شكوك بأصابع إقليمية وراء تحركات تنظيم “الدولة” في سوريا

  • 2025/02/02
  • 12:09 م
الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وعناصر من تنظيم "الدولة الإسلامية" (تعديل عنب بلدي)

الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وعناصر من تنظيم "الدولة الإسلامية" (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – حسن إبراهيم

تتواصل تهديدات تنظيم “الدولة الإسلامية” للإدارة الجديدة في سوريا، والتي توالت بعد عملية “ردع العدوان” التي أسقطت فيها الفصائل نظام الأسد، متوعدًا عبر صحيفته “النبأ”، تبعها إصدار مرئي مدته 15 دقيقة، في نهج عدائي لا يتوافق مع مطالب الثورة والفصائل سار عليه منذ سنوات.

التنظيم قال إن الإدارة الجديدة في حال طبقت مواثيق الأمم المتحدة وقوانينها، فإنه ينطبق عليها واجب الحرب والسلم، معتبرًا أن سقوط النظام على يد الفصائل لم يخرج عن نطاق الرغبة الدولية والنظام الدولي الذي صارت “مصالح الجهاديين والثوريين لا تتقاطع إلا معه”.

يأتي هذا التهديد في ظل وضع أمني لا يزال غير منضبط، وسط حالات فوضى وانفلات في بعض المناطق، وحملات أمنية تتخللها اشتباكات أحيانًا، وإفشال محاولة تفجير للتنظيم في منطقة السيدة زينب، ومحاولات من الإدارة الجديدة لترتيب الأوراق العسكرية، واعتزام لحل الفصائل، وتشكيل جيش محترف.

ما التهديد؟

اعتبر تنظيم “الدولة” أن الفصائل العسكرية المشاركة في عملية “ردع العدوان”، “بيادق” بيد تركيا والدول الأخرى، وأنها “تنفذ حربًا بالوكالة”، بين “البيادق التركية والأذرع الإيرانية”، وذلك عبر صحيفته “النبأ” تبعها إصدار مرئي لمؤسسة “البتار” (مناصرة غير رسمية).

الإصدار استذكر جزءًا مما ذكره قادة التنظيم سابقًا عن سوريا، منهم المتحدث باسمه سابقًا “أبو محمد العدناني”، الذي قال إن “من يدعو لدولة مدنية في سوريا هو شريك وعميل لليهود والصليبيين وطاغية جديد”.

تنظيم “الدولة” وصف الثورة السورية خلال الإصدار بعدة جمل متفرقة منها أنها “ثورة جاهلية” لأنها تسعى لترسيخ مفهوم الدولة المدنية، وأنها “ثورة وليست جهادًا في سبيل الله”، وأنها ثورة تحرر من نظام قمعي يستأثر بالسلطة بغية الوصول إلى نظام آخر ديمقراطي يتقاسم السلطة.

وفي عدد صحيفة “النبأ” الأسبوعية الصادر بتاريخ 19 من كانون الأول 2024، هاجم التنظيم الإدارة السورية الجديدة، وقائدها أحمد الشرع، بافتتاحية بـ”صيدنايا والنفاق العالمي”، قائلًا إن “صيدنايا” نموذج واحد لعشرات السجون التي تملأ دول المنطقة، ومنها العراق، التي صار الشرع “حارسًا لمعابدهم”.

وهاجم التنظيم الشرع الذي اعتبره مسؤولًا عن سجون “تشبه صيدنايا” في إدلب.

محاولة تفجير واعتقال لـ”أمير”

التهديد (المكتوب والمرئي) لم يبقَ حبيس الرسائل الإعلامية، فقد تعداه إلى محاولة تفجير داخل مقام السيدة زينب بريف دمشق، أعلن جهاز الاستخبارات العامة في الإدارة السورية الجديدة عن إحباطها، في 11 من كانون الثاني الماضي.

مصدر بجهاز الاستخبارات العامة اتهم تنظيم “الدولة الإسلامية” بالوقوف خلف التخطيط للتفجير، ثم أعلنت وزارة الداخلية اعتقال عدة أشخاص متورطين، ونشرت صورًا تظهر أربعة أفراد قالت إنهم يتبعون للتنظيم.

وفي 27 من كانون الثاني الماضي، تمكنت مجموعة مقاتلين من الفصائل المحلية سابقًا في محافظة درعا، من القبض على القيادي في تنظيم “الدولة”، “عطا الحريري”، وتسليمه إلى “إدارة الأمن العام” في بلدة كفر شمس بريف المحافظة الغربي.

وقال قيادي محلي يقيم في منطقة الجيدور لعنب بلدي، إن المجموعة تمكنت من إلقاء القبض على الحريري، خلال محاولته تهريب أسلحة من المنطقة باتجاه البادية السورية، ووجدوا معه صورًا لبعض القياديين المحليين في المنطقة، في حين تمكنت سيارة أخرى كانت ترافقه من الهرب.

وينحدر “عطا الحريري” من بلدة بصر الحرير في ريف درعا الشرقي، وهو من سكان حي الحجر الأسود في ريف دمشق، ويلقب بـ”عطا الشامي” أيضًا، ووفق القيادي المحلي، فإن الحريري هو “أمير القاطع الشرقي”، وتولى منصبه بعد مقتل القيادي السابق في التنظيم “أبو طارق الصبيحي”.

“طموح بلا أدوات”

وزير الدفاع في حكومة دمشق المؤقتة، مرهف أبو قصرة، قال خلال مقابلة له، إن خطر تنظيم “الدولة” لا يزال قائمًا في سوريا، وإن الوزارة تواصل العمل لمكافحته بكل الوسائل المتاحة، مشيرًا إلى التنسيق مع وزارة الداخلية.

الباحث في الجماعات الجهادية عرابي عرابي، يرى أن تنظيم “الدولة” في مرحلة يحتاج بها إلى تماسك داخلي خاصة بموضوع استقطاب المجندين في سوريا وخارجها، حيث تعتبر سوريا بالنسبة له درجة ثانية من ناحية الأولوية، إذ تأتي إفريقيا أولًا وربما العراق في مرحلة لاحقة.

وقال عرابي لعنب بلدي، إن الإصدار المرئي يأتي للتحريض الإعلامي وتحقيق التماسك الداخلي، فهو لم يصدر عن إعلام رسمي إنما رديف، لأن مؤسسة “البتار” ليست إعلامًا رسميًا إنما رديفًا، يديرها شخص يدعى “أبو قتيبة” وشخص آخر “أُسيد أبو اليمان”، أحدهما هو القائم على المؤسسة.

ويرى الباحث أن التهديد لا يتعدى سياق الضخ الإعلامي والتحريض دون الوصول إلى نتيجة، معتبرًا أن التنظيم لديه الطموح وليست لديه الأدوات للوصول إليه.

“مؤذٍ باستعانة خارجية”

للتنظيم عداء تاريخي مع الفصائل المقاتلة في سوريا ولا سيما “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام) حاليًا، وقائدها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، الذي أصبح رئيسًا انتقاليًا للبلاد، إذ تخلى الفصيل (الهيئة) عن ارتباطاته بالتنظيمات “الجهادية”، وغيّر خطابه من التشدد إلى الاعتدال.

الباحث في الجماعات الجهادية والحركات الدينية عبد الرحمن الحاج، قال لعنب بلدي، إن التنظيم أساسًا يشكل خصمًا لدودًا لـ”جبهة النصرة” ولجميع فصائل المعارضة، وخصوصًا فصائل “الجيش الحر”، وبالتالي هذا التهديد لا يضيف شيئًا جديدًا، بالنسبة للتنظيم نفسه، لكنه قد يساعد على تأليب الجهاديين في المنطقة على محاولة استهداف الدولة، وربما استهداف قيادة الإدارة الجديدة بشكل رئيس.

ويرى الحاج أن عملية التفجير في ضريح السيدة زينب التي تم اكتشافها ومنعها، تثبت رغبة التنظيم في إشعال فتيل طائفي على غرار ما حدث في العراق عند تفجير المراقد في سامراء، حيث أدت إلى حرب طائفية.

ورجّح الباحث ارتباط محاولة التفجير بتنسيق ما مع إيرانيين، لأنه من غير المعقول أن يأتي التخطيط للعملية بالتزامن مع إشاعة عودة ماهر الأسد، وإشاعة عمليات لـ”حزب الله” اللبناني في القصير، ومقتل عدد من الضباط في منطقة هي “مركز التوتر العلوي- السني ساهم ضباطها بالكثير من المجازر في ريف حمص”.

ويعتقد الباحث أن التنظيم ينسق مع أعداء النظام الجديد في سوريا، وهم بالتحديد إيران وفلول النظام السوري السابق، وهو كان سابقًا على تنسيق معهم بدرجات متفاوتة وفي أماكن عديدة مثل درعا وإدلب وشمال غربي سوريا، لهذا قد يشكل التنظيم تهديدًا جديدًا بالتناغم مع أنشطة خصوم النظام الحالي، نظام ما بعد الأسد.

 

نحن نتحدث عن خصومة قديمة لتنظيم يعاني الآن من ضعف قدراته، لكنه يمكن أن يكون مؤذيًا مع الاستعانة بخصوم النظام الجديد الإقليميين.

د. عبد الرحمن الحاج

باحث في الحركات الدينية

وبتقدير الباحث، فإن هذا التحفيز الجديد خارجي أكثر مما هو بواعث ذاتية للتنظيم، الذي من الواضح أن قدرته على تنفيذ العمليات تراجعت بحدة، معتبرًا أن التنظيم يصارع الآن من أجل البقاء، ويعلم أنه يواجه خصمًا يمكن أن ينهي وجوده تمامًا في سوريا.

ورغم تراجع حضوره بشكل واسع، لا يزال التنظيم ينشط في مناطق دون غيرها في سوريا، حيث تعتبر منطقة البادية الممتدة بمحاذاة الحدود العراقية شرقي سوريا معقل تنظيم “الدولة”، وتنطلق من هذه المنطقة هجمات متكررة له.

كما تنشط خلاياه منذ سنوات في الجنوب السوري، دون إعلانات واضحة من التنظيم نفسه عن العمليات التي ينفذها أو يقف خلفها في المنطقة، بينما انخفضت وتيرة أعماله في الشمال السوري، بسبب تضييق الفصائل عليه بشدة.

وتعاقب على قيادة تنظيم “الدولة” خمس شخصيات تولت كل منها السلطة بعد مقتل من سبقها، إذ اعتاد التنظيم بعد العمليات التي استهدفت زعماءه الإعلان عن مقتل “الخليفة” وتعيين زعيم خلفًا له بتسجيل واحد.

في 3 من آب 2023، أعلن التنظيم تعيين “أبو حفص الهاشمي القرشي” زعيمًا خامسًا له، عبر كلمة صوتية للمتحدث الجديد “أبو حذيفة”، ولا توجد أي تفاصيل متاحة عن الزعيم الجديد.

مقالات متعلقة

  1. "ردع العدوان".. رسائل "طمأنة" للداخل والخارج
  2. السجون.. رسالة "الجولاني" لتبييض صورته دوليًا مشروخة داخليًا
  3. لماذا يتحدث الجولاني والبغدادي عن إدلب قبيل هجوم مرتقب؟
  4. لماذا تحرك "الجولاني" لاعتقال "أبو أحمد زكور" من ريف حلب

سوريا

المزيد من سوريا