العدالة الانتقالية والدستور والانتخابات
أبرز التعديلات المتوقعة على القرار “2254”
عنب بلدي – جنى العيسى
في 12 من كانون الثاني الحالي، قال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون، إن من الممكن دراسة تعديل القرار الأممي رقم “2254”، أو تبني قرار آخر بشأن سوريا، بعد التغييرات التي شهدتها سوريا عقب سقوط النظام المخلوع.
تصريحات بيدرسون جاءت عقب تحفظ حكومة دمشق المؤقتة على بنود في القرار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القرار القائم لفض الصراع بين طرفين لم يعد قابلًا للتطبيق بصيغته الحرفية بعد انتهاء دور أحد هذين الطرفين، وهو النظام السابق، الذي سقط رئيسه الأسد وهرب إلى موسكو، وفرّ معظم مسؤوليه الكبار إلى الخارج، في 8 من كانون الأول 2024.
وقال بيدرسون حينها، “فشلنا بالتعامل مع الشأن السوري خلال السنوات الماضية وعلينا إعادة الثقة (…) المجتمع الدولي مجمع الآن على دعم سوريا”.
وتطالب جهات دولية وعربية باتخاذ القرار مرجعية لرسم الخارطة السياسية لمستقبل سوريا، وترى فيه السبيل لإحلال الاستقرار في سوريا، واستكمال التحول من “سوريا الأسد” إلى سوريا الجديدة، مرتبط بتطبيق هذا القرار الذي جاء ذكر التحول السياسي فيه في بند واحد فقط.
لا تفاصيل حول التعديلات
لم يذكر بيدرسون في تصريحه أي تفاصيل إضافية حول طبيعة التعديل الذي سيطرأ على القرار، أو ماهية القرار الأممي الجديد الذي يمكن اتخاذه حول سوريا.
اتخذ القرار “2254” في جلسة مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة رقم “7588”، التي عقدت في 18 من كانون الأول 2015، وأكد في بدايته التزامه بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.
أيد القرار الذي وقع في 16 بندًا بيان “جنيف” وبياني “فيينا” كأساس لتحقيق أي انتقال سياسي في سوريا عبر عملية سياسية يقودها السوريون، كما كرر في بعض بنوده ضرورة البدء بوقف إطلاق النار، باستثناء الفصائل المدرجة على “لوائح الإرهاب” آنذاك، وهي تنظيم “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة” التي فكت ارتباطها بتنظيم “القاعدة” لاحقًا، ومرت بعدة مراحل لتشكل “هيئة تحرير الشام” التي قادت اليوم المعارضة نحو القصر الرئاسي في دمشق.
وكمرحلة نهائية، تحدث القرار الأممي عن ضرورة إحلال حكومة انتقالية في سوريا مدتها 18 شهرًا، وإقامة حوار وطني يشارك به السوريون، وإعداد دستور جديد للبلاد، والسماح للوكالات الإنسانية والمنظمات الدولية بالوصول إلى المناطق المتضررة، ومساعدة السوريين المتضررين.
للحديث حول هذه التفاصيل، تواصلت عنب بلدي مع المتحدثة باسم المكتب الصحفي للمبعوث الأممي، جينيفر فانتون، إلا أنها لم تستطع الحصول بالضبط على التعديلات المرتقبة فيما يتعلق بالقرار الأممي حول سوريا.
فانتون أكدت حديث بيدرسون أنه من المفهوم جيدًا أن القرار الأممي “2254” لا يمكن تطبيقه حرفيًا في سوريا في ظل التطورات الأخيرة، على سبيل المثال، لن يكون النظام السابق طرفًا في أي عملية مستقبلية، وهناك بالطبع أمثلة أخرى أيضًا تفرض الحاجة إلى نهج وأساليب تفكير جديدة على العديد من الجبهات.
ولكن يوجد إجماع واسع النطاق على أن الانتقال السياسي في سوريا لا يزال بحاجة إلى تحقيق الأشياء الرئيسة التي حددها القرار “2254”، بحسب المتحدثة فانتون وهي:
- عملية انتقالية ذات مصداقية وشاملة وشفافة يقودها ويملكها السوريون.
- ضمان تشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية.
- إعداد دستور جديد من خلال عملية موثوقة وشاملة.
- إجراء انتخابات حرة ونزيهة، تشمل كل السوريين، وفقاً للمعايير الدولية.
تعديلات واجبة
حول التعديلات التي يجب أن يشملها القرار، اعتبر الباحث السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نادر الخليل، أنه منذ سقوط النظام المخلوع تتجه الأنظار إلى دور الأمم المتحدة في سوريا في ظل تصريحات قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، حول عدم جدوى العمل بالقرار الأممي “2254” الذي صدر لمرحلة سابقة وأنه لا بد من ادخال تعديلات جوهرية عليه.
وتأتي تصريحات المبعوث الأممي، غير بيدرسون، مؤخرًا حول إمكانية تعديل القرار أو تبني قرار جديد، لتشير إلى تحولات محتملة في المشهد السياسي، بحسب ما أكده نادر الخليل لعنب بلدي.
في ظل هذه التطورات يعتبر الخليل أن هناك عدة ملفات يجب تعديلها في القرار لتكون مناسبة للمرحلة وهي:
- العملية السياسية: يجب التركيز على إشراك جميع الأطراف السورية في العملية السياسية، بما في ذلك الفصائل المعارضة المختلفة والمجتمع المدني، لضمان تمثيل شامل.
- الانتخابات: تعديل بنود الانتخابات لتكون تحت إشراف دولي محايد، وضمان مشاركة جميع السوريين في الداخل والخارج، وفق أسس تضمن العدالة والشفافية.
- حقوق الإنسان: تعزيز بنود حماية حقوق الإنسان وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والجرائم.
- المساعدات الإنسانية: تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق السورية دون تمييز، وضمان عدم استخدامها كأداة ضغط سياسي.
لضمان نجاح مساعيه، تبقى من مصلحة بيدرسون التنسيق مع إدارة سوريا الجديدة في الملف السوري، حيث يمكن لهذا التنسيق أن يسهم في تحقيق تقدم ملموس بالعملية السياسية والتحول الديمقراطي، ويعزز من فرص الوصول إلى حل سلمي شامل ومن مصداقية الأمم المتحدة، ويظهر التزامها بتحقيق السلام في سوريا.
نادر الخليل
باحث سياسي سوري
المجتمع الدولي يضمن الانتقال
يجب أن تكون الجهود الدولية متضافرة لتحقيق نظام سياسي ديمقراطي شامل ومستدام في سوريا، مع التركيز على حماية حقوق الإنسان وضمان العدالة والمحاسبة، بحسب ما أكده الباحث نادر الخليل.
ويتطلب دور الأمم المتحدة في سوريا إعادة تقييم شاملة في ظل الظروف الحالية، ويبقى من الضروري تعديل القرار “2254” أو تبني قرار جديد يركز على المصالحة والتنمية وإعادة الاعمار واللاجئين وضمان سلاسة التغيير السياسي لنظام ديمقراطي عادل وشامل لكل السوريين، عبر إشراك جميع الأطراف المعنية، والتنسيق مع الإدارة السورية الجديدة قد يكون خطوة حيوية لتحقيق النجاح في المساعي الأممية، ما يساهم في تحقيق استقرار دائم في البلاد.
وحول الأطراف التي يجب أن تشارك في صنع القرار الجديد أو تعديل القرار “2254”، يرى نادر الخليل ضرورة وجود أربعة أطراف بشكل رئيس، هم أولًا الأمم المتحدة بصفتها الجهة الراعية للعملية السياسية، وثانيًا الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين وغيرها، لضمان دعم دولي قوي، وثالثًا عدد من الدول الإقليمية مثل تركيا والسعودية ومن لها تأثير كبير على الوضع في سوريا، وأخيرًا بالتأكيد الأطراف السورية بما في ذلك القيادة الجديدة وكل أطراف المعارضة والفصائل المسلحة والمجتمع المدني.
ليس من مصلحة الإدارة السورية الجديدة “معاندة” المجتمع الدولي وخصوصًا مع وجود إرادة واضحة ورقابة دولية (إن صحت تسميتها) لتحقيق انتقال سياسي لنظام ديمقراطي يتضمن دستورًا جديدًا وعملية انتخابية للرئيس وشكل الحكومة وغيرها من متعلقات، بحسب ما أكده الباحث السياسي نادر الخليل.
وأضاف الخليل، “هنا قد يرى البعض أن هذه النقطة يمكن أن تضر بالسوريين لناحية وجود تدخلات دولية، ولكن الرأي الآخر يقول من إن مصلحة السوريين إجمالًا ألا تستفرد الإدارة الجديدة بالحكم في البلد، وهو بذلك تدخل لمصلحة جميع السوريين، بشرط أن تكون هناك ضغوط من مختلف الأطراف السورية بأن هذا التدخل لمصلحة السوريين”.
تبرز أهمية هذا الأمر اليوم، وفق الباحث، خاصة مع وجود ما يمكن تسميته تقاطع مصالح في لحظة تاريخية بين السوريين إجمالًا من جهة، وبين دول الإقليم بمعظم دوله، والمجتمع الدولي بمعظم قواه الفاعلة من جهة أخرى، في ما يظهر أنه اتفاقها على رؤية سوريا جديدة مستقرة، ولتحقيق هذا الاستقرار بعيد الأمد لا بد من وجود حكم رشيد يحظى بمشروعية شعبية ناتجة عن مشروعية ديمقراطية وانتخابات، وليس فقط مشروعية ثورية.
لذا من مصلحة الإدارة السورية الجديدة الاستفادة من هذا الاتجاه العام وعدم معاندته تجنبًا لعدم رفع العقوبات بشكل نهائي، وعدم إعادة إعمار واسعة وكبيرة للبلد، لأن حصول ذلك سينعكس سلبًا على الجميع، وبالتالي ستدفع ثمنه الإدارة الجديدة لناحية انفضاض جانب كبير من السوريين وجمهورها عنها.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :