأعراض كفرط نشاط الغدة الدرقية أو تأثير جانبي لأحد الأدوية، وتصنف الحالة ضمن أحد الأشكال السريرية:
- تحت الهوس (الهوس الخفيف): تكون الأعراض خفيفة أو متوسطة دون أن تسبب عجزًا كبيرًا في الأداء الاجتماعي أو المهني، وتستمر لفترة لا تقل عن 4 أيام.
- نوبة هوس (الهوس): تكون الأعراض شديدة وتؤثر تأثيرًا كبيرًا على الأداء الاجتماعي والمهني، وقد تتضمن أعراضًا نفاسية، وتستمر لمدة لا تقل عن أسبوع، ولكن إذا احتاج الشخص إلى دخول المستشفى بسبب هذه الأعراض، فإن هذه الفترة تعتبر تلقائيًا هوسًا حقيقيًا وليست هوسًا خفيفًا حتى لو كانت الأعراض موجودة لمدة تقل عن أسبوع واحد.
- الهوس فوق الحاد (التثور الهوسي): يحدث هياج شديد جدًا، رفض الطعام والشراب، وتوهم حاد.
ما سبل العلاج
لا يوجد علاج للهوس وإنما للسيطرة على الأعراض، ويختلف العلاج حسب شدة الحالة:
في حالة الهوس الحاد إذا كان الشخص مصابًا بالهوس فقط، يوضع على مضاد للذهان، مثل ريسبيريدون، أما إذا كان مصابًا بالهوس كجزء من اضطراب المزاج، فقد تُضاف مثبتات المزاج مثل الفالبروات، وفي بعض الأحيان توصف مضادات الاكتئاب أيضًا، وقد يكون من الضروري قبول المريض مؤقتًا في المستشفى، حتى دون موافقته، إلى أن تستقر حالته.
عندما تذهب سلوكيات الهوس، يُركز على علاج وقائي طويل الأمد لمحاولة إضفاء الاستقرار على مزاج المريض، وعادة من خلال الجمع بين العلاج الدوائي والنفسي. ويتضمن العلاج النفسي مجموعة متنوعة من التقنيات:
- العلاج النفسي: في هذا العلاج يتحدث المريض مع اختصاصي الصحة النفسية الذي سيساعده على تحديد العوامل التي قد تؤدي إلى الهوس والعمل من خلالها.
- العلاج السلوكي المعرفي: يمكن أن يكون مفيدًا في مساعدة المصاب بالهوس على تغيير تصوراته غير الدقيقة عن نفسه والعالم من حوله.
- العلاج الأسري: مهم لأنه مفيد جدًا لأفراد عائلة المصاب بالهوس، لكي يستطيعوا فهم سلوكه وما يمكنهم فعله للمساعدة.
هل يمكن الوقاية من الإصابة بالهوس
قد يساعد تحسين نمط الحياة على تقليل حدوث نوبات الهوس مثل:
- ممارسة التمارين اليومية.
- اتباع نظام غذائي أكثر توازنًا يتضمن وجبات منتظمة مليئة بالفواكه والخضراوات الغنية بالمغذيات.
- الحرص على تنظيم النوم وأخذ قسط كافٍ منه.
- ممارسة التعاطف مع الذات، ما يعني مسامحة نفسك على التفاعل مع المحفزات وممارسة أنشطة الرعاية الذاتية.