تعا تفرج
انتصارات عربية بالجملة والمفرق
خطيب بدلة
الاعتراف بالهزيمة، في اعتقادي، خطوة أولى للتخلص من مخلفاتها وتبعاتها، ثم البدء بمرحلة النهوض.. أما إنكار وقوعها، فيعني أمرًا واحدًا، هو أن المهزومين منسجمون مع أنفسهم، ويتمسكون بالعقلية التي تجعلهم منهزمين على طول الخط.
الأمة العربية، بحسب سياسييها، وشعرائها، وخطبائها، منتصرة دائمًا. لخص الشاعر سليمان العيسى هذه العقلية بقوله:
أمةَ العُربِ لن تموتي، وإني
أتحداك باسمها يا فناءُ
يتحدث الشعراء، عادة، بالعموميات، لو كانوا يخوضون في التفاصيل، لتوجهنا بالسؤال لشاعرنا الراحل: من أين أتتك هذه الثقة بأمة العرب؟
يستخدم أهل بلدتي، معرة مصرين، تشبيهًا ذكيًا. يقولون في وصف الشخص الذي تتراكم عليه البلاوى والهزائم: صار في الكلب نَهرة، وفيه ألف نَهرة. أرى هذا التشبيه ينطبق، اليوم، على أمة العرب، فقد أصبحت ملطشة للدول التي تسوى، والتي ما تسواش، فالشاطر يوجه لها الإهانات، ويهبش منها فلوسًا، أو يحتل كتلة من أراضيها.. ولعل الانتصار الوحيد الذي تحققه، على الفناء، أنها تخلف الأولاد بكثرة، ومهما قُتل منهم، في الحروب المجانية العبثية، تبقى مستمرة.
اعترف العرب بالهزيمة، مرة وحدة في تاريخهم الحديث، عندما أعلن جمال عبد الناصر مسؤوليته عن هزيمة 1967، ولكن من المستحيل أن تعترف منظمة جهادية، مثل “حماس”، بهزيمة، ولا حتى بتعادل، فهي تظهر بصفة المنتصر الذي لا يُقهر، حتى إن الأخ خليل الحية، مسؤول المكتب السياسي في المنظمة، بمجرد ما وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار، ظهر على إحدى القنوات، وبارك للأمتين العربية والإسلامية هذا الانتصار التاريخي العظيم.
العامل الأساسي، الذي استند إليه خليل الحية في توصيف النصر، أن شعب غزة تشبث بالأرض، وأخفقت إسرائيل في إجباره على النزوح. ينتمي هذا التصريح، برأيي، إلى ما يسمى “الكذب المكشوف”، فالمأزق الحقيقي الذي وقع فيه أهل غزة، أنه لم يكن أمامهم طريق للهرب من حمم النار، خارج القطاع، فكانوا ينزحون داخله، إلى الأماكن التي تتعرض لقصف أقل.
النزوح لا يعيب الأهالي العزل، ولعلمك، إن قسمًا كبيرًا من المواطنين السوريين، عندما لجأ نظام بشار الأسد إلى القصف العشوائي على المدن، نزحوا إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.. أضف إلى ذلك، أن التشبث بالأرض ممكن عندما يكون عدوك ديمقراطيًا (إلى حد ما)، ويحاول إخراجك منها دون أن يصل الأمر إلى القتل، أو الاعتقال والتعذيب.
الاحتفال بالنصر، لدى أمتنا المهزومة، لا يشترط أن يكون عقب معركة متكافئة بين جيشين جرارين، ففي بعض الأحيان تحتشد الأمة كلها، لتواجه شخصًا أعزل، تحاربه، وتنتصر عليه، مثلما حدث في تسعينيات القرن الماضي، مع المفكر الكبير فرج فودة، الأعزل، المسالم، الذي لم يحمل بندقية، ولم يتزنر بحزام ناسف، بل رأى أن التاريخ الذي وصلنا من المؤرخين، ليس دقيقًا، ولا مكتملًا، وثمة حقائق مغيبة، مطموسة، أراد الفقهاء حجبها عن الناس، بذريعة أنهم عامة، فما كان من بعض مندوبي القبيلة، إلا أن أفتوا بقتله، وقام شخص أمّيّ بقتله، وعلى إثر ذلك راح أعضاء الجماعات الإخوانية يتبادلون التهاني بالخلاص من هذا الكابوس الرهيب!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :