سوريا.. ماذا بعد إعلان النصر

  • 2025/02/02
  • 1:43 م
الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع (تعديل عنب بلدي)

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع (تعديل عنب بلدي)

خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم | جنى العيسى | علي درويش

طغى اللباس العسكري على الاجتماع الذي عقد في “قصر الشعب” بالعاصمة السورية دمشق بعنوان “مؤتمر النصر”، وتمخّضت عنه مجموعة من القرارات جاءت بعد حوالي شهرين من سقوط نظام بشار الأسد، وحملت تغييرات جذرية على سلم الأحداث التي تسارعت مؤخرًا في سوريا.

أبرز هذه القرارات كانت تعيين أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية العربية السورية خلال المرحلة المؤقتة، إلى جانب أخرى تضمنت حل جيش النظام، ومجلس الشعب، وتعليق العمل بالدستور، وحل أحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”.

التسجيلات المصورة والصور التي خرجت من قاعة الاجتماع، حملت مجموعة من الملاحظات متعلقة بالقرارات التي صدرت عن السلطات الجديدة، كما لم يكن التمثيل العسكري كاملًا، إذ غاب جزء من فصائل الجنوب السوري عنها، أبرزها فصائل السويداء، إلى جانب واحدة من كبرى الفصائل العسكرية في سوريا، وهي “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شمال شرقي سوريا، التي لا تزال في طور المفاوضات مع دمشق للوصول إلى حل يقضي باندماجها مع وزارة الدفاع.

قرارات حل الجيش وتعليق العمل بالدستور، وحل الأحزاب السياسية التي لطالما شكّلت ركيزة في حكم آل الأسد لسوريا، كانت متوقعة في جزء منها، لكنها جاءت بشكل منفرد من قبل التيار العسكري الذي قاد التحركات العسكرية نحو دمشق، وأسقط نظام الأسد.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع خبراء وباحثين ما بعد هذه القرارات، وما قد يترتب عليها في الميادين العسكرية والسياسية والقانونية.

“مؤتمر النصر”

في 29 من كانون الثاني الماضي، أعلنت “القيادة العامة” في سوريا تولي أحمد الشرع رئاسة سوريا لمرحلة انتقالية، وحل مجلس الشعب والجيش والفصائل الثورية وإيقاف العمل بالدستور.

وذكر المتحدث باسم “إدارة العمليات العسكرية”، العقيد حسن عبد الغني، عدة قرارات خلال المؤتمر أبرزها:

  • تولي قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع رئاسة سوريا في المرحلة الانتقالية، ويقوم بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية، ويمثلها في المحافل الدولية.
  • تفويض الشرع بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية، يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم للبلاد ودخوله حيز التنفيذ.
  • حل حزب “البعث” الحاكم في سوريا بعهد النظام السابق، وأحزاب “الجبهة الوطنية التقدمية”، وما يتبع لها من منظمات ومؤسسات ولجان، وحظر إعادة تشكيلها تحت أي اسم آخر، وإعادة جميع أصولها إلى الدولة السورية.
  • حل جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة.
  • حل جيش النظام السابق، وإعادة بناء الجيش السوري “على أسس وطنية”.
  • حل مجلس الشعب، واللجان المنبثقة عنه.
  • إلغاء العمل بدستور سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية.
  • حل جميع الفصائل العسكرية، والأجسام “الثورية” والسياسية والمدنية، ودمجها في مؤسسات الدولة.
  • الإعلان عن يوم 8 من كانون الأول من كل عام (تاريخ سقوط النظام)، عيدًا وطنيًا.

وألقى الشرع خلال المؤتمر نفسه خطابًا أمام القادة العسكريين ولم ينقل في بث مباشر، بينما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) مقتطفات من الخطاب.

وقال الشرع، إن “ما تحتاجه سوريا اليوم أكثر مما مضى، فكما عزمنا في السابق على تحريرها فإن الواجب هو العزم على بنائها وتطويرها”.

وحدد أولويات سوريا اليوم بملء فراغ السلطة والحفاظ على السلم الأهلي وبناء مؤسسات الدولة والعمل على بناء بنية اقتصادية تنموية واستعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية، بحسب الشرع.

كما ألقى وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، خطابًا، إضافة إلى العديد من قادة الفصائل العسكرية.

الرئيس السوري الجديد في المرحلة الانتقالية أحمد الشرع يلقي خطابًا في مؤتمر النصر – 29 من كانون الثاني 2025 (القيادة العامة)

بانتظار هيكلة الوزارة والتحاق البقية

حل تدريجي للفصائل

عسكريًا، لا تزال الأوراق منقوصة، وقيد الترتيب على كامل الجغرافيا السورية، وهذا ما أكده الحضور العسكري خلال “مؤتمر النصر”، إذ غابت عنه قيادات الفصائل في السويداء جنوبي سوريا، وقادة من “قسد”، بينما ضم المؤتمر وزارة الدفاع ومعظم قيادات وممثلي الفصائل العسكرية في سوريا، من قيادات في “الجيش الوطني السوري”، و”هيئة تحرير الشام”، و”جيش سوريا الحرة” المتمركز في قاعدة “التنف”، و”اللواء الثامن” في درعا.

“مؤتمر النصر” خرج بقرارات تتعلق بالسياق العسكري في سوريا، أبرزها حل جيش النظام السابق، وإعادة بناء الجيش السوري “على أسس وطنية”، إلى جانب حل جميع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السابق، بفروعها وتسمياتها المختلفة، وجميع الميليشيات التي أنشأها الأسد وحلفاؤه، وتشكيل مؤسسة أمنية جديدة.

نظرة الإدارة السورية لإعادة بناء الجيش بدت منقوصة، خصوصًا في ظل غياب تمثيل لفصائل تسيطر على مساحات واسعة، شمال شرقي سوريا، وفصائل السويداء.

وبالنسبة لـ”قسد” المتمركزة شرق الفرات، لا تزال المفاوضات جارية مع دمشق، بوجود أطراف تحاول جاهدة خلق صدام عسكري بينهما، وفق قائد “قسد” مظلوم عبدي، الذي ذكر وجود تنسيق لتفادي هذا الصدام.

في المقابل، يشترط أحمد الشرع وجود ثلاث قواعد أساسية لحل المشكلة وهي: ألا يكون هناك تقسيم في سوريا بأي شكل من الأشكال، حتى لو كانت بشكل فيدرالي، ومغادرة المسلحين الأجانب الذين يتسببون بمشكلات لدول مجاورة، وأن يكون السلاح محصورًا بيد الدولة فقط.

وبعد إعلان عبدي استعداده الانخراط في اندماج عسكري مع المعارضة السورية، والانضمام إلى جيش سوريا الجديد، رفض الانضمام للجيش الجديد كأفراد، إنما ككتلة عسكرية.

“مؤتمر النصر” جاء في وقت تواصل فيه وزارة الدفاع سعيها لضم الفصائل تحت مظلتها كأفراد وليس تكتلات، وسط تحركات من الوزير مرهف أبو قصرة، سبقته لقاءات عسكرية متنوعة، وبيانات منفصلة من فصائل ومجموعات عسكرية باستعدادها للانخراط في هيكلية الوزارة.

“على عجل”.. حل الفصائل يتطلب وقتًا

قيادي من درعا حضر المؤتمر، قال لعنب بلدي، إن القيادة أخبرتهم قبل المؤتمر بـ24 ساعة بضرورة الحضور لاجتماع جميع الفصائل العسكرية في قصر الشعب بدمشق، دون أي إيضاحات حول السبب.

وأضاف القيادي، الذي فضل عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أنه خلال الاستفسار عن سبب الاجتماع تبين أنه ترتب على عجل قبل زيارة أمير قطر لسوريا، لأن الدول تريد شرعية لشخص الرئيس وخاصة قبل زيارة رئيس دولة، ومخاطبة رؤساء العالم بشخصية رئاسية معترف عليها من الفصائل الثورية ريثما يُكتب دستور وتُجرى انتخابات رئاسية.

لذلك، كان هناك إجماع من الفصائل العسكرية على تعيين أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية السورية خلال المرحلة الانتقالية التي لم تحدد مدتها، لكن القيادي قال إن المرحلة الانتقالية هي فترة زمنية تتجدد كل ستة أشهر.

ولفت القيادي إلى أن سوريا بحاجة لتنظيم إداري رئاسي لمخاطبة الدول، والشروع والضغط لرفع العقوبات، وتحريك عجلة الاقتصاد وتأمين قوت الشعب ورواتب الموظفين.

وحول حل الفصائل العسكرية، قال القيادي لعنب بلدي، إن القرار صدر بالحل، ولكن التنفيذ يحتاج إلى فترة زمنية طويلة، ريثما تتبلور هيكلية وزارة الدفاع.

قيادي في “الجيش الوطني السوري” (الذي كان ينشط شمالي حلب) فضل أيضًا عدم ذكر اسمه كونه غير مخوّل بالحديث للإعلام، قال لعنب بلدي، إن حل الفصائل سيجري بشكل تدريجي، لافتًا إلى أن الاجتماع جاء تأكيدًا لاستعداد الفصائل وموافقتها بشكل لا رجعة فيه على الانضواء تحت راية وزارة الدفاع ومؤسسات الدولة.

وقال القيادي، إن قرار حل الفصائل قطعي، ولا نزال بانتظار ترتيبات من وزارة الدفاع وما تتطلبه من تنسيق وتضافر الجهود.

تواصلت عنب بلدي مع قياديين في فصائل السويداء، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة نشر هذا الملف، كما لم تنشر الفصائل أي توضيح عبر معرفاتها عن سبب غيابها، أو موقفها من المؤتمر أو القرارات الصادرة عنه.

كما لم تجب وزارة الدفاع في حكومة دمشق المؤقتة عن أسئلة طرحتها عنب بلدي حول قرار حل الفصائل وآلياته، حتى لحظة تحرير هذا الملف.

وزير الدفاع في حكومة دمشق المؤقتة، مرهف أبو قصرة، قال خلال اجتماع في العاصمة دمشق، في 22 من كانون الثاني الماضي، حضرته عنب بلدي، إن وزارة الدفاع هي حالة مؤسساتية، والآن يمكننا بناء جيش، وتتركز الأولوية على ترميم الفجوة بين القوات المسلحة، وترميم جيش هدفه الدفاع عن الوطن لا عن مصالح خاصة أو طائفة على حساب بقية المكونات السورية.

وأضاف أن الوزارة التقت مع أكثر من 70 فصيلًا لتوضيح رؤيتها، وأبدت الفصائل رغبة في الانخراط مع الوزارة، إذ لا يستقيم دخول الفصائل ضمن الوزارة وبقاؤها بنفس الهيكلية.

وشُكّلت لجنة من كبار الضباط لهيكلة المؤسسة العسكرية الجديدة، وتحتاج الوزارة لنحو شهرين حتى تستقر التعيينات في القوات المسلحة، وفق أبو قصرة.

“خطوة مهمة”

العقيد مصطفى بكور، الناطق باسم “جيش العزة” أحد فصائل “إدارة العمليات العسكرية”، قال لعنب بلدي، إن حل الفصائل ودمجها بجيش واحد هو “خطوة مهمة على طريق إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، وخاصة العسكرية والأمنية منها”.

وأضاف بكور أن حل الفصائل جاء بالوقت المناسب في ظل وجود وزارة دفاع، ولا يجب أن يكون الأمر مرتبطًا بتسوية الوضع مع “قسد” أو غيرها من المجموعات التي تحولت في ظل انتصار الثورة ووجود دولة جديدة من فصائل ثورية إلى مجموعات مسلحة خارجة عن الدولة مرتبطة بأجندات خارجية.

أما غياب بعض الوجوه وأسماء بعض الفصائل فهو مرتبط بمدى رغبتها بالمشاركة في بناء الدولة الجديدة على قاعدة وحدة الأرض والشعب في سوريا الحرة، وفق بكور.

 

في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة السورية الجديدة، ليس من التعقل البقاء خارج الإجماع الوطني بالحفاظ على وحدة وتماسك المجتمع السوري، كما أن وجود بعض التحفظات على بعض المواقف والأفكار لا يبرر لأي من الفصائل أو الأشخاص التغريد خارج سرب الوطن الواحد، لأنه في جو الحرية المسؤولة يمكن معالجة الخلافات والمشكلات بين الإخوة في البيت الواحد في إطار العائلة والمصلحة المشتركة.

العقيد مصطفى بكور

الناطق باسم “جيش العزة”

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع يوجه خطابًًا للسوريين – 30 كانون الثاني 2025 (رئاسة الجمهورية العربية السورية)

التأخر بالإعلان الدستوري يؤخر الخطط

فتحت خارطة الطريق التي أعلنها أحمد الشرع فيما يتعلق بإلغاء العمل بدستور سنة 2012، وإيقاف العمل بجميع القوانين الاستثنائية، وحل مجلس الشعب، الباب أمام التساؤلات المتعلقة بالتوقيت الواجب القيام به بإعلان دستوري.

ويترك إعلان حل الدستور ومجلس الشعب فراغًا دستوريًا من شأنه أن يعقد فترة المرحلة الانتقالية في البلاد من الناحية القانونية، فيما لم يأتِ الإعلان الدستوري لملء هذا الفراغ.

وخلال الفترة المقبلة من المتوقع أن يعلن الشرع عن لجنة تحضيرية لاختيار مجلس تشريعي مصغر يملأ الفراغ في المرحلة الانتقالية، استنادًا إلى “تفويضه بمهامه كرئيس للجمهورية” وقرار حل مجلس الشعب.

وبعد إتمام الإعلان عن لجنة تحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني، من المتوقع الإعلان عن “إعلان دستوري” ليكون المرجع القانوني للمرحلة الانتقالية، دون ذكر توقيت زمني محدد لجميع هذه الخطوات.

ثلاث أولويات

في الإطار القانوني، يتفق معظم الخبراء على ضرورة الإسراع في الإعلان الدستوري المؤقت، مع ضمان التنوع في لجنة صياغته.

الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة “دمشق” حسن البحري، قال حول شرعية القرارات المتخذة بعد إلقاء “خطاب النصر”، إنه من وجهة نظر دستورية، في أعقاب نجاح الثورات، يكون هناك عادة مجلس ثوري يسمى “مجلس قيادة الثورة” يتولى إدارة المرحلة الانتقالية وإصدار القرارات اللازمة لفرض الأمن وتحقيق الاستقرار في البلاد، وهو ما جرى في الحالة السورية، مع توضيح أن المجلس هنا يتألف من قادة جميع فصائل الثورة والمعارضة المسلحة.

ولفت البحري إلى ضرورة اتخاذ الرئيس المؤقت ثلاث خطوات تعتبر أولوية في السياق الدستوري للبلاد تتمثل بما يلي:

  • إصدار الإعلان الدستوري المؤقت ليكون مظلة دستورية يعمل بها خلال فترة الانتقال وريثما يتم وضع الدستور الدائم وموافقة الشعب عليه في استفتاء عام.
  • الإعلان عن أسماء أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي الذين سيجري تعيينهم من قبل الرئيس المؤقت.
  • الإعلان عن أسماء أعضاء لجنة كتابة الدستور الدائم.

“التنفيذية” و”القضائية” بيد الشرع

في ضوء عدم وجود أي وثيقة دستورية تنظم أو تحدد سلطات الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، أوضح المحامي عارف الشعال الوضع الدستوري له، والجهات التي يمتلك سلطة مطلقة فيها.

وقال الشعال، إنه وفق ذلك يعتبر الشرع رئيسًا للسلطة التنفيذية، ويتمتع بكامل الصلاحيات لممارسة وظيفته هذه عملًا بقاعدة “المطلق يجري على إطلاقه” وبالتالي له سلطة إصدار المراسيم التنظيمية أو الفردية، وله سلطة كاملة على الجهاز التنفيذي للدولة لجهة التعيين والإقالة بدءًا من رئيس الوزراء والوزراء والسفراء، والمديرين العامين، وانتهاء بأصغر موظف في أي دائرة حكومية.

وبالنسبة للسلطة التشريعية، فلدى الشرع تفويض مطلق بتعيين مجلس تشريعي دون التقيد بعدد أعضاء أو مواصفات أو نسب تمثيل أو غيرها.

ووفق الشعال، يتولى هذا المجلس مهمة إصدار القوانين أو إلغائها أو تعديلها، كما أنه لا يحق له إصدار المراسيم التشريعية.

بالنسبة للسلطة القضائية، وعملًا بأحكام المادة “65” من قانون السلطة القضائية، يعتبر الشرع رئيسًا لمجلس القضاء الأعلى وينوب عنه وزير العدل.

“شرعية المنتصر”

المحامي السوري غزوان قرنفل، وصف المرحلة الحالية التي تعيشها البلاد بأنها “مرحلة شرعية المنتصر” يتخللها فراغ دستوري، موضحًا أنه كان يتمنى التوافق وطنيًا على إعلان دستوري يؤسس لشرعية دستورية للسلطة الحالية.

ويرى قرنفل، في حديث إلى عنب بلدي، أن التأخر في الإعلان الدستوري يؤخر الحصول على شرعية دستورية تساعد الدول على الاعتراف رسميًا بشرعية السلطة الجديدة بالمعنى القانوني، ويتيح البحث بملفات أكثر عمقًا وشمولية من المحادثات العامة التي تحصل الآن، مثل تغيير الطواقم الدبلوماسية وإصدار الوثائق القانونية المعتمدة، والتعاطي مع التعاقدات والاستثمارات بانفتاح وأريحية ضمن وضع قانوني مطمئن للدول والمؤسسات المالية العالمية.

الأمل معقود على الإسراع في دسترة الحالة السلطوية الحالية عبر إعلان دستوري متوافق عليه وطنيًا.

المحامي غزوان قرنفل

 

وحول طبيعة الجهات والشخصيات التي يجب أن تتضمنها اللجنة التحضيرية المزمع تشكيلها لضمان التنوع وعدم تعيين لجنة من لون واحد، لفت غزوان قرنفل إلى ضرورة أن تضم ممثلين عن قوى وتيارات وأحزاب سياسية، وشخصيات وطنية مستقلة، ورجال قانون من قضاة ومحامين وأكاديميين مع مراعاة التنوع الديني والجغرافي.

وقال إنه بعد إصدار إعلان دستوري لن تكون ثمة متغيرات في المدى القصير، مضيفًا أن البلاد بانتظار انعقاد مؤتمر للحوار الوطني والاتفاق على هيئة تأسيسية لكتابة دستور دائم للبلاد.

أحمد الشرع خلال اجتماعه في دمشق مع قادة الفصائل- 24 كانون الأول 2024 (سوريا الحرة)

تغييرات سياسية..

لا تأثير طويل الأمد

كما هو الحال بالنسبة للشأن العسكري والدستوري، صدرت عن “مؤتمر النصر” قرارات أخرى تتعلق بالقاعدة السياسية للنظام المخلوع، أبرزها حل حزب “البعث العربي الاشتراكي” الذي حكمت عائلة الأسد سوريا تحت مظلته الاشتراكية لأكثر من 50 عامًا.

الحزب كان يحظى بسمعة سيئة بالنسبة للسوريين، خصوصًا من جمهور الثورة السورية، إذ لطالما ارتبط اسمه بالآلة العسكرية التي دمرّت منازل السوريين، وعاقبتهم على انتماءاتهم السياسية، في حين أن تجربة أخرى لحل “البعث” كانت ذات أثر سلبي على المجتمع، بالنظر إلى الجار العراق.

مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، الدكتور سمير العبد الله، يرى أن مسألة حل أحزاب الجبهة لن يكون لها تأثير يُذكر في المجتمع السوري.

وأضاف لعنب بلدي أن هذه الأحزاب تُعدّ “بحكم الميتة” منذ زمن طويل.

وقال إنه باستثناء حزب “البعث”، الذي كان يضم أعدادًا كبيرة من المنتسبين، فإن بقية الأحزاب كانت “صورية”، لا تتمتع بأي ثقل شعبي، بل كانت تابعة لـ”البعث” أو خاضعة لقيادة الأسد، تنفذ تعليماته وتعمل وفق توجيهاته، كما أن معظمها لم يعد صالحًا للفترة الزمنية الحالية، مثل الأحزاب الشيوعية والوحدوية وغيرها.

“الجبهة الوطنية التقدمية” هي ائتلاف مكون من مجموعة أحزاب وطنية، وقومية اشتراكية وشيوعية، يقودها حزب “البعث العربي الاشتراكي”، ويترأس الجبهة القيادة المركزية، وينص ميثاقها على أن تتكون من الأمناء العامين للأحزاب والمنظمات المنضوية تحت الجبهة وأعضاء من حزب “البعث” على أن يشكل الأعضاء “البعثيون” النصف زائد واحد من مقاعد القيادة.

وتعتبر القيادة المركزية للجبهة محور عملها، لأن لها في مراكز المحافظات قيادات فرعية تتشكل بقرار من القيادة المركزية للجبهة، وتتكون من ممثلين عن أطراف الجبهة ومن عناصر أخرى تمثل قوى أو اتجاهات وطنية تقدمية وفق ما ورد في المادة “11” من نظامها الأساسي.

وتتشكل في مراكز المحافظات بقرار من القيادة المركزية للجبهة المكاتب واللجان التي تراها القيادة لازمة لممارسة نشاطاتها المختلفة وفق المادة “12” من النظام الأساسي، وتنحصر مهام القيادات الفرعية والمكاتب واللجان بتنفيذ قرارات وتعليمات القيادة المركزية للجبهة، وتمارس أعمالها ونشاطاتها في الحدود التي ترسمها لها.

وبالنسبة للأحزاب الاشتراكية، يعتقد الباحث سمير العبد الله أن تأثيرها تراجع عالميًا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، غير أن الوضع يختلف بالنسبة للأحزاب القومية، التي قد تعيد إنتاج نفسها بأسماء مختلفة، نظرًا إلى وجود من لا يزال يؤمن بالفكر القومي العربي أو حتى القومي السوري.

وقلل الباحث من أهمية ما قد ينتج عن حل “البعث”، معتبرًا أنه لن ينتج عنه أي أثر سلبي كما حدث في العراق، لا سيما أن القرار الصادر حتى الآن يقتصر على الحل دون تجريم أعضائه أو ملاحقتهم، على عكس ما جرى هناك.

وأضاف أن معظم أعضاء “البعث” في سوريا لم ينضموا إليه عن قناعة بفكره، وإنما لدوافع مصلحية وسعيًا للتقرب من السلطة، لذلك، طالما أن قرار حل الحزب وتحويل أصوله إلى الدولة جاء بالشكل الحالي، فمن المتوقع أن يبتعد عنه الجميع سريعًا.

وفي النموذج العراقي، ترتب على حل “البعث” تداعيات أمنية دفعت أعضاءه الملاحقين أمنيًا للذهاب إلى ضفة مناهضة للحكم في العراق، ومنهم من انتسب لتنظيمات مسلحة أبرزها تنظيم “الدولة الإسلامية” و”القاعدة”.

الشرع رئيسًا.. خطوة متوقعة

لم تأتِ خطوة تعيين أحمد الشرع رئيسًا للجمهورية العربية السورية، خلال المرحلة الانتقالية، حدثًا مفاجئًا وفق ما يراه الباحث سمير العبد الله، ولا يمكن النظر إليه حتى الآن على أنه إقصاء لبقية الأطراف.

وقال الباحث، لعنب بلدي، إنه لا توجد في سوريا قوى سياسية أو وطنية تمتلك تأثيرًا كبيرًا في المشهد الحالي، كما هو الحال بالنسبة للأطراف التي حضرت “مؤتمر النصر”.

وتستدعي المرحلة الراهنة قيادة مركزية واحدة، بحسب الباحث سمير العبد الله، لضبط الأوضاع، وجمع السلاح، وتحقيق الاستقرار الأمني، لكن الأهم هو كيفية تصرف الشرع في الفترة المقبلة.

وربط الباحث التغييرات المحتملة بالخطوات التي سيتخذها الشرع، “هل سيسعى إلى تعزيز المشاركة والانفتاح على الجميع، أم سيحافظ على السلطة ضمن دائرته الضيقة من التابعين والمقربين؟”.

وزير الخارجية أسعد الشيباني وفيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (رئاسة الجمهورية)

مراحل العملية السياسية..

رسائل للداخل والخارج

غداة “مؤتمر النصر”، ظهر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، ليعلن عن أولويات سيجري التركيز عليها خلال الفترة المقبلة.

وقال الشرع، إن إدارته ستركز في رسم أولوياتها على عدة نقاط أساسية، على رأسها تحقيق السلم الأهلي.

النقطة الثانية “ملاحقة المجرمين الذين ولغوا في الدم السوري وارتكبوا المجازر والجرائم”، سواء ممن اختبؤوا داخل البلاد أو فروا خارجها عبر عدالة انتقالية حقيقية.

وفي المرحلة الثالثة، ستركز إدارة المرحلة الانتقالية على إتمام وحدة الأراضي السورية، واستكمال السيطرة على كل سوريا وفرض سيادتها تحت سلطة واحدة وعلى أرض واحدة، وفق الشرع.

وتسيطر حكومة دمشق عسكريًا أو عبر التنسيق مع فصائل محلية (كما في السويداء) على معظم الأراضي السورية عدا مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا.

كما جاء على لسان الشرع، خلال خطاب موجه للسوريين، أن بناء مؤسسات قوية للدولة تقوم على الكفاءة والعدل، لا فساد فيها ولا محسوبية ولا رشى، يعتبر من الأولويات.

ولفت إلى ضرورة إرساء دعائم اقتصاد قوي يعيد لسوريا مكانتها الإقليمية والدولية، ويوفر فرص عمل حقيقية كريمة لتحسين الظروف المعيشية واستعادة الخدمات الأساسية المفقودة.

الباحثة السورية رغداء زيدان، وهي عضو سابق في “اللجنة الدستورية السورية”، ترى أنه من الطبيعي تبيان الشرع لمراحل العملية السياسية في المرحلة المقبلة، ليس فقط من أجل مخاطبة المجتمع الدولي وإيصال رسائل الرغبة بالتعاون والانخراط في المجتمع الدولي، بل من أجل مخاطبة الشعب السوري، الذي انتظر خطاب الشرع طويلًا، ليعرف ما الذي ينتظر سوريا، بعيدًا عن إشاعات الإعلام وتخمينات المحللين السياسيين.

وأضافت الباحثة أن هذه الخطوات ضرورية لشرعنة حكم سوريا، فالشرعية الثورية لا تكفي وحدها من أجل الانتقال إلى شرعية الحكم التي تتمثل بالإطار القانوني والتشريعي لكل خطوات مؤسسة الحكم خلال المرحلة الانتقالية وصلاحياتها، وصولًا لوضع دستور دائم والتحضير لعملية انتخابية صحيحة.

زيدان قالت أيضًا إن خطاب الشرع، رغم اقتصاره على بضع دقائق، كان يحمل تفصيلًا واضحًا للخطوات المقبلة، واحتوى أيضًا على رسم صحيح للعملية الانتقالية، ما سيبعث الثقة على المستويين الخارجي والداخلي، وسيساهم في الانتقال لمرحلة العمل الجاد لرفع العقوبات وإعادة الإعمار.

وعلى المستوى الداخلي تحديدًا، ترى زيدان أن حديث أحمد الشرع سيكون نقطة بداية للعمل على بناء وترميم مؤسسات الدولة، وتحريك عجلة العمل المؤسساتي المطلوب داخل سوريا.

مقالات متعلقة

  1. المعارضة تنتخب وفدها إلى جنيف اليوم
  2. "القيادة العامة" تسمي أحمد الشرع رئيسًا لسوريا
  3. تدريجيًا.. الحسكة تخسر قمحها
  4. "أبو الزندين".. المخاوف تطغى على فوائده الاقتصادية

تحقيقات

المزيد من تحقيقات