قد يؤدي إلى الانتحار.. ما آلية تشخيص الاكتئاب وعلاجه
د. أكرم خولاني
عندما يصيب الاكتئاب شخصًا ما فإنه يؤثر على مشاعره وتفكيره وتصرفاته، ما يسبب الكثير من المشكلات العاطفية والجسدية، التي بدورها تؤثر على أداء الأنشطة اليومية، وقد يسبب الشعورَ باليأس من الحياة والتفكير في الانتحار وربما الإقدام عليه في الحالات المتقدمة، لذا لا بد من تشخيص المرض والبدء بعلاجه بأسرع وقت.
كيف يتم تشخيص الاكتئاب؟
- التاريخ الشخصي: إجراء تقييم نفسي للمريض عن طريق سؤاله عن الأعراض والأفكار والمشاعر وأنماط السلوك، والتأكد من وجود الأعراض لمدة أسبوعين.
- التحاليل المخبرية: يجب القيام بتحليل دم شامل للتأكد من أن الأعراض ليست بسبب مشكلات عضوية، إذ إن هنالك بعض الحالات تصاحبها أعراض تشبه أعراض الاكتئاب (مثل مشكلات الغدة الدرقية، أو ورم في الدماغ، أو نقص الفيتامينات كفيتامين د)، لذلك يجب نفي هذه الحالات قبل تشخيص الاكتئاب.
قد يستخدم اختصاصي الصحة النفسية معايير الاكتئاب في الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية (DSM-5)، الذي نشرته جمعية الطب النفسي الأمريكية، ويمكن أن تختلف الأعراض الناتجة عن الاكتئاب الشديد من شخص لآخر، لذا قد يضيف الطبيب واحدًا أو أكثر من عوامل التحديد لتوضيح نوع الاكتئاب الذي يعانيه المريض، ويقصد بعامل التحديد أن لدى المريض اكتئابًا بسمات معيّنة، مثل:
- انزعاج قلقي: اكتئاب مصحوب بالشعور بالتململ أو القلق على نحو غير معتاد بشأن أحداث محتملة الوقوع
- السمات المختلطة: الاكتئاب والهوس المتزامنان في وقت واحد، مما يتضمن ارتفاع مستوى الثقة بالنفس، والثرثرة أكثر من المعتاد وزيادة النشاط.
- السمات السوداوية: الاكتئاب الشديد مع فقدان الاستجابة للأشياء التي كانت ممتعة ومحببة، ويرتبط ذلك بالاستيقاظ المبكر، وسوء المزاج صباحًا، فضلًا عن التغيرات الكبيرة في الشهية، والشعور بالذنب أو فرط التكاسل أو الهياج.
- السمات غير النموذجية: اكتئاب يتضمن القدرة على الابتهاج مؤقتًا بالأحداث السعيدة، وزيادة الشهية، والحاجة المفرطة للنوم، والحساسية تجاه الرفض، والشعور بالثقل في الذراعين أو الساقين.
- السمات الذهانية: اكتئاب مصحوب بالتهيؤات أو الهلوسة، والذي قد ينطوي على عدم الكفاءة الشخصية أو الصفات السلبية الأخرى.
- سمات الجمود: اكتئاب يتضمن النشاط الحركي الذي ينطوي إما على حركة لا يمكن السيطرة عليها وغير مقصودة وإما وضعية ثابتة وغير مرنة.
- الاكتئاب في الفترة المحيطة بالولادة: ويحدث في أثناء فترة الحمل أو في أثناء أسابيع أو أشهر ما بعد الولادة (الفترة التالية للولادة).
- النمط الفصلي: اكتئاب متعلق بتغيرات فصول السنة وبقلة التعرض لأشعة الشمس.
كيف يمكن علاج الاكتئاب؟
الاكتئاب بجميع أنواعه وشدته قابل للعلاج، وكلما بدأ العلاج مبكرًا زادت فعاليته، وتشمل طرق العلاج ما يأتي:
الأدوية: تتوفر عشرات الأدوية لعلاج الاكتئاب والتي تسمى “مضادات الاكتئاب”، وهي عادة تتطلب عدة أسابيع (أسبوعان إلى 4 أسابيع) ليبدأ مفعولها، كما أنها تتطلب الاستمرار على تناولها لفترة تتراوح بين 6 و12 شهرًا في بعض الحالات، وتبدأ بعض الاضطرابات (مثل النوم والشهية) بالتحسن قبل تحسن المزاج، وتكون النتائج أفضل عند الدمج بين الأدوية والعلاج النفسي، وتشمل مراحل علاج الاكتئاب ما يلي:
- الاختيار النموذجي الأول: يبدأ العديد من الأطباء في علاج الاكتئاب بالأدوية المضادة لمرض الاكتئاب المعروفة باسم مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الاختيارية (SSRIs)، وتعتبر هذه الأدوية أكثر أمانًا وتسبب بشكل عام آثارًا جانبية مزعجة أقل من الأنواع الأخرى من مضادات الاكتئاب. ومن أمثلة مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية السيتالوبرام (Celexa) وإسيتالوبرام (Lexapro) وفلوكستين (Prozac) وبارواكسيتين (Paxil وPexeva) والسيرترالين (Zoloft) وفيلازدون (Viibryd).
- الاختيار النموذجي الثاني: مجموعة من مضادات الاكتئاب المعروفة باسم مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، ربما تكون مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات فعالة للغاية، ومن أمثلتها الإيميبرامين (Tofranil)، والنورتريبتيلين (Pamelor)، والأميتريبتيلين ودوكسيبين، وتريميبرامين (Surmontil)، وديسيبرامين (Norpramin) وبروتريبتيلين (Vivactil)، إلا أنها تسبب آثارًا جانبية أكثر حدة من مضادات الاكتئاب الأحدث. ولذلك، لا توصف في العموم إلا بعد تجربة مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية دون تحسن الحالة.
- الاختيار النموذجي الأخير: مجموعة من مضادات الاكتئاب المعروفة باسم مُثَبِّطات أُكسيدازِ أُحادِيِّ الأَمين، فقد يصف الأطباء مثبطات أكسيداز أحادي الأمين، مثل ترانيلسيبرومين (Parnate) وفينيلزين (Nardil) وإيزوكربوكسازيد (Marplan)، غالبًا عندما تعجز الأدوية الأخرى عن تحسين الحالة، وذلك لأنها يمكن أن تؤدي إلى آثار جانبية خطيرة، ويتطلب تناول هذه الأدوية نظامًا غذائيًا صارمًا بسبب التفاعلات الخطيرة (أو المميتة) مع الأطعمة مثل أنواع معينة من الجبن والمخللات والنبيذ وبعض الأدوية والمكملات الغذائية العشبية.
قد تحتاج الحالة إلى تجريب عدة أدوية قبل معرفة الدواء المناسب، لذا يتطلب الأمر بعض الصبر، حيث تستغرق بعض الأدوية عدة أسابيع أو أكثر حتى يبدأ مفعولها بالكامل وحتى تقل تأثيراتها الجانبية، وعادة إذا استجاب أحد أفراد العائلة لأحد أدوية مضادات الاكتئاب بشكل جيد، فقد يصبح هذا الدواء مفيدًا لغيره من أفراد العائلة.
وقد يوصي الطبيب بالجمع بين نوعين من مضادات الاكتئاب، أو إضافة أدوية أخرى إلى مضاد الاكتئاب لتعزيز الآثار المضادة للاكتئاب، مثل مثبتات الحالة المزاجية أو مضادات الذهان، ويمكن إضافة مضادات القلق والأدوية المنشطة للاستخدام على المدى القصير.
جميع الأدوية المضادة لمرض الاكتئاب يمكن أن تسبب أعراضًا جانبية غير مرغوب فيها، وتظهر بمستويات متفاوتة الشدة عند مختلف المرضى، فأحيانًا تكون خفيفة إلى درجة لا تلزم التوقف عن تناول الدواء، كما قد تختفي أو تخف هذه الأعراض خلال أسابيع معدودة من بدء العلاج، وبشكل عام ينصح عند البدء باستخدام الأدوية بالانتباه للنقاط التالية:
- قد يعاني البعض من الأفكار الانتحارية (خاصة الأطفال والمراهقين والشباب ممن هم دون 25 سنة)، لذلك يجب مراقبتهم جيدًا وعن قرب، خاصة في بداية استخدام الأدوية، أو عند تغيير الجرعات.
- يجب التحدث مع الطبيب قبل استخدام الأدوية وقت الحمل، أو عند التخطيط للحمل، أو قبل الرضاعة، لأن بعض مضادات الاكتئاب قد تشكل خطرًا صحيًا متزايدًا على الجنين أو الرضيع.
- يجب عدم التوقف عن استخدام الأدوية بشكل مفاجئ، إنما تقلل الجرعة تدريجيًا تحت إشراف الطبيب، ليس لأنها تسبب الإدمان، بل لأن الجسم قد يكون قد اعتاد عليها، وبالتالي فإن إيقاف العلاج فجأة أو تفويت جرعات عديدة يمكن أن يسبب أعراضًا شبيهة بالانسحاب، وقد يسبب التوقف المفاجئ تدهورًا مفاجئًا في الاكتئاب.
العلاج النفسي: يُعرف العلاج النفسي أيضًا بالعلاج بالحوار أو المعالجة النفسية، ويمكن للأنواع المختلفة من العلاج النفسي أن تكون فعالة في علاج الاكتئاب، مثل العلاج السلوكي المعرفي أو العلاج بالتركيز على العلاقات مع الآخرين، وقد يكون العلاج النفسي هو العلاج الأفضل، على الأقل كبداية، في الحالات البسيطة من المرض.
ويعتبر العلاج المشترك الذي يشمل العلاج النفسي والدوائي معًا هو الأفضل في معظم الحالات كما أثبتت التجارب الطبية.
ويهدف العلاج النفسي للتركيز على النقاط التالية:
- تحديد المعتقدات والسلوكيات السلبية واستبدالها بأخرى سليمة وإيجابية.
- استكشاف العلاقات والخبرات، وتطوير التفاعلات الإيجابية مع الآخرين.
- إيجاد أفضل الطرق للتعامل مع المشكلات وحلها.
- تحديد المشكلات التي تسهم في إصابتك بالاكتئاب وتغيّر سلوكياتك مما يزيد الأمر سوءًا.
- استعادة الشعور بالارتياح والقدرة على السيطرة في حياتك والمساعدة على تخفيف أعراض الاكتئاب، مثل اليأس والغضب.
علاجات التحفيز الدماغي: قد تكون خيارًا للأشخاص الذين لا يستجيبون إلى مضادات الاكتئاب أو لا يمكنهم تناول مضادات الاكتئاب لأسباب صحية أو لأنها تعرضهم لخطر الإقدام على الانتحار، وتشمل هذه العلاجات:
- العلاج بالتخليج الكهربائي أو ما يعرف بالعلاج بالصدمة الكهربائية ((ECT: حيث يتم إمرار تيارات كهربية عبر الدماغ للتأثير على وظيفة الناقلات العصبية وتأثيرها في الدماغ، وذلك قد يساعد في علاج الاكتئاب.
- التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة ((TMS: خلال جلسة التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة، ترسل وشائع العلاج التي يتم وضعها أمام فروة الرأس نبضات مغناطيسية قصيرة لتحفيز الخلايا العصبية في الدماغ التي تسهم في تنظيم المزاج والاكتئاب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :