تعا تفرج
أحلام الفلسطينيين والسوريين
خطيب بدلة
يتجنب أبناءُ الأمتين، العربية الإسلامية، طرحَ الأسئلة المصيرية الكبرى، ليقينهم أن الخوض فيها يذهب بتفكير المرء إلى مناطق بالغة الخطورة. ثمة سؤال خطير، يلح عليّ منذ زمن بعيد، وكلما هممتُ بطرحه، أتراجع، خوفًا من ردود الفعل المتوقعة. السؤال هو: قبل ما يزيد على ثلاثة أرباع القرن، أو، تحديدًا في سنة 1948، لو لم يهب العرب والمسلمون لنصرة شعب فلسطين، ما الذي كان يمكن أن يحصل؟
إذا قرأ أبناء أمتنا المعتادون على إلقاء الخطابات هذا السؤال، لا شك أنهم سينطون، ولا يحطون، ويذكّروننا بأن اليهود غدارون، ناقضو عهود، وأن للصهيونية العالمية أطماعًا في أرض فلسطين العربية، فأين الضمير؟ أين النخوة، وأخوة الدم، والكرامة، والإباء والرجولة؟ وقد تأخذ بعضَهم الحالة، فيلقون علينا أشعار المقاومة التي تعلموها في منهاج الثانوية العامة، الفرع الأدبي، وبالأخص بيت عمر أبو ريشة الذي يرمز للتضحية والفداء:
تقضي الرجولة أن نمد جسومنا
جسرًا، فقل لرفاقنا أن يعبروا
لا يستطيع السادة الخطباء إعطاء جواب عقلاني عن أي سؤال ذي بعد وطني، مصيري، ولذلك سأحاول الإجابة عن سؤالي بنفسي، فأقول: لو أن العرب والمسلمين تركوا إخوتنا الفلسطينيين بحالهم، في ذلك الحين، لكان وضعهم أحسن مما هو عليه بكثير. وإليك الأسباب.
كان الفلسطينيون، في سنة 1948، شعبًا ضعيفًا، فقيرًا، أمضى 400 سنة تحت حكم العثمانيين، وفي سنة 1920، بعدما انتصرت فرنسا وبريطانيا، في الحرب العالمية الأولى، وقعوا تحت الانتداب البريطاني (صدّقت عصبة الأمم على قرار الانتداب في سنة 1922)، وهذا يرجح أن يقبل شعب فلسطين بقرار التقسيم، ويعيش، أو يتعايش مع اليهود الذين قرروا بناء دولتهم في فلسطين، مدعومين من سلطة الانتداب البريطاني نفسها، وأما التدخل المستمر للعرب والمسلمين في شؤونهم، فقد أوصلهم، وأوصل العرب والمسلمين أنفسهم، إلى هذا الحال المرعب من التشتت والدمار.
هذا السؤال الخطير، يمكن سحبه على حال السوريين اليوم، ليتفرع عنه سؤال أكبر، وأخطر، هو: إذا استيقظنا يوم غد، قبل صياح الديك، على قرار من مجلس الأمن، تحت البند السابع، يقضي بتقسيم سوريا إلى منطقة علوية، ومنطقة سنية، ومنطقة درزية، ومنطقة كردية، وأرسلت إلينا منظمة الأمم المتحدة خبراء طبوغرافيين، ليرسموا لنا الحدود الجديدة، ما الذي يستطيع الناس الطفرانون الغلبانون العائشون تحت الرعب والجوع والآلام طوال هذه السنين فعلَه؟
لن يستطيعوا فعل شيء، بالطبع، وقد تشهد شوارعهم مظاهرة احتجاج هنا، أو هناك، ثم سرعان ما يبدأ الناس بالتعايش مع الوضع الجديد. أول سؤال أتوقع أن يطرح عليّ الآن: وهل أنت مع التقسيم؟
الجواب: لا، وللعلم أنا، محسوبكم، من أكثر الحالمين ببقاء سوريا موحدة، سيادتُها الوطنية مصونة، ولكن الحلم شيء، والواقع شيء آخر، والذين يغنون اليوم، في الشوارع، ارفع راسك فوق، أنت سوري حر، ربما غاب عن بالهم، أن سوريا، بطبيعة الحال، ضعيفة، ومهزومة، ومناطق كثيرة من أراضيها قضمت، ولم تعد آمال أبناء شعبها تتعدى الحصول على الأمان، ولقمة عيش كريمة، وأن الفارق بين الواقع والأوهام كبير للغاية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :