بسبب الخسائر
مزارعون يهربون إلى مهن بديلة في رأس العين
عنب بلدي – رأس العين
بعد 20 عامًا من العمل في الزراعة، ترك كريم الحسين مهنته في قرية الجاموس شرقي رأس العين شمالي الحسكة، وافتتح محلًا لبيع الملابس المستعملة (البالة).
حاول كريم التمسك بالزراعة، لكن موجات الجفاف، وارتفاع التكاليف، وعدم وجود آلية لتسويق المحاصيل، سببت له خسائر مالية تجاوزت 25 ألف دولار أمريكي (290 مليون ليرة سورية) خلال الأربع سنوات الماضية.
في البداية، واجه كريم صعوبة في التكيف مع بيع الملابس، بسبب نقص الخبرة لديه، لكن بدأ المحل يستقطب الزبائن تدريجيًا، وبعد ستة أشهر على العمل، تحسن وضعه المادي، وصار يحقق مردودًا ماليًا ثابتًا لعائلته.
وفق رصد عنب بلدي، تشهد منطقة رأس العين شمالي غربي الحسكة منذ عام تحولًا اقتصاديًا ملحوظًا، حيث عزف العديد من سكانها عن الزراعة التي كانت تمثل نشاطهم الأساسي لعقود طويلة.
وجاء الابتعاد عن الزراعة بعد خسائر متكررة أثقلت كاهل المزارعين، ما دفعهم للبحث عن مصادر دخل أكثر استقرارًا، تمثلت في الأعمال الحرة والتجارة.
خلال السنوات الأربع الماضية، تعرض مزارعو رأس العين لخسائر متتالية نتيجة ارتفاع تكاليف الزراعة وانخفاض أسعار المحاصيل وقلة الأمطار إضافة إلى غياب آليات فعالة لتسويق الحبوب وعدم تحقيق إنتاج ذي جدوى.
الخسائر تدفع نحو مهن ثانية
فرحان البشير، الذي يمتلك 150 دونمًا في قرية أبو جلود غربي رأس العين، قرر هذا العام عدم زراعتها، بسبب الخسائر المتتالية التي تعرض لها في عدة مواسم زراعية.
بدلًا من الزراعة، اختار فرحان تجارة المحروقات وقرر فتح “بسطة” لبيع الوقود في المدينة، حيث بدأ برأس مال قدره 170 دولارًا أمريكيًا (مليونا ليرة سورية).
وذكر لعنب بلدي أنه لن يعود إلى الزراعة، إلا في حال تحسنت الظروف وأصبحت الزراعة مجدية مرة أخرى، مع توفر جميع المواد اللازمة للإنتاج كما كانت في السابق.
من جانبه، قال تاجر المحاصيل الزراعية، محمد الكريط، إن التجار عانوا هذا العام مثل المزارعين، حيث يشترون المحاصيل دون معرفة وجهة توريدها.
وأوضح لعنب بلدي أن الوضع هذا العام كان صعبًا بشكل خاص، حيث لم يتمكن من تصريف محصولي القمح والقطن بسبب إغلاق حدود المنطقة بشكل كامل.
وأضاف أن مستودعه يحتوي على نحو 60 طنًا من الكمون، و70 طنًا من القطن، و80 طنًا من القمح، لكنه لم يتمكن من تصريف هذه الكميات بسبب القيود المفروضة على حركة التجارة.
وأشار أن الوضع الحالي يمثل تحديًا كبيرًا ليس للتجار فقط، بل للمزارعين أيضًا، ما يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المحلي ويزيد من معاناة الجميع.
غياب الدعم والتسويق يعمق معاناة المزارعين
المهندس الزراعي رضوان السليم (62 عامًا) قال لعنب بلدي، إن الزراعة لم تصل إلى هذا الوضع المتردي إلا خلال السنوات الخمس الأخيرة، مقارنًا الأمر بعمله في المجال الزراعي لمدة 24 عامًا في رأس العين.
وأوضح أن الأسباب الرئيسة وراء ذلك هي غياب الدعم الحكومي والمنظماتي لمنطقة رأس العين بشكل كامل، خاصة في القطاع الزراعي، إلى جانب عدم وجود آلية لتسويق المحاصيل.
وأضاف أن “الحكومة السورية المؤقتة” اعتمدت على المجالس المحلية التي لا تمتلك القدرة المالية لشراء المحاصيل، إذ إنها تؤدي دور البلديات سابقًا ولكن فقط بصلاحيات أوسع.
وتوقع المهندس أن يدفع الوضع الحالي كثيرًا من المزارعين إلى التحول إلى مهن أخرى حتى يتحقق استقرار القطاع الزراعي، مع عودة الدعم الحكومي وتنظيم آليات تسويق المحاصيل.
التصحّر يضرب المنطقة
في تحقيق أعدته عنب بلدي، كشفت فيه أن المساحات البعلية أكثر من المروية في منطقتي تل أبيض ورأس العين اللتين يعتمد فيهما السكان على الزراعة كمصدر دخل رئيس، وساء
وضع التربة بسبب استنزاف مفرط للمياه الجوفية، ونمط الزراعة غير المستدامة، وسوء إدارة الموارد المائية، إضافة إلى جفاف العديد من الآبار الخاصة، لتتحول الزراعة إلى مهنة لا “تجلب همها” بل تكبّد المزارعين خسائر
وتصحّرت مساحات واسعة من الأراضي، كما تعاني المنطقة من ارتفاع تكاليف الزراعة و”تهميش” من قبل “الحكومة السورية المؤقتة” للثروة الزراعية، وفق مزارعين قابلتهم عنب بلدي، ما ينذر بانهيار قطاع الزراعة، إثر عوامل طبيعية وبشرية دون حلول على المدى القريب أو البعيد.
وتوجه عدد من المزارعين إلى بيع أراضيهم، حيث تقسم الأراضي الزراعية في رأس العين إلى منطقة استقرار أولى، وثانية، وثالثة، ورابعة، ويتم تسميتها بناء على مستوى المياه المتوفرة في كل منها وكمية هطول الأمطار.
تقع رأس العين بمحاذاة الحدود التركية، ويسيطر عليها “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا منذ عام 2019، وتحيط بها جبهات القتال مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتعد الحدود التركية منفذها الوحيد نحو الخارج.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :