لا تستهينوا بالشائعات

tag icon ع ع ع

علي عيد

منذ سقوط النظام السوري بشكل كامل، في 8 من كانون الأول 2024، تشهد البلاد حرب شائعات شرسة، في بلد لا يزال السلم المجتمعي فيه هشًّا، وقد تسفر الشائعات عن دورة عنف وتطهير، بسبب الجرائم المرتكبة خلال عقود من حكم الرئيسين، الأسبق حافظ الأسد، وابنه المخلوع بشار الأسد، وأصعبها سنوات ما بعد 2011، التي ظهر رأس جبل الجليد منها في صور تناقلها الإعلام ووسائل التواصل، وتسبب بصدمة كبيرة في الرأي العام العالمي، واحتقان شديد على المستوى المحلي من ذوي الضحايا والمعذّبين.

لا يعلم الناس العاديون مصادر الشائعات، وربما لا يدركون خطرها، وينساق كثير منهم إلى ترويجها، إما بدافع الرهبة والخوف، أو لأنهم يعتقدون بأنها تحقق لهم مصلحة، أو ترضي نزعات في دواخلهم.

في الأيام الأخيرة انتشرت شائعة حول عودة اللواء ماهر الأسد، شقيق الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى اللاذقية، إذ لا تزال المخاوف قائمة من إجراءات انتقامية فردية، تغذيها الشائعات أيضًا، واشتعلت مواقع التواصل بأخبار هذه العودة التي أشيع بأن هدفها قيادة تمرّد أو انقلاب في الساحل ضد الإدارة الجديدة.

هل كانت مجرد شائعة بلا خلفيات، أم أنها مرتبة لشدّ عصب متضررين أو متوارين عن الأنظار ستلاحقهم المحاكم خلال فترة تطبيق “العدالة الانتقالية” في البلاد، أم أن هناك من خطط لها لكشف حجم الاصطفاف الشعبي وراء النظام السابق، بصرف النظر عن خلفياته، مصلحية كانت أم طائفية أم سياسية.

تحركت مجموعات أمنية تابعة للإدارة الجديدة نحو الساحل السوري لضبط انفلات محتمل، وغيّر كثير من مستخدمي وسائل التواصل المتشككين “بروفايلاتهم” مستعيدين صور رموز النظام والعلم السابقين، بينما تورطت بعض وسائل الإعلام في نقل أخبار الشائعة قبل التأكد منها، وهو ما زاد من سخونة الحدث، وانتشرت تدوينات على وسائل التواصل، منها ما يتوعّد ويهدد، ومنها ما يتندّر أو يستخدم خطاب كراهية يمكن أن يتسبب في انقسام مجتمعي.

هناك شائعات ينشرها أشخاص لا يقصدون الخداع، فهم إما لا يقدّرون خطر ما ينشرونه، أو أنهم مُضللون، وأخرى يتم نشرها للتلاعب، وتمارس النوع الأخير مؤسسات ومنظمات سياسية، وأحزاب، وقوى ومافيات، وربما أجهزة مخابرات تديرها دول.

وليست الشائعة ظاهرة جديدة، والغالب أن الخصوم استخدموها عبر التاريخ، ومثاله حديثًا ما كشف عنه فيلم “الاختراق الكبير” (The Great Hack)، حين تلاعبت شركتا “فيس بوك” و“كامبريدج أناليتيكا” (Cambridge Analytica)‏ المتخصصة بجمع البيانات وتحليلها، بالرأي العام لمساعدة سياسيين وأحزاب في أكثر من مكان، ونتج عن ذلك تغيير نتائج الانتخابات الأمريكية عام 2016، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فيما عرف بـ”بريكست/Brexit” في نفس العام، والتأثير على الانتخابات في التشيك، وكينيا، والهند، ونيجيريا.

ومثال شائعات يغذيها الوهم، ما حصائل في شائعة “وباء زجاج سيارات سياتل” (Seattle windshield pitting epidemic) عام 1954، عندما انشغلت الولاية الأمريكية بظاهرة تحطم الزجاج الأمامي للسيارات، ووصلت آلاف التبليغات، وظهرت نظريات تتعلق بمسؤولية براغيث الرمل (sand fleas)، أو المخربين، أو التجارب النووية، ليتبين بعد التحقيقات أن الناس لم يكونوا ينظرون إلى زجاج سياراتهم ليلاحظوا أن الخدوش موجودة مسبقًا بطبيعة الحال.

تقع المسؤولية الأساسية في دحض الشائعات على الجهات الرسمية، التي تملك القدرة على التحقيق في الظواهر أو القضايا، وتتحكم بمسار التحقيق فيها، وتشير الباحثتان في كلية المعلومات بجامعة “واشنطن”، إيما س. سبيرو، وكيتي سترابيرد، إلى أن الشائعات غالبًا ما تظهر خلال الأزمات والأحداث المجهدة، إذ يجتمع الناس لفهم المعلومات الغامضة والمتطورة، خاصة عندما تتأخر المعلومات “الرسمية”.

لا تستهينوا بالشائعات، فقد تتسبب بمذابح كما حصل في رواندا، وعندما تغيب “الدولة” عن المهمة، أو تدير بنفسها “ماكينة” الشائعات، هنا يكون الإعلام المستقل حاضرًا، ليلعب المحقق الصحفي دوره في تتابع مصادرها، والتأكد والتحقق، وتزويد الجمهور بأقصى ما يمكن الوصول إليه من معلومات مؤكدة حول أي حدث أو ظاهرة.. وللحديث بقية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة