البطالة تهدد ملايين السوريين
بعد الزيادة.. رواتب الموظفين تعادل ربع احتياجات العائلة
عنب بلدي – جنى العيسى
ينتظر موظفو الدولة في سوريا تسلم رواتبهم مطلع شباط الحالي، إذ ضاعفت الزيادة الأخيرة التي أقرتها إدارة سوريا الجديدة قيمة الراتب أربع مرات عما كان في عهد النظام المخلوع.
نسبة الزيادة الجديدة بلغت 400%، وعلى الرغم من ذلك، فإن قيمة الراتب لا تزال أدنى بكثير من حجم احتياجات العائلة التي باتت تقترب من عشرة ملايين ليرة سورية.
الزيادة المطروحة ترفع متوسط الأجور من نحو 15 إلى ما يقارب 70 دولارًا، ويتفق الخبراء الاقتصاديون على أنها تعد “إجراء إسعافيًا” لتلبية جزء بسيط من الاحتياجات، لكنها بالتأكيد ليست كافية.
ورغم عدم قدرتها على تغطية الاحتياجات، قررت وزارة المالية عدم منح الزيادة لكل الموظفين، دون تحديد الفئات التي ستحصل عليها بشكل واضح، إذ صرحت بشكل غير مباشر أن الزيادة لن تكون للجميع، إنما سيحصل عليها العاملون الذين “تتناسب مؤهلاتهم مع الوظيفة”، بينما سيظل الآخرون على الراتب القديم.
كما أعطت حكومة دمشق المؤقتة لعدد من الموظفين دون ذكر عددهم إجازة لمدة ثلاثة أشهر مع حصولهم على راتب خلال الفترة، إلا أنها لم تذكر أن الزيادة ستشمل هؤلاء الموظفين “المفصولين” أم لا.
وزير المالية، محمد أبازيد، قال إن الحكومة فوجئت بأن أعداد العاملين المسجلين في الجهات العامة أكبر بكثير من الأعداد الفعلية على أرض الواقع، وإضافة إلى الخلل بالقوائم المالية، هناك أسماء وهمية لأشخاص يتقاضون رواتبهم من المنزل دون أن يسجلوا دوامًا فعليًا في مديرياتهم، نتيجة اتباع النظام السابق سياسة “الواسطات” والمحسوبيات.
أقلها مليون و200 ألف
في 5 من كانون الثاني الماضي، رفعت حكومة دمشق المؤقتة الرواتب للعاملين في القطاع العام بنسبة 400%، بحسب ما أعلنه وزير المالية في الحكومة، محمد أبازيد.
تقدّر تكلفة الزيادة بنحو 1.65 تريليون ليرة سورية (حوالي 127 مليون دولار أمريكي)، وسيتم تمويلها من موارد الدولة الحالية بالإضافة إلى مزيج من المساعدات الإقليمية والاستثمارات الجديدة، والجهود الرامية إلى الإفراج عن الأصول السورية المجمدة في الخارج، وفق الوزير.
ويوجد في سوريا أكثر من 1.25 مليون موظف على جداول رواتب القطاع العام، بحسب تصريحات مصادر في وزارة المالية.
قبل القرار كان الحد الأدنى للأجور في سوريا يعادل 278 ألفًا و910 ليرات سورية، فيما يصل أقل راتب للموظفين بعد الزيادة الأخيرة إلى مليون و200 ألف ليرة سورية.
الحاجة تفوق تسعة ملايين
مطلع العام الحالي، تجاوز متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، بحسب “مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة“، حاجز 14 مليونًا و500 ألف ليرة سورية، فيما وصل الحد الأدنى إلى نحو تسعة ملايين و100 ألف ليرة سورية، ليتضح حجم الهوة التي تفصل الحد الأدنى للأجور عن متوسط تكاليف المعيشة الآخذة بالارتفاع باستمرار.
ولمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، يلجأ معظم السوريين إلى الاعتماد على أكثر من مصدر دخل، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال ثانية، كما تستغني عائلات عن أساسيات في حياتها لتخفيض معدّل إنفاقها.
واقع العمل والإنتاج غير مفهوم
منذ تسعينيات القرن الماضي، يفد إلى سوق العمل مئات الآلاف سنويًا، ولم يكن يجري توظيف سوى 50 ألفًا منهم وسطيًا بين القطاع العام والخاص، والباقي كان مصيره البطالة أو الهجرة أو الانكسار، بحسب ما قاله الخبير الاقتصادي، وحاكم مصرف سوريا المركزي الأسبق، دريد درغام، في حديث إلى عنب بلدي.
وأضاف درغام أن البطالة تعتبر إحدى أهم مشكلات سوريا، وقد تمت مواجهتها سابقًا بشكل مبتور عن طريق التوظيف المكثف بالقطاع العام، وفق عقد اجتماعي فاشل (رواتب منخفضة وأسعار مواد أساسية مدعومة)، وساهم القطاع الخاص بتوفير جزء ضئيل من فرص العمل المطلوبة، وكان التكافل الاجتماعي سمة السوريين في تخفيف المعاناة عمومًا، ومنذ 2008، بدأت رحلة رفع الدعم عن المواد الأساسية وبدأت معها الفجوة بين الرواتب والاحتياجات.
لتقليل هذه الفجوة، يرى الدكتور دريد درغام أنه يجب دراسة واقع سوق العمل والإنتاج بشكل أفضل ودراسة العلاقة مع الخارج، ومعرفة مقاربة ملف المهجرين والنازحين والتعرف إلى حجم الإمكانات المتاحة داخليًا وما هو متاح (وليس وعودًا) من الخارج وبعدها يمكن التفكير بالحلول.
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور سليمان موصلّي، قال لعنب بلدي، إن معالجة هذه الفجوة تكون ضمن اتجاهين، الأول هو تحسين رقم الراتب والثاني بتحسين قوته الشرائية عبر اتخاذ الإجراءات التي تضبط وتخفض سعر صرف الدولار ما يؤدي إلى تحسن القوة الشرائية.
على سبيل المثال، انخفاض أسعار السلع التموينية يعني قوة شرائية أكبر لنفس رقم الراتب، وهو يعادل أو يزيد على أهمية رفع رقم الراتب، كما أنه يفيد الموظف وغير الموظف أي أن نفعه يفيد جميع المواطنين.
البطالة تتضاعف
لا يعاني الموظفون فقط من مشكلة تدني الأجور، إذ يوجد ملايين الأشخاص من غير الموظفين لدى القطاع العام، ورغم أن رواتب القطاع الخاص تعد أعلى، نوعًا ما، فإنها لن تستطيع مجاراة الزيادة الأخيرة، فلن يستطيع أصحاب رؤوس الأموال دفع أربعة أضعاف رواتب عمالهم.
في ظل غياب الموارد الخارجية أو تغيير النمط الإنتاجي الحالي، لا يمكن زيادة الرواتب سواء بالقطاع الحكومي أو بالقطاع الخاص، إذ إن الجزء الأكبر منه يعاني من خطر الإفلاس ومشكلات سحب الأموال من حسابات، بالإضافة إلى عدم وضوح المستقبل الاقتصادي عمومًا، بحسب ما يرى الخبير الاقتصادي دريد درغام.
في الماضي كانت حصة الرواتب من القيمة المضافة في كل شركة ضئيلة، مع الركود الحالي أصبحت لها أهميتها حيث تلاشت القيم المضافة وأصبح القطاع الخاص يداوم أكثر مما ينتج، وهذا ما دفع بالكثيرين لتسريح العمال.
وأوضح درغام أنه إذا ما أضفنا إلى التسريح من القطاع الخاص تسريح معظم عناصر الجيش والشرطة والكثير من العقود والموظفين في القطاع العام ومختلف النقابات والاتحادات، فإن الزيادة على حجم البطالة السابقة سيكون بمئات آلاف المسرحين، وهذا يعني تهديدًا بتجويع ملايين السوريين في الأيام والأسابيع المقبلة، وسيترتب عليه انفلات أمني غير مسبوق.
في ظل هذه المعطيات، يرى درغام أن على الحكومة التركيز حاليًا على عدة نقاط أساسية هي:
- إعادة النظر في سياسة حبس السيولة التي تؤدي إلى شلل الاقتصاد.
- تهدئة جيوش الجائعين داخل البلد (ويضاف إليهم القادمون من مخيمات الخارج)، وهذا يتطلب من الدولة تفعيل رؤية شمولية لمشاريع البنية التحتية القادرة على تشغيل أعداد كبيرة وبناء بيئة جاذبة للعمل والاستثمار، ويضاف إلى ذلك إقرار مبدأ رواتب البطالة ليس فقط لمن فقد عمله وإنما لكل عائلة لا يوجد فيها من وجد فرصة عمل.
- مشكلة الإنتاج التي لا يمكن لها أن تجري دون سلاسة في استيراد المواد الأولية وتيسير العمل المصرفي للاستيراد والتصدير.
- تحديد أولويات الدعم المتاح في الإنتاج (من حيث تحديث القطاعات القاطرة لغيرها والإقراض والرسوم وغيرها)
فيما يرى الأستاذ في الاقتصاد سليمان موصلّي، أن رواتب غير موظفي القطاع العام تطورت وواكبت ولو جزئيًا ارتفاع الأسعار في زمن النظام المخلوع، إذ حصل موظفو القطاع الخاص على رواتب وتعويضات غلاء معيشة، ما تسبب في زيادة فروق الدخل بينهم وبين موظفي القطاع العام، وهذه الزيادة المتوقعة ستردم الهوة بينهما ولو جزئيًا كما ستحفز القطاع الخاص على تحسين الأجور لديه.
ويرى موصلّي أنه فيما يخص المسرحين والمفصولين ينبغي إخضاعهم لدورات مهنية تتناسب مع مهاراتهم، فحاجة المجتمع لأصحاب المهن مرتفعة في مرحلة إعادة الإعمار، وتكلفة الدخول في هذه الدورات عالية وتزيد من دخول الموظفين، مشيرًا إلى أن هذا النوع من الدورات يجب أن تقوم به هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك المنظمات غير الحكومية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :