موظفون ينتظرون في طوابير لقبض رواتبهم من الصرافات الآلية في دمشق - كانون الأول 2024 (أنس الخولي/عنب بلدي)
زيادة الرواتب رهن الإنتاج في سوريا
في 7 من كانون الثاني الماضي، قال مسؤول أمريكي ودبلوماسي إن قطر تخطط للمساعدة في تمويل زيادة “ضخمة” في أجور القطاع العام التي وعدت بها الحكومة السورية الجديدة، والتي قررت بدورها رفع رواتب العاملين بنسبة 400% اعتبارًا من شباط المقبل.
وكالة “رويترز” للأنباء نقلت حينها عن مسؤول عربي أن المحادثات بشأن تمويل قطر لرواتب الحكومة السورية جارية ولم يتم الانتهاء من شيء بعد، مضيفًا أن دولًا أخرى بما في ذلك السعودية قد تنضم لهذه الجهود.
المسؤول الأمريكي قال إن الدوحة كانت تضغط على واشنطن بقوة لإصدار إعفاء من العقوبات حتى تتمكن من تقديم التمويل بشكل رسمي.
127 مليون دولار
في 5 من كانون الثاني، رفعت الحكومة السورية الرواتب للعاملين في القطاع العام بنسبة 400%، بحسب ما أعلن وزير المالية السوري في حكومة تصريف الأعمال السورية، محمد أبازيد.
تقدر تكلفة الزيادة بنحو 1.65 ترليون ليرة سورية، أو نحو 127 مليون دولار أمريكي، وسيتم تمويلها من موارد الدولة الحالية بالإضافة إلى مزيج من المساعدات الإقليمية والاستثمارات الجديدة والجهود الرامية إلى الإفراج عن الأصول السورية المجمدة في الخارج، وفق الوزير.
ويوجد في سوريا أكثر من 1.25 مليون موظف على جداول رواتب القطاع العام، وقال مصدر في وزارة المالية السورية لـ”رويترز“، إنهم لا يملكون تأكيدًا بشأن تمويل أجنبي للرواتب، لكن كانت هناك تعهدات عامة بالدعم.
على نقيض ذلك، قالت حاكمة المصرف المركزي السوري، ميساء صابرين، إن المصرف لديه ما يكفي من المال في خزائنه لدفع رواتب الموظفين حتى بعد الزيادة بنسبة 400% التي وعدت بها الإدارة السورية الجديدة.
لم تقدم صابرين أي تفاصيل حول حجم احتياطيات سوريا الحالية من النقد الأجنبي والذهب، وقالت إن مراجعة الميزانية العامة لا تزال جارية.
حديث حاكمة المصرف جاء بعد أسابيع قليلة من تصريح رئيس حكومة تسيير الأعمال، حول الاحتياطي في سوريا، إذ قال إنه لا توجد في خزائن البنك المركزي سوى الليرة السورية “التي لا تساوي شيئًا”، مضيفًا في حديث لصحيفة “إل كورييري ديلا سيرا”، في 11 من كانون الأول 2024، “ليست لدينا عملة أجنبية ونحن في وضع مالي سيئ للغاية”.
تعزز الاعتماد
حول أثر اعتماد الحكومة السورية في تمويل الرواتب والزيادة الجديدة على تمويل من دول خارجية إما على شكل مساعدات أو مساهمات مؤقتة، يرى الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل أن هذا الأمر قد يؤدي إلى آثار سلبية على الاقتصاد، إذ يمكن أن يزيد من العجز المالي عند انتهاء المساعدات التي من الممكن أن تكون لفترة مؤقتة فقط.
كما يعزز الاعتماد على الخارج بدلًا من تطوير مصادر دخل محلية مستدامة، بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه السياسة قد تؤدي إلى تضخم في الإنفاق الاستهلاكي دون أن يرافق ذلك أي تحسن في الإنتاجية الاقتصادية، مما يضع ضغطاً إضافيًا على الاقتصاد المحلي، بحسب حديث المغربل لعنب بلدي.
في ظل المعطيات الحالية من ناحية تراجع الإنتاج وتهالك القطاعات المتعددة التي ممكن أن تساعد في تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد وبالتالي الوصول إلى مرحلة تأمين الرواتب من موارد إنتاجية مستدامة، يجب على الحكومة التركيز على عدة نقاط في هذه المرحلة، بحسب ما أشار عبد العظيم المغربل.
من بين هذه النقاط إعادة تنشيط القطاع الزراعي والصناعات الصغيرة والمتوسطة إلى جانب تحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مختلف القطاعات، فضلًا عن تحسين الحوكمة المالية ومكافحة الفساد لضمان كفاءة تخصيص الموارد، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية لدعم الإنتاج، وتنويع مصادر الدخل خصوصًا من عوائد المعابر والموانئ للدولة.
بطالة وتراجع إنتاج
الخبير الاقتصادي جورج خزام، اعتبر أنه في حالة الاعتماد على تمويل زيادة رواتب القطاع العام من معونات خارجية و أرصدة مجمدة سيحمل ذلك العديد من الآثار السلبية على الاقتصاد، من أبرزها ارتفاع سعر صرف الدولار بسبب زيادة المستوردات لتلبية الطلب المتزايد على البضاعة المستوردة و البضاعة الوطنية التي يدخل بتصنيعها نسبة كبيرة من المواد الأولية المستوردة.
كما سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار جميع البضائع بسبب زيادة حجم الطلب بالمقارنة بكمية البضائع المعروضة للبيع، وفق ما ذكر خزام في منشور له عبر صفحته الرسمية في “فيس بوك“.
كما قد يضطر القطاع الخاص لزيادة الرواتب ومعه زيادة التكاليف وبالتالي ارتفاع الأسعار وتراجع الصادرات وزيادة المستوردات، ومعه تراجع الإنتاج والطلب وزيادة البطالة والكساد، بناء على ذلك ستكون الزيادة وهمية وسلبية للرواتب، وفق الخبير الاقتصادي.
وأضاف الخبير الاقتصادي جورج خزام، أنه على النقيض من ذلك قد لن يرافق تمويل زيادة رواتب القطاع العام من الضرائب على زيادة الإنتاج بالقطاعين العام والخاص أي زيادة في الأسعار أو سعر صرف الدولار، وسيؤدي ذلك زيادة كافية بكميات الإنتاج لإحداث توازن بين كمية البضائع والدولار المعروضة للبيع في السوق مع كمية الأموال المتداولة بالليرة السورية، وبناء على ذلك ستكون الزيادة حقيقية وليست وهمية وأو سلبية.
طرق خاطئة سابقة
كانت حكومة النظام السابق تمول زيادات الأجور التي أقرتها خلال السنوات الماضية من خلال وسيلتين رئيستين، الأولى الوفورات المالية من تخفيض مستوى الدعم على السلع الأساسية، والثانية عن طريق التمويل بالعجز، بحسب ما ذكر الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، في مقال رأي نشر في وقت سابق.
الطريقتان السابقتان المتبعتان في تأمين تكلفة زيادة الأجور خاطئتان، وكانتا تقودان إلى نتائج سلبية للغاية على مستوى الشعب السوري، فعند تخفيض الدعم عن السلع الرئيسة تزداد نفقات الأسر، وبالكاد تغطي الزيادة النفقات الجديدة.
يتعلق بالتمويل بالعجز بضخ المزيد من الليرات السورية في السوق دون غطاء إنتاجي، فهذا الأمر كان يزيد من نسبة التضخم ويفاقم أزمة الليرة، وبالتالي تتدهور القدرة الشرائية للأجور، والضرر الذي كان يلاحق الموظفين يفوق النفع المكتسب نتيجة الزيادة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :